العدد 43 - أردني
 

نهاد الجريري

الهدف النهائي من إيجاد الحكومة الإلكترونية، هو إتاحة الفرصة أمام المواطن لكي يكون قادرا على إتمام أي إجراء أو معاملة حكومية من خلال عدد من الإجراءات الآلية التي يمكنه أن يقوم بهامن خلال شبكة حكومية آمنة، أو من خلال موقع إلكتروني حكومي يسمح له بتقديم الطلب، من جهاز الكمبيوتر في منزله إن أحب، والحصول على نتيجة الطلب، سواء كان الحصول على رخصة تسجيل لشركة ينوي تأسيسها، الحصول على بطاقة شخصية، وذلك بالطريقة الآلية نفسها التي استخدمها في تقديم الطلب.

هذه العملية بأكملها يمكن للمواطن أن يقوم بها من دون أن يضطر إلى التحرك من مكانه، وذلك بغض النظر عن موقعه الجغرافي. ففي إمكانه أن يقوم بدفع الرسوم أو ما يترتب عليه لقاء هذه الخدمة من مستحقات مالية. الحكومة الإلكترونية بهذا المعنى هي "أتمتة" AUTOMATION الخدمات، وتنفيذها بشكل آلي. وهو ما يتفق مع المعنى الاصطلاحي لتعبير الحكومة الإلكترونية.

موسوعة ويكيبيديا الحرة تعرف الحكومة الإلكترونية بأنها "استخدام تقنية المعلومات بما يوفر للمواطنين، وللمؤسسات على حد سواء، سهولة الوصول إلى معلومات وخدمات حكومية بالإضافة إلى توفير الخدمات العامة للمواطنين ورجال الأعمال والعاملين في القطاع العام." والتقنية هنا لا تقتصر على الإنترنت، بل تتعداها إلى وسائط إلكترونية أخرى مثل الرسائل القصيرة SMS والبلوتوث، والبطاقات الذكية، وبعض الأنظمة الخاصة، مثل تلك المستخدمة في عمليات الاقتراع الإلكتروني في بعض الدول مثل الولايات المتحدة.

هنا في الأردن، وضع برنامجٌ للحكومة الإلكترونية العام 2001، وذلك بناء على رؤية أعلن عنها الملك عبد الله الثاني في مؤتمر دافوس العام 1999.

في 2001 أنشىء برنامج الحكومة الإلكترونية، وفي 2002 تم التعاقد مع شركات عالمية لإعداد دراسات واستراتيجيات للتنفيذ؛ فأصبح في عهدة وزارة البريد والاتصالات، التي تحولت في العام التالي إلى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات.

اليوم، بعد مرور 8 أعوام على تلك الخطوات الأولى، ما زال برنامج الحكومة الإلكترونية مدار جدل؛ البعض يعتقد أن البرنامج "أضاع" 5 سنوات على الأقل من دون استثمار للزخم الإعلامي والتأييد الملكي في الخروج بتطبيقات يلمس المواطن أثرها على الأرض. آخرون يرون أن البرنامج لم يتأخر في "أتمتة" الخدمات، وأن هناك إنجازات للبرنامج ولكنها إنجازات تراكمية. مصدر مطلع على هذه التجربة من بداياتها، فضل عدم ذكر اسمه، يدلل على ذلك بما نلمسه اليوم من سرعة في الإجراءات عند إصدار جواز سفر أو هوية شخصية، أو تسجيل شركة لدى وزارة الصناعة والتجارة، والتي كانت باكورة مشاريع برنامج الحكومة الإلكترونية. ويضيف هذا المصدر أن البرنامج حظي منذ البداية بإعجاب الخبراء في أستراليا ونيوزيلندا وسنغافورة، وهذه الدول الثلاث هي الأكثر تطورا في العالم في مجال الحكومة الإلكترونية.

لكن سامر الحمارنة، المدير السابق لدائرة النظم المعلوماتية في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، يرى أن البرنامج في مرحلته الأولى افتقر إلى الرؤية الواضحة، فكان الهدف هو تقديم طلب على الإنترنت؛ "ولكن ماذا عن الوثائق المرفقة بالطلب؟" يتساءل الحمارنة. مثل هذا الأمر لا شك سيضطر المواطن إلى مراجعة الدائرة المعنية لتقديم الوثائق، ناهيك عن عدم التطرق، آنذاك، إلى فكرة ربط الوزارات والدوائر المعنية بحيث تعمل بوصفها "وحدة واحدة"، بما يحقق النظرة الشمولية للحكومة. فلا يضطر المواطن إلى مراجعة المالية لإتمام معاملة في وزارة الزراعة، مثلا.

أسامة كرادشة، مدير نظم المعلوماتية في وزارة النقل والمطلع على البرنامج يذهب في الاتجاه نفسه ويقول إن البرنامج في سنواته الأولى "كان يعمل بمعزل عن الوزارات". أما في السنوات اللاحقة، فقد تغير تعاطيه مع دوائر النظم المعلوماتية، "فصار اتصاله بهذه النظم أكبر." وفي هذا الإطار، يلفت كرادشة إلى أن إقبال بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية على "أتمتة" خدماتها جاء بسبب جائزة الملك عبد الله الثاني للتميز أكثر منه بسبب مبادرات من برنامج الحكومة الإلكترونية؛ إذ إن جزءاً من متطلبات الجائزة يجبر الوزارات على أن تنشط في مجالات الحكومة الإلكترونية.

ويشير كرادشة إلى مشروع يقع في صلب مفهوم الحكومة الإلكترونية، ولكنه تم بمعزل عن برنامج الحكومة، هو مشروع "تنظيم دخول وخروج الشاحنات إلى منطقة العقبة الخاصة"، الذي بدأ العمل فيه نهاية 2005. وقد جاء بمبادرة من منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ووزارة النقل ومولته منحة أميركية، حيث تم ربط أكثر من 168 شركة نقل وتخليص مع المؤسسات الحكومية المعنية مثل: الجمارك وسلطة الميناء. وبموجب هذا المشروع تتم إدارة حركة 2400 شاحنة يوميا من العقبة وإليها إلكترونيا، فكل شركة نقل أو تخليص لها اسم مستخدم USERNAME وكلمة عبور PASSWORD، ما يمكنها من تسجيل طلبها للدخول، فإما أن يتم قبول الطلب أو رفضه في حينه إلكترونيا. ويشدد مدير نظم المعلوماتية في وزارة النقل على سهولة استخدام هذا البرنامج، إذ يستطيع أي شخص ذي علاقة، سواء كان مدير المكتب أو سائق الشاحنة، أن يستكمل الإجراءات المطلوبة إلكترونيا ومن دون عناء.

حسن الحوراني، مدير برنامج الحكومة الإلكترونية، يقر بأن ثمة مشاكل اعترت استراتيجية الحكومة الإلكترونية في البداية عندما لم تتضمن "دمجا للمؤسسات ذات العلاقة." ويضيف: "رجعنا خطوة للخلف، فدورنا تنسيقي ونحن نقدم خدمات فنية وإدارية ومالية أحيانا، لكن المؤسسات صاحبة العلاقة هي المسؤولة عن تنفيذ خططها" فيما يتعلق بالخدمات التي تقدمها للمواطن. ويلفت الحوراني إلى أن برنامج الحكومة الإلكترونية ما زال "يصطدم بمقاومة تغيير على مستوى إدارات تنفيذية" في الوزارات والمؤسسات، الأمر الذي يعرقل حركة التقدم في مشاريع الحكومة الإلكترونية.

الخطوة التالية للبرنامج، الذي بلغت تكلفته حتى الآن 15 مليون دينار، تتمثل في ربط جميع الوزارات والمؤسسات في الدولة ضمن شبكة حكومية آمنة وموثوقة، وذات سعة اتصال عالية لتبادل أكبر قدر ممكن من البيانات والمعلومات، حتى يتحقق "الطموح الأكبر"، بحسب الحوراني، وهو أن يستكمل المواطن معاملته في مكان واحد مهما تعددت الجهات المعنية. الحوراني يتوقع أن يتم إنجاز هذه المرحلة بحلول العام 2010. أما مع نهاية العام الجاري، فسوف يتم ربط 52 مؤسسة ووزارة، مقارنة مع 8 مؤسسات كانت باكورة الشبكة في سنواتها الأولى. كما سيُصار قبل نهاية العام إلى اعتماد بوابة الدفع الآلي E-PAYMENT الذي سيُمكن المواطن، أو العميل، من إنجاز معاملته من ألفها إلى يائها إلكترونيا، بما في ذلك دفع التزاماته المالية. الحوراني يشير إلى أن هذا النظام عند تطبيقه سيكون مميزا بين مبادرات الدفع الإلكتروني في المنطقة التي تعتمد الدفع عبر بنك واحد فقط؛ أما من خلال بوابة الدفع الآلي، فيتم الدفع لأكثر من جهة مالية معتمدة وبأكثر من طريقة، سواء باستخدام بطاقة ائتمان أو بتحويل من حساب، أو حتى نقداً، إذا أراد المواطن، وذلك مقابل عمولة يتقاضاها البنك تراوح بين 1.75 و 2 بالمئة.

هذه الإنجازات تضاف إلى بوابة الرسائل القصيرة SMS GATEWAY وبوابة الحكومة الإلكترونية على موقع JORDAN.GOV.JO، وهي بوابة مركزية تقود إلى كل ما يتعلق بالقطاع العام، وبجوانب حياة المواطن. إذ توفر معلومات وافية عن الإجراءات المطلوبة لإنجاز أي معاملة حكومية (مثل الانتساب للضمان الاجتماعي، التقدم لشغل وظيفية حكومية، إعفاءات المرضى من كلفة المعالجة، الانتساب لدى غرفة الصناعة أو التجارة، رخص المهن والأشغال، الخ) . كما توفر البوابة نموذجا للطلب المعني. الحوراني يقول إن البوابة معلوماتية في طبيعتها، "ولكننا نسعى شيئا فشيئا إلى تحسينها وإضافة خدمات إلكترونية" مثل الاستعلام عن المخالفات من خلال رابط يوصل المستخدم ببيانات من أمانة عمان، أو تسجيل شركة من خلال رابط وزارة الصناعة والتجارة. هذه الإنجازات سمحت للأردن بالتقدم بين 182 من دول العالم، بحسب تقرير للأمم المتحدة، من المركز 90 في 2005 إلى 15 في 2007.

الحكومة الإلكترونية: بدايات متعثرة وآفاق واعدة
 
11-Sep-2008
 
العدد 43