العدد 43 - أردني
 

حسين أبو رمّان

شبهة الفساد في قضية عطاء العقبة، فتحت الباب لتجاذبات داخلية في مجلس النواب بشأن لجنة التحقيق التي شكلها المكتب الدائم لمجلس النواب في 31 آب/أغسطس الفائت، ومجال عملها.

هذه التجاذبات تطرح بقوة دور مجلس النواب في مكافحة الفساد على بساط البحث. فالملف مرشح لأن يبقى مفتوحاً مدة طويلة من الزمن. وتشكيل اللجنة مثّل في توقيته وفي نوعية التكليف للجنة، سابقة سيكون لها ما بعدها.

ليس هناك خلاف في أوساط النواب، حول مبدأ مكافحة الفساد حتى وإن اختلفوا حول قضايا ذات صلة بلجنة التحقيق ومجال عملها. لكن هناك مسألة جوهرية يغفل مجلس النواب التوقف أمامها، وهي طبيعة رقابة المجلس على الفساد: هل هي رقابة مباشرة يمارسها من خلال تشكيل اللجان وإجراء التحقيقات بنفسه، أم هي رقابة سياسية يمارسها من خلال الحكومة؟.

مجلس النواب ليس مجهزاً للرقابة المباشرة على الفساد، هذا ما تدل عليه البنية التحتية المتواضعة جداً المتاحة لمجلس النواب ولجانه وكتله. ولعل تحقيقات لجان مجلس النواب في صحة نيابة بعض أعضائه، لخير دليل على الحدود التي تتحرك خلالها أية لجان تحقيق نيابية بسبب القيود التي تحكم عملها. فالمسألة ليست مسألة نوايا، إنما مسألة تخصص وإمكانيات وآليات وصلاحيات.

كان الأولى بمجلس النواب أن يطلب من الحكومة أن تحقق في قضية عطاء العقبة وفي القضايا المماثلة، وتطلعه على النتائج. ما جرى أن المجلس النيابي أعفى الحكومة من هذا التكليف، وشكل لجنته بنفسه.

لا بد أن تكون الحكومة ممتنة للمكتب الدائم للمجلس على هذا التعاون.

من جهة أخرى، فإن من واجب مجلس النواب أن يراقب عمل هيئة مكافحة الفساد: هل هي مجهزة بما يلزم لممارسة دورها؟ فهذه الهيئة من المفترض أن تكون عين الوطن كله، ويد الوطن كله في مكافحة الفساد.

الدورة الاستثنائية لمجلس النواب تضمن جدول أعمالها موضوع تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب. وفي مشروع تقدم به 16 نائباً، ورد اقتراح بإضافة قضايا الفساد إلى مهام اللجنة القانونية الدائمة في مجلس النواب. هذه بداية طيبة، وربما من الأجدى إضافة لجنة متخصصة بقضايا الفساد للجان الدائمة الأخرى في المجلس. اللجنة في هذه الحالة تكون مرجعية دائمة لمجلس النواب في متابعة قضايا الفساد.

كثيرون استغربوا أن مجلس النواب شكل لجنة تحقيق في قضية شبهة فساد. لكن بصرف النظر عن دوافع تشكيل لجنة التحقيق النيابية، فإن تداعيات قضية العقبة ستدفع الأمور باتجاه إنضاج الحوار حول تفعيل دور مجلس النواب في مكافحة الفساد.

النائب بسام حدادين كان أول من أثار علناً ملاحظات انتقادية، حول طابع الاستعجال في تشكيل لجنة التحقيق النيابية، وحول ما أسماه "توظيف مجلس النواب في خدمة أجندات ليس من أولوياتها قضايا النزاهة ومكافحة الفساد"، متسائلاً: "هل يحق للمكتب الدائم لمجلس النواب أن يشكل لجنة تحقيق نيابية في ملفات قضية شبهة فساد وقضايا أخرى مشابهة! في ظل عدم انعقاد الدورة البرلمانية؟ّ". (الغد 2/9)

وكان المكتب الدائم لمجلس النواب، شكّل يوم 31/8 لجنة تحقيق نيابية للوقوف على ملابسات إحالة عطاء لمكتب هندسي للتصميم والإشراف وتطوير المرحلة الثانية لمنطقة العقبة الصناعية الدولية في العقبة الاقتصادية الخاصة. وتشكلت لجنة التحقيق من النواب: منير صوبر (رئيساً)، مبارك العبادي، يوسف القرنة، ناريمان الروسان، طارق خوري، وفخري إسكندر.

النظام الداخلي للمجلس النيابي ينص في المادة (7هـ) على أن المكتب الدائم "يمثل" مجلس النواب بين دورتي انعقاد، ويتولى "تصريف الشؤون المستعجلة" ضمن دائرة اختصاصه.

حدادين اعتبر أن تشكيل لجنة التحقيق لا يندرج ضمن مهام المكتب الدائم في "تمثيل" المجلس أو "تصريف الشؤون المستعجلة"، مستخلصاً أن تفويض الصلاحيات انحصر فقط في "التصريف"، مبدياً اعتقاده أن "التصدي لمهمة التحقيق في قضايا محددة وأخرى لم تحدد"، لا يندرج ضمن هذا التفويض.

حدادين سجل تحفظات على تشكيل اللجنة، لافتاً إلى أنها تشكلت من خمسة أعضاء ثلاثة منهم بمن فيهم رئيس اللجنة من كتلة التيار الوطني، وأضاف "وبالعافية أضيف عضو سادس هو النائب مبارك أبو يامين".

حدادين تساءل: "لماذا لم يمثل أي من نواب كتلة جبهة العمل الإسلامي أو من النواب المستقلين"، لكنه اعتبر مع ذلك أن بيت القصيد هو "لماذا لم تكلف اللجنة في التحقيق في عطاء "سكن كريم لعيش كريم"، المشابه من حيث الشبهة لعطاء العقبة والذي كلفته المالية تتجاوز عطاء العقبة عشرات المرات ومن أموال الخزينة وليس من خارجها؟".

النائب خليل عطية من جهته طالب يوم 3/9 بوقف أعمال لجنة التحقيق النيابية، انطلاقاً من أن الموضوع الذي كلفت به اللجنة بات "قيد النظر لدى السلطات القضائية وما زال في طور التحقيق الابتدائي ،الأمر الذي يتطلب معه أصلاً السرية التامة في أية تحقيقات يجريها القضاء ،وبالتالي يخرج من اختصاص السلطة التشريعية".

ممدوح العبادي رد، بوصفة رئيساً لمجلس النواب بالإنابة، على النائب خليل عطية في كتاب رسمي يوم 6/9 بأن هذه القضية غير معروضة على القضاء إطلاقاً، ولم تسجل أي دعوى أمام المحاكم النظامية ولا النيابة العامة، وذلك بناء على كتاب رئيس محكمة التمييز رئيس المجلس القضائي بتاريخ 4/9 رداً على كتاب رئيس مجلس النواب بالإنابة في هذا الشان.

عطية عاد فخاطب رئيس مجلس النواب، مؤكداً أن المكتب الدائم ليس له صلاحية تشكيل لجان مثل تلك المشكلة للنظر في قضية عطاء العقبة، وأن المجلس هو صاحب الولاية في تشكيل اللجان المؤقتة.

عطية قال في رسالته إن الإجابة التي حصل عليها من رئيس مجلس النواب بالإنابة ممدوح العبادي "يعتريها الغموض"، مؤكداً بأن هيئة مكافحة الفساد قد بدأت فعلاً بالتحري والتحقيق في القضية وفق ما أكد له رئيسها عبد الشخانبة. وأوضح عطية في رسالته أن المادة (7) من قانون هيئة مكافحة الفساد والذي أقره مجلس النواب منح الهيئة صلاحية ومسؤولية التحري عن الفساد الإداري والمالي والكشف عن المخالفات والتجاوزات وجمع الأدلة والمعلومات الخاصة بذلك ومباشرة التحقيقات، والسير في الإجراءات الإدارية والقانونية اللازمة لذلك.

وبيّن عطية أن اعتراضه على تشكيل اللجنة ينطلق من قناعته بعدم قانونيتها وتداخل عملها مع ما تقوم به حالياً هيئة مكافحة الفساد وليس اختلافاً مع الهدف السامي للجنة في محاربة الفساد ومحاسبة من تثبت تورطه به والذي هو في مقدمة أولوياته وموقعه كنائب أمة.

خالد أبو صيام، الناطق الرسمي باسم الكتلة النيابية الجديدة "الكتلة الوطنية"، شدد أنه وزملاءه يؤيدون أي عمل نيابي لمحاربة الفساد، مؤكداً أن المواطنين يتطلعون إلى إنجاز تقدم ملموس في مكافحة الفساد والحد منه.

أبو صيام يضيف بأنه ليس لديهم تحفظات على تشكيل لجنة تحقيق نيابية في قضية العقبة، لافتاً إلى أن الرأي السائد لدى الكتلة الوطنية هو التساؤل: لماذا يتم تجزئة قضايا الفساد، وأنهم يدعمون شمول كل قضايا الفساد المثارة بالتحقيق. وأعطى مثلاً على ذلك أن الفروق في تكاليف عطاء "سكن كريم لعيش كريم" كانت ستكلف خزينة الدولة مبالغ طائلة.

النائب محمد عقل، عضو كتلة جبهة العمل الإسلامي، أكد أنهم مبدئياً مع أي جهد لمكافحة الفساد، لا بل أنهم يشعرون "أن مجلس النواب مقصر قي مكافحة الفساد، وأنه بحاجة إلى آلية مدققة ومتابعة فاعلة لكل ملفات الفساد التي تقع ضمن تخصصه".

عقل شدد على أن الأهم من الخلاف بخصوص تشكيل لجنة التحقيق النيابية، هو المشهد الوطني العام المبتلى بغلاء الأسعار والفقر والخوف من المستقبل في ضوء تداعيات بيع الأراضي، معرباً عن قلقه بسبب أن قضية التجاذبات السياسية وتصفية الحسابات المتبادلة بدأت تطفو على سطح المشهد السياسي العام، فهناك استقطابات وخندقة وتفسيرات لكثير من القضايا مفتعلة ولا صلة لها بالواقع.

وأضاف عقل أنه برغم ما لديهم من ملاحظات على شكل اللجنة وآلية عملها وعدم التيقن من قانونية تشكيلها، فإن الأصل هو تكريس دور المجلس الدستوري كي يأخذ زمام المبادرة في الرقابة الحقيقية على ملفات الفساد، مؤكداً "أن المطلوب هو شمولية متابعة ومعالجة كل قضايا الفساد التي أثيرت في الفترة الماضية".

وأعرب عقل عن أمله "بإيقاف حالة الاستقطاب من أجل التكاتف الوطني العام في مواجهة الأزمة الصعبة، وبخاصة في شقها الاقتصادي، وكذلك في شقها السياسي المتعلق بالوضع الفلسطيني".

برغم ملاحظات نواب على مبادرة المكتب الدائم، ومحاذير توظيفها في خدمة أجندات خاصة، فإن مجلس النواب خطا خطوة تحمل تعويضاً معنوياً عن غيابه السابق عن المشهد، ما يرفع سقف التوقعات من لجنة التحقيق النيابية، ويضع دور المجلس في موضوع الفساد تحت مجهر الرأي العام.

“النيابي” ليس “مؤهلاً” للرقابة المباشرة: مأسسة الرقابة السياسية للنواب على الفساد.. هي البديل
 
11-Sep-2008
 
العدد 43