العدد 43 - أردني
 

فارس بريزات

رغم أن التلفزيون، هو الأحدث بين وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، فإن الرأي العام العربي في عدد من البلدان العربية، فانه يعتبر من أكثر المصادر جدارة بالثقة في إعلان خبر سياسي محلي.

وقد أظهر استطلاع للرأي أجري في كل من الكويت وفلسطين والأردن ولبنان واليمن والجزائر، أن التلفزيون يعد المصدر الأكثر وثوقاً في هذا المجال، وبنسب متفاوتة. فبينما يعتبر 50 بالمئة من الكويتيين أن التلفزيون هو الأكثر صدقية، يرى ذلك نحو 78.9 بالمئة من الفلسطينيين و 80 بالمئة من الأردنيين ومثلهم من اللبنانيين. وعلى الرغم من الهالة التي تحاط بها الصحافة المكتوبة، فإنها ما زالت تراوح في مستويات متدنية من الثقة مقارنة بالتلفزيون، إذ لم تتجاوز نسبة الذين يعتبرون الجرائد والصحف المحلية المصدر الأكثر وثوقاً بخصوص خبر سياسي محلي نسبة 22.6 بالمئة في الكويت، و 2.8 بالمئة في فلسطين، و 8.2 بالمئة في الأردن. ومن اللافت أن الإذاعة تحتل المرتبة الثانية في فلسطين من ناحية الصدقية، بنسبة 12 بالمئة، بينما تحتل المرتبة الرابعة في الكويت والثالثة في الأردن.

تكشف هذه البيانات، المستقاة من مشروع قياس الرأي العام العربي الذي يحتضنه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، عن أن سوق التنافس الإعلامي في المجال السياسي يكاد ينحصر بالتلفزيون في كل من الأردن وفلسطين ولبنان والمغرب، وبشكل اقل في الكويت. أما فــي الجزائر واليمن، فــرغم أن التلفزيون هو المصدر الأكثر وثوقاً بخصوص خبر سياسي محلي، فإنه لا يحظى بالأهمية ذاتها التي يحتلها في الدول العربية الأخرى.

وعلى الرغم من انتشار شبكة الإنترنت بوصفها مصدراً مهماً للأخبار في العالم، فإنها ما زالت تراوح في مستويات متدنية في الدول العربية، ولم تحل محل الصحافة المكتوبة والإعلام المرئي بأشكالهما التقليدية. ويبدو أن انتشار الإنترنت في الكويت بشكل أكبر منه في الأردن وفلسطين جعل الإنترنت يحصل على نسبة 10 بالمئة من الكويتيين كأكثر المصادر وثوقاً بخصوص خبر سياسي محلي، مقارنة بنحو 3 بالمئة في فلسطين و1.6 بالمئة في الأردن.

ومع ازدياد استخدام تكنولوجيا الاتصالات الخلوية وارتفاع نسب المشتركين بخدماتها، بدأ استخدام الرسائل النصية يدخل على وسائل تلقي الأخبار السياسية المحلية ولو بنسب متدنية جداً، ولكنها تفوق نسب المجلات والصحف الأسبوعية في الكويت وبمستويات مماثلة لهل في كل من الأردن وفلسطين، حيث يعتبر 3 بالمئة من الكويتيين أن الرسائل النصية هي المصدر الأكثر وثوقاً بخصوص خبر سياسي محلي، مقارنة مع 0.2 بالمئة في فلسطين ولم تظهر الرسائل النصية كأحد المصادر الأكثر وثوقاً بخصوص خبر سياسي محلى في الأردن.

وبما أن التلفزيون هو المصدر الأكثر وثوقاً بخصوص خبر سياسي محلي في المجتمعات العربية، فلا بد من التعرف على المحطات التلفزيونية التي يعتمدها المواطنون كأهم مصادر الأخبار السياسية المحلية. وللوصول لهذه الغاية صممت الأسئلة بطريقة تتابعية تسمح بالوصول لاسم المحطة التلفزيونية أو الصحيفة أو المجلة سواء كانت يومية أم أسبوعية والى الموقع الإلكتروني. وسنختصر الإشارة هنا إلى المحطات التلفزيونية نظراً لأن التلفزيون يحتل المرتبة الأولى.

خلافاً للأردن وفلسطين، يحتل التلفزيون الوطني الكويتي المرتبة الأولى بين الكويتيين كأكثر المصادر التلفزيونية مصداقية بخصوص خبر سياسي محلي ونسبة 47.6 بالمئة من الذين قالوا إن التلفزيون هو المصدر الأكثر وثوقاً بخصوص خبر سياسي محلي كما يبين الشكل رقم 1. ويمكن تفسير هذه الظاهرة جزئياً بمستوى الحرية الإعلامية المتقدم في المؤسسات الإعلامية الكويتية بما فيها التلفزيون مقارنة مع المؤسسات الإعلامية الوطنية في الدول العربية الأخرى، ويحضر المجتمع السياسي الكويتي الذي يتناول أخباره التلفزيون المحلي بصورة تكاد تكون شاملة خصوصاً حوارات البرلمان الكويتي التي تثير كثيراً من الاهتمام بين الكويتيين. يليه وبفارق كبير نسبياً تلفزيون قناة الرأي الكويتية بنسبة 11.6 بالمئة، ثم قناة سي إن إن بنسبة 10.2 بالمئة، يليها قناة الجزيرة 8.8 بالمئة، يليها قناة العربية بنسبة 7.5 بالمئة، ثم قناة بي بي سي بنسبة 7.5 بالمئة، تتبعها محطة إم بي سي بنسبة 3.4 بالمئة، ثم قناة الأخبار بنسبة 3.4 بالمئة. والمثير للاهتمام هو حصول قناتي سي إن إن وبي بي سي على نسب قريبة من النسب التي حصلت عليها كل من الجزيرة والعربية. ولعل تفسير هذه الظاهرة في الكويت يتعلق جزئياً بانتشار الانجليزية بين الكويتيين بنسب مرتفعة نسبياً من جانب. ومن جانب آخر توافر المحطات الأخرى (غير التلفزيون الوطني) كرديف لمقارنة الأخبار المحلية من مصادر مختلفة وبذلك تتساوى تقريباً القنوات الفضائية العربية مع القنوات الإنجليزية كمصادر ذات صدقية في الأخبار السياسية المحلية الكويتية. وهناك عامل آخر ذو أهمية نسبية، وهو الدخول المرتفعة للكويتيين التي تمكنهم من الاشتراك في الخدمات الإخبارية التي تقدمها القنوات الناطقة الإنجليزية.

في فلسطين تحتل قناة الجزيرة الفضائية المرتبة الأولى بين محطات التلفزيون بوصفها المصدر الأكثر وثوقاً بخصوص خبر سياسي محلي وبنسبة 64 بالمئة. يليها التلفزيون الوطني الفلسطيني ثم مجموعة من المحطات الأخرى تتوزع بين التلفزيون الأردني والتلفزيون الإسرائيلي والسوري وغيرها من محطات التلفزة الأرضية والفضائية مثل إل بي سي. ثم يأتي تلفزيون المنار بنسبة 3 بالمئة، ثم قناة العربية بنسبة 3 بالمئة. وتشير مقارنة هذه الدراسة مع دراسات سابقة إلى أن قناة الجزيرة تحتفظ بالريادة بين المشاهدين الفلسطينيين ولم يتمكن التلفزيون الوطني من الدخول في منافسة جدية معها. ومرد هذه الظاهرة يعود، بالدرجة الأولى، إلى ان الجزيرة لديها فرق صحفية منتشرة بشكل كبير في المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وتغطي الأحداث بشكل أسرع من المحطات الأخرى المنافسة مثل العربية. ومن جانب آخر تتميز تغطية الجزيرة للأحداث في فلسطين بالمباشرة والنقل الحي من موقع الحدث وهذا يجعل القناة أقرب إلى المشاهد لأنه يرى حقيقة ما يعيشه على شاشتها. وتتميز تغطية الجزيرة في فلسطين بذكر أسماء الفاعلين والشركاء في الحدث مع بعض التفصيل. إضافة لذلك، تبدو تغطية قناة الجزيرة للأحداث الفلسطينية مؤثرة في المتلقي. لا ينفي هذا أن القنوات الأخرى تقوم بعمل مشابه وربما مطابق لما تقوم به الجزيرة ولكن أسبقية الجزيرة خلقت لها جمهور يصعب انتزاعه. وربما يفسر هذا الحال تدني النسبة التي حصلت عليها قناة العربية ين الفلسطينيين. ومن اللافت للنظر أن قناة المنار تحتل مرتبة متساوية مع قناة العربية بين الفلسطينيين (3 بالمئة).

في الأردن تنافس قناة الجزيرة التلفزيون الوطني الموقع الأول بوصفها المصدر الأكثر وثوقاً بخصوص خبر سياسي محلي حيث يحتل كل منهما نسبة 43 بالمئة بين الأردنيين الذين أفادوا بان التلفزيون هو المصدر الأكثر وثوقاً بخصوص خبر سياسي محلي. وبمقارنة نتائج هذه الدراسة مع دراسات سابقة تعاملت مع هذا الموضوع على مر السنوات السابقة، يتأكد الاتجاه العام بان قناة الجزيرة تحتل وبازدياد مطرد مكاناً أكثر تقدما في كل دراسة استطلاعية بينما يحافظ التلفزيون الأردني على الموقع ذاته أو يتراجع تدريجياً لصالح الجزيرة أو غيرها من المحطات الأخرى. وتأتي قناة العربية بالمرتبة الثالثة يليها وبنسب أقل من 1 بالمئة كل من أم بي سي والمنار والحرة وسي إن إن. ويمكن تفسير حضور الجزيرة القوي كمصدر ذي مصداقية للأخبار المحلية الأردنية بين الأردنيين إلى سرعة تغطية الأخبار السياسية المحلية وتلك ذات البعد الإقليمي. تميزت تغطية قناة الجزيرة بقربها من مراكز الفعل السياسي سواء كان في الحكومة أو المعارضة، وتمكنت الجزيرة من عرض جميع وجهات النظر الأردنية في الموضوعات التي تغطيها في الأردن. مثلاً عندما قتل الزرقاوي في العراق أظهرت الجزيرة آراء ومواقف من النقيض إلى النقيض. ولا شك أن هذا أكسب الجزيرة أعداء وأصدقاء ولكن بالمحصلة أكسبها مشاهدين جدداً.

في المحصلة فإن المزيد من البيانات من دول عربية أخرى سيمكننا من الإجابة عن التساؤل الرئيس بما يتعلق بمستقبل المحطات التلفزيونية الوطنية المحلية كمصادر موثوقة للأخبار المحلية مقارنة مع الفضائيات العربية مثل الجزيرة والعربية. البيانات المتاحة الآن من الأردن والكويت وفلسطين تشير إلى سيطرة للجزيرة في فلسطين، والى أنها (الجزيرة) تنافس التلفزيون الأردني كمصدر موثوق في الأخبار السياسة المحلية، أما في الكويت فيتمتع التلفزيون الوطني بصدقية عالية بما يتعلق بالأخبار المحلية.

الأردنيون والإنترنت

رغم التقدم الذي حصل على استخدام الأردنيين للإنترنت خلال السنوات الماضية، إلا أن شبكة الإنترنت ما زالت تحظى بنسبة متواضعة كمصدر موثوق للأخبار السياسية المحلية. بينما يستخدم 24 بالمئة من الأردنيين الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة الإنترنت، لم تزد نسبة الذين يثقون بها كمصدر للأخبار السياسية المحلية عن 1.2 بالمئة. وهناك فرق بين أن تكون نسبة تصفح مواقع الإنترنت كبيرة نسبياً وبين مدى ثقة المستخدمين بهذه المواقع.

سباق غير متكافئ بين الإعلام المرئي والمقروء على كسب الرأي العام
 
11-Sep-2008
 
العدد 43