العدد 44 - أردني
 

يوسف منصور

المبدأ هو أن شهر رمضان المبارك هو شهر عبادة وتقوى وعمل، حيث أن الإسلام دين تعامل مع مبدأ العمل والجهد والاجتهاد على أنه نوع من العبادة، وبخاصة إذا كان في هذا العمل فائدة للناس. وفي شهر رمضان يحسّ الغني بما يعانيه الفقير من شحّ الحال وضيق الموارد، فلا يبذخُ أو يسرف فيه الموسر في الإنفاق على بيته وأسرته، بل يبقي نمطه الاستهلاكي على ما هو عليه، بينما يزيد من الإنفاق في الشهر على الفقراء والمعوزين كواجب أساسي لتكميل متطلبات الشهر.

هذا هو المبدأ، ولكن الممارسة أصبحت تختلف كثيرا عن المبدأ والهدف، فما يلاحظ من تصرفات أصبح في معظم الأحيان يعارض ذلك، ففي الأسبوع الأول من شهر رمضان الجاري ارتفعت أسعار الخضراوات بنسب تجاوزت 50 بالمئة لمعظم الأصناف نتيجة لازدياد الطلب على الطعام في الشهر، وبحث البعض من منتجي او موردي هذه السلع عن ربح حكري يعتبر مرفوضاً في المدارس الاقتصادية والإسلامية.

كما تشتد الرقابة في شهر رمضان من قبل الحكومة على التجار وتزداد المخالفات لتسعيرات التجار في الشهر، حيث حررت وزارة الصناعة 50 مخالفة، على الرغم من أن وزارة الصناعة قامت باتخاذ العديد من الإجراءات لإدامة توفير السلع في أسواق المؤسسة الاستهلاكية، وبدأت الحكومة في العمل على إنشاء أسواق شعبية لتحفيز المنافسة وكسر طوق الاحتكار، حيث يرى بعض التجار فرصة للربح الإضافي مع ارتفاع الطلب، وهو تفكير محدود ومغلوط، عدا عن أنه مشمول بعقوبة القانون.

كما أننا نلاحظ في هذا الشهر ارتفاع أسعار الدواجن واللحوم، حيث ارتفعت أسعار الدواجن واللحوم البلدية بنسبة 9 بالمئة و7 بالمئة، على التوالي في الأسبوع الأول من الشهر، نتيجة ازدياد الطلب وقلة الكميات المعروضة (جرّاء موجة الحر وارتفاع أسعار الأعلاف والممارسات الاحتكارية في السوق)، وهو ما يدل على انعدام التقشف.

ويزداد الطلب على بعض السلع التي تعتبر من الكماليات خلال العام لتصبح من الضروريات خلال الشهر كالمكسرات مثلاً، حتى إن سعر كيلو جوز الهند قفز من 1.8 دينار في رمضان العام الماضي إلى 2.8 دينار في رمضان، مع محافظة أسعار بعض المكسرات على مستوياتها نتيجة ازدياد العرض في العالم وارتفاع أسعار البعض الآخر إلى مستويات تمنع المواطن من شرائها لتزيين مائدته، حيث يرغب الصائم بتجميل مائدة الطعام أكثر وتزداد شهيته لأطعمة وحلويات أصبحت تعتبر من طقوس هذا الشهر، كالقطايف مثلاً والذي ارتفع سعره هذا العام بنسبة 50 بالمئة بالمقارنة مع العام الماضي.

ويلاحظ أيضاً تغير أنماط استهلاك الكهرباء في رمضان من النهار الى الليل، وذلك لأن نشاط المواطن يصبح أقل في الصباح وأكثر في الليل مقارنة بغيره من الشهور، نتيجة السهر الطويل والاستغراق في النوم في ساعات الصباح. ولقد حصل ذلك فعلاً في هذا الأسبوع كما صرح مسؤولو شركة الكهرباء.

الحكومة أيضاً، تقوم بالمشاركة في سلوكيات تناهض مبادئ الشهر من خلال تقليل ساعات الدوام، فيتبعها مرغما في ذلك القطاع الخاص، حيث إن الحكومة توظف أكثر من 24 بالمئة من القوة العاملة في الأردن، والتي وصل عددها 1.3 مليون العام 2006 أي 23.8 بالمئة من السكان، بينما يعمل في الأردن، بالإضافة إلى ذلك، نحو 350 ألف عامل ثلاثة أرباعهم من العرب.

ويزداد في هذا الشهر العبء على المرأة العاملة، حيث يشارك 11.9 بالمئة من النساء في قوة العمل فيعملن خارج المنزل وداخله، ويواجهن عبئاً إضافياً في رمضان من خلال التحضير لولائم للأسرة بدلاً من الوجبات اليومية. وترتفع نسبة الأسر التي تأكل خارج البيت، وبخاصة تلك التي تعمل فيها ربة البيت خارج المنزل أيضا، وذلك لارتفاع ثمن وقت المرأة العاملة خارج البيت بالنسبة لتلك العاملة في المنزل فقط.

كما تتأثر البورصة نتيجة حاجة المضاربين إلى سيولة أكثر في الشهر، والذي تزامن موسمه هذا العام مع ابتداء الموسم المدرسي، ما أدى إلى ازدياد العبء في اقتصاد بلغت نسبة الغلاء فيه 13.3 بالمئة هذا العام ونسبة البطالة 13 بالمئة، وهي نسبة مزمنة يعاني منها المتعلمون، وبخاصة من حملة الشهادات الذين يصل معدل البطالة بينهم إلى 25 بالمئة.

الاستهلاك الفائض، وبخاصة في بلد مستورد يفوق عجز ميزانه التجاري (الفارق بين الصادرات والواردات) 53 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، يؤدي الى عواقب وخيمة وأعباء إضافية ذات آثار ضارة على المجتمع والأسرة والقطاعين العام والخاص. وتخفيض الناتج والإنتاجية يؤديان الى تخفيض القيمة المضافة في الاقتصاد في وقت تتراجع فيه معدلات النمو التي لا يتوقع أن تزيد على 4.4 بالمئة هذا العام بتراجع في المعدل عن العام الماضي يصل الى 20 بالمئة، وتعظيم العجز التجاري والميزان الجاري، وعجز الموازنة الذي بلغ 12 بالمئة من الناتج المحلي هذا العام، وهي أعلى نسبة منذ 2004، وذلك قبل الملاحق المتتالية التي تصدر بتكرار الصحف الشهرية حاليا.

ما أجمل أن يكون رمضان فعلاً شهر عمل تزداد فيه ساعات العمل ولا تقل، وتتقشف فيه الأسرة فلا تستدين لتنفق، في بلدٍ تستهلك فيه الأسرة 20 بالمئة أكثر مما تنتج، وتعتمد فيه الحكومات على المساعدات بنسب تصل الى 20 بالمئة من دخلها أيضا، ليساعد فيه الناس بعضهم البعض وليكون الشهر فعلاً شهر إنتاج وعبادة وعطاء!!

اقتصاديات رمضان: شهر للعبادة أم لتعظيم الاستهلاك؟
 
18-Sep-2008
 
العدد 44