العدد 44 - اقليمي
 

تحسين يقين

القدس - من المقرر أن تظهر ابتداء من صباح اليوم الخميس، نتائج الانتخابات على رئاسة حزب كاديما، وقد دارت المنافسة خصوصاً بين تسيبي ليفني وزيرة الخارجية وشاؤول موفاز وزير النقل الحالي ووزير الدفاع السابق. ليفني تطرح نفسها وتدعمها الولايات المتحدة كقائدة وصانعة قرار في العملية السياسية مع الفلسطينيين والسوريين. وبينما أشارت الاستطلاعات أن فرص فوز ليفني هي ضعف فرص موافاز : 47 الى 23 بالمئة إلا أن موفاز الذي لا يخفي تأييده لاجتياح عسكري لغزة، ظل منافساً جدياً حتى مساء الأمس الأربعاء. التساؤلات تثور حول الخيارات الأميركية، فلم يعد خافيا من الذي تفضله واشنطن لقيادة إسرائيل، فهل تنسجم المؤسسة الصهيونية متمثلة بعينة منها وهي حزب كاديما،مع ما تؤثره الولايات المتحدة لزوم إنجاز تفاوضي على الأرض بين الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل خاص؟ أم أن واشنطن غير مهيأة لدفع استحقاقات أية عملية سياسية ؟

حزب الفكرة والشخص

جرى التنافس السياسي الإسرائيلي في الماضي بين الأحزاب لا بين قادة الحزب الواحد،، حتى جاء آرئيل شارون القادم من خلفية حزبية ليكودية يمينية مؤسساً حزباً على مقاسه الفكري والاستراتيجي، وهو حزب كاديما، وعبر به انتخابات الكنيست محرزاً نصراً لم يكد يستمتع به، حتى غيبه المرض، تاركاً سياسيين من الصفين الثاني والثالث يعانون وقع المفاجأة؛ فلم يكن هؤلاء بوارد بقيادة الحزب، والحكومة الإسرائيلية، التي تجابه أعتى الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية.

كان شارون المؤسس والفكرة معا، فكان من الطبيعي أن ترتبك الحكومة والحزب، وأن تظهر بوادر التنافس والتناحر بين شخصيات الحزب في ظل مشاكل أولمرت، خصوصا بين خليفة شارون إيهود أولمرت وتسيفي ليفني التي حلت محلاً متقدماً كوزيرة خارجية في الحكومة، في حين نشأ سريعا تنافس بينها وبين قياديين آخرين كموفاز وأفي ديختر ومئير شطريت.

ساد الخصام في كاديما قبل رحيل أولمرت، لذلك فإن التنافس على قيادة الحزب- وإن تغلف بغلاف بمواقف سياسية خصوصاً لدى ليفني وشاؤول موفاز- هو تنافس شخصي، فليس هناك كبير اختلاف في المواقف السياسية التفاوضية بشكل خاص.

هكذا بدأ النقاش مبكراً حول خليفة أولمرت، الذي يقود إلى نقاش حول مستقبل تماسك الحزب وبقاء الحكومة.

ثمة احتمال أن ينشق الحزب إذا لم يقع وفاق وتوافق بين أقطاب كاديما، فليس هناك من ضمان ألا تنتقل بعض القيادات إلى الليكود، فلم يمر وقت طويل على خروجها منه!

غولدا مئير ثانية

ليست ليفني غولدا مائير أخرى، فوجه الشبه بينهما أنهما امرأتان، رغم ذلك تسوق ليفني نفسها على هذا الأساس، وهي منذ استقدمها بنيامين نتنياهو العام 1999 لتساهم في تقوية حزب الليكود، مروراً بعبورها الساحة السياسية من خلال شارون، ووصولها السريع إلى موقع متقدم في الحكومة، وهي لا تخفي طموحها الذي زاد مؤخرا منذ بدء الحديث عن مشاكل أولمرت.

تنافس

موفاز يتوقع الفوز، رغم ترجيح استطلاعات الرأي بفوز ليفني، إلا أن الوضع في صفوف أعضاء الحزب كان حتى يوم أمس الأربعاء يميل نحو موفاز بسبب شبكة علاقاته القوية، حتى إنه راح في مؤتمرصحفي أخير له يتحدث عن تشكيل الحكومة، لافتا إلى أن احتمالات تشكيله حكومة بديلة من دون إجراء انتخابات عامة أكبر من احتمالات ليفني: «لقد أجريت اتصالات مع رؤساء الكتل وهناك تفاهم على الحفاظ على القاعدة الائتلافية الحالية «كما تحدث موفاز مع أعضاء كنيست من كتل غير مشاركة في التحالف الحكومي وليسوا راغبين في تقديم موعد الانتخابات العامة «وهناك بداية اتفاق معهم على انضمامهم للتحالف المقبل...» مضيفا إن الدولة الإسرائيلية بحاجة لاستمرارية الحكم والوحدة، على أن تجري الانتخابات العامة في موعدها في تشرين الثاني/نوفمبر 2010.

يناور موفاز داخل الائتلاف، مقدما نفسه كمتفهم لحاجات حزب شاس الديني الشرقي كمشارك في الائتلاف، متفهما مطالبة شاس بالنسبة لمخصصات الأولاد، في الوقت الذي آثرت ليفني عدم الخوض في هذه التفاصيل، رافضة الرضوخ لابتزاز أحزاب لدى إقدامها على تشكيل حكومة.

يساعد موفاز، ما نقلته «معاريف» مطلع الأسبوع الجاري، عن ميل «شاس» لتقديم الانتخابات،إذا ما وضعت أية حكومة جديدة القدس على جدول أعمال طاولة المفاوضات.

وموفاز نفسه الذي انتقد ليفني بشدة عن موقفها من إقرار الموازنة، وتساءل: كيف تقبل وهي المرشحة لرئاسة الحكومة ألا يكون لها رأي في مسألة تقليص ميزانية الأمن.. يتبع ذلك بالقول إنها لا تصلح للحكم فهي «غير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية، وعاجزة عن منافسة الأحزاب الأخرى.

74 إلف عضو سيمضون لانتخابات كاديما، وإن لم يحصل الفائز على 40 بالمئة من الأصوات،ستجري جولة انتخابات ثانية الأسبوع المقبل.

الأقرب للحلول!

لكن تسيفي ليفني هي الأقرب إلى الحلول، وهي تشكل استمرارا لنهج كل من مؤسس كاديما شارون وخليفته أولمرت، و بالنسبة للبيت الأبيض فإنها تعتبر خيارا يمكن التعويل عليه بالحسم.

تعارض ليفني أي اتفاق مبادئ مؤقت ومشروط، وهي تعتقد أن السعي لإبرام تسوية محددة بوقت يمكن أن يؤدي إلى إحباط والى استئناف العنف، وهي بالتالي تؤيد مفاوضات مفصلة عبر الإصرار على المصالح الإسرائيلية حتى التسوية النهائية، وفي نظرها فإنها ترى أن «هذا الوقت» هو المناسب.

ورغم مواقفها المتطرفة في مسألة القدس وحق العودة للاجئين، إلا أنها منفتحة على الحلول، ذلك أنها وهي القادمة من اليمين باتت على قناعة بضرورة حل قضية الفلسطينيين من خلال دولة خاصة بهم، فهي لا تريد أن تجد نفسها أمام خيار دولة ثنائية القومية الغالبية فيها ليست لليهود.

«ستأسف إسرائيل على كل يوم يمر دون التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين» هذا ما أكده أولمرت الخارج من الحلبة السياسية الإسرائيلية، مذكراً بأن أجزاء كبيرة آخذة بالتزايد في المجتمع الدولي تتبنى فكرة دولة واحدة للشعبين لن تكون الأغلبية فيها لليهود.

هذا ما تؤمن به تسيفي ليفني أيضاً وتود إنجازه في أسرع وقت ممكن.

لذلك فهي تميل إلى استمرار المفاوضات والتركيز على إيجاد آلية لمواصلة المفاوضات في العام المقبل،، وهي تحت الضغط الأميركي تجد نفسها مضطرة لإنجاز سياسي على الأرض.

ترى ليفني أن رئيس الحكومةالمقبل سيجري مفاوضات وفقا للظروف بعد الانتخابات الأميركية، والانتظار لما قد يسفر عنه تدهور العلاقات الدولية بين حليفتها الولايات المتحدة وروسيا، وانعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية على الصراع هنا.

وهي تشترك مع موفاز في عدم وجود رؤية سياسية واضحة تجاه ما سوف يحدث، لأنه خارج عن السيطرة.

لا يغيب عنها، كما لا يغيب عن منافسها موفاز، أنه بالإمكان -إذا لم تواجه إسرائيل ضغوطا- ألا تنسحب من الضفة الغربية في العام المقبل!.

ورغم اتفاقها مع مع يدعو له أولمرت من إخلاء المستوطنين وتعويضهم، إلا أنها لا ترى الوقت ملائماً، وهذا لا ينفي تفضيلها للاستيطان في النقب والجليل حيث الأغلبية العربية.

كما أن ليفني وموفاز لا يميلان لاستنفاد الجهد الدبلوماسي قبل العمل العسكري ضد إيران، أو محاصرة إيران اقتصادياً كما تفضل ليفني. وليفني القادمة من خارج المؤسسة العسكرية، ولكن من الموساد، تجاري العسكر في إظهار القوة.

ما يجمع عليه قادة كاديما وقادة الحكومة

رغم هذا الاختلاف والتنافس، هناك ما يجمع عليه موفاز وليفني وآخرون من الحكومة، وهو عدم إيصال الأمور الى انتخابات عامة مبكرة، فليس هناك من ضمان لعودتهم للحكم، في ظل توقع فوز أحزاب اليمين، فحسب الاستطلاعات سيفوز: الليكود 13 مقعداً، إسرائيل بيتنا 21، الاتحاد الوطني 8، شاس 9، يهودات هتوراة 6. واليمين نفسه الذي وصل الى الحكم أول مرة العام 1977،هو الذي قاد الاستيطان وخلق واقعاً على الأرض جعل التسوية الإقليمية مستحيلة.

فأمامهما تحد بعدم الانشقاق والبقاء في الحكم، ويشترك معهما أركان كاديما والعمل وشاس وباقي الائتلاف الحكومي.

من المنظور الفلسطيني، فإن ليفني باقية، سواء أفازت في منصب رئيسة حزب كاديما، أو لم تفز، حيث يبدو أنها في ظل استمرار المفاوضات أو استئنافها -بعد افتراض توقفها في حالة إجراء انتخابات إسرائيلية مبكرة- سيكون لها دور في قيادة المفاوضات، أكانت على رأس طاقم التفاوض، أو في موجهي الطاقم من أعلى المستويات.

لذلك ثمة ضرورة لإعادة تفحص موقف ليفني من العملية التفاوضية!

واشنطن دعمت ليفني وموفاز “واثق من فوزه”
 
18-Sep-2008
 
العدد 44