العدد 43 - أردني
 

دلال سلامة

في العام 2004، أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تقريرا أشادت فيه بالمرونة التي تتعامل بها السلطات الأردنية مع مقاهي الإنترنت، مقارنة بدول عربية أخرى، وقد أشار التقرير الذي وصف الأردن بأنه "بصيص ضوء" يقود إلى قرارات لتنظيم عمل مراكز ومقاهي الإنترنت، اشتملت على شروط تشجيعية للاستثمار في مجال تقنية المعلومات. وبحسب التقرير فإن الأردن هو أحد الدول المبشرة في العالم العربي، ومثال يمكن لدول أخرى الاقتداء به.

وفيما يبدو أنه انحسار لـ"بصيص الضوء" المشار إليه، أصدرت الشبكة في العام 2008، تقريرها الذي تنتقد فيه الإجراءات التنظيمية الأخيرة لمقاهي الإنترنت المستندة على تعليمات أمنية تتضمن: إلزام أصحاب المقاهي بتركيب كاميرات مراقبة أمام واجهة المحل بهدف معرفة مرتادي هذه المقاهي، وكذلك بتسجيل بيانات المستخدمين التفصيلية؛ أسماؤهم وأرقام هواتفهم، ووقت الاستخدام ورقم ال IP الخاص بالمقهى، وبيانات المواقع التي يقوم الزوار بتصفحها.

محمد، صاحب مقهى إنترنت، يعلق في مكان ظاهر لافتة تطلب من مرتادي المقهى إبراز هوياتهم الشخصية، وتشدد في الوقت نفسه، على منع دخول من تقل أعمارهم عن الثامنة عشرة. ولكن تلك، كما يقول، مجرد ورقة على الحائط: "لقد التزمت في البداية، وكنت أطلب من الزوار إبراز هوياتهم، ولكن ذلك أثر سلبا على عمل المقهى، فقد انخفضت نسبة الزوار إلى حد كبير".

عادل الجابر، صاحب مقهى آخر، يشدد على هذا الكلام، ولكنه يقول إن عدم التزامه يعود إلى الإحراج الكبير الذي يسببه طلب الهوية: "مسألة مثل هذه تثير في الغالب، غضب الناس، وكثير منهم كانوا يرفضون إبراز الهوية ويخرجون من المحل".

ولكن الجابر يؤكد أنه يلتزم تماما بالجزء المتعلق بالعمر، فيمنع إدخال الأطفال والمراهقين إلى محله، لأن هؤلاء في الغالب يسببون المشاكل للرواد الآخرين بالضجة التي يثيرونها.

المفارقة هي أن عدم الالتزام بهذه القيود لا يسبب المشاكل لأصحاب المقاهي، لأن الأمر، كما يقول جمال، وهو أحد العاملين في مقهى للإنترنت، يسير على طريقة الفزعة. وبحسب جمال، كان هناك تشديد على تطبيق هذه القوانين في بداية إقراراها، ولكن الأمور تراخت بعد ذلك، ولكن يحدث بين فترة وأخرى أن يعود التشديد، وذلك عندما تثور مشاكل مصدرها الإنترنت، مثلا في حالة نشر بيانات مناهضة لسياسات الحكومة أو رسائل تهديد.

ولكن الرقابة على مرتادي المقاهي عمل لا تقوم به السلطات وحدها، فقد يفاجأ كثيرون بأن صاحب المقهى يمكنه أن يفعل ذلك، وهذا ما يشرحه عادل الجابر:

"بعض أصحاب المقاهي يقومون بتحميل برامج معينة على أجهزتهم تمكنهم من الدخول إلى المواقع التي يتصفحها زبائن المحل." ولكن الجابر يؤكد أن هذه ممارسة غير أخلاقية، وهي، بحسب علمه، غير شائعة كثيرا.

منال، 20 سنة، وهي طالبة جامعية ومن مرتادي هذه المقاهي، تعرف بأمر هذه البرامج وتقول إنها تشكل بالنسبة لها هاجسا:

" في المقاهي أتصفح المواقع المتعلقة بدراستي فقط، ولكن الدخول على أي صفحة شخصية يتم في المنزل."

بعد رقابة السلطات ورقابة أصحاب المقاهي هناك الحلقة الثالثة في السلسلة، وهي الرقابة التي يمارسها الأهل، وهي رقابة تطبق بشكل أساسي على الفتيات.

رمزي، 47 سنة، هو والد لأربعة أبناء، يرتاد أولاده الذكور هذه المقاهي، ولكنه لا يتخيل أن تقوم ابنته ريم، 16 سنة، بذلك: "عندما يحين الوقت، أي عندما تدخل ريم الجامعة وتحتاج الإنترنت بشكل حقيقي، سأقوم بعمل اشتراك منزلي، ولكنني أبدا لن أسمح لها بالذهاب إلى مقهى إنترنت".

مصطفى، 51 سنة، لا يؤيد ذلك في المطلق، وهو يسمح لابنته ندى، 14 سنة، بالذهاب إلى محال الإنترنت، لإنجاز تقاريرها المدرسية، ولكنه يكون حريصا على إيصالها إلى المقهى المناسب: "يمكن تشبيه مقاهي الإنترنت بدور السينما، فهناك دور سينما أجواؤها نظيفة محترمة، وهناك دور سينما لا يمكن للمرء اصطحاب عائلته إليها".

سيرين، 27 سنة، تقول إنها عندما تحتاج إلى تصفح بريدها فإنها تقطع مسافة كبيرة للذهاب إلى واحد من المقاهي القريبة من الجامعة، رغم وجود مقاهٍ قريبة من مكان سكنها: "المقاهي في شارع الجامعة مريحة نفسيا، فغالبية مرتاديها يأتون لإنجاز دراسة أو عمل، أما المقاهي في الحارات الشعبية، فكثير من زبائنها»، وتوقفت قبل أن تقول «زعران».

وتروي سيرين قصة حدثت معها في هذا السياق: «مرة واحدة اضطررت إلى دخول مقهى قريب من منزلي، وقد أصبت بالرعب وغادرت بعد خمس دقائق، فزجاج الواجهة مغطى بلاصق أسود يحجب الرؤية من الخارج تماما، وزبائن المحل كانوا خليطا من المراهقين والمتعطلين عن العمل، وكانوا يملأون المكان صخبا وضجيجا. لم أحتمل وسارعت إلى الخروج».

مقاهي الإنترنت: قيود على خيارات بلا حدود
 
11-Sep-2008
 
العدد 43