العدد 43 - أردني
 

سوسن زايدة

يستمر إضراب أكثر من ألف عامل وافد في بلدة الضليل احتجاجاً على "انتهاك حقوقهم" من قِبل إدارة مصنع الألبسة الذي يعملون فيه. فيما أصدرت لجنة العمال الوطنية في الولايات المتحدة، تقريراً كشف عن "استمرار الاتجار بالعمال وانتهاك حقوقهم وتعرضهم للضرب والإساءة" في المناطق الصناعية المؤهلة المنشأة ضمن اتفاقية التجارة الحرة بين أميركا والأردن.

ونقل التقرير عن عمال من بنغلادش، نيبال، سريلانكا والهند، أنهم "تعرضوا لضرب وإساءة" في مصنع "ميريديان" للألبسة في بلدة الضليل الصناعية المؤهلة، الذي يعمل لصالح شركات الألبسة الشهيرة "وال مارت" و"هانز".

وجاء في معرض ما وصفه التقرير بـ"الاتجار بالبشر"، أن إدارة المصنع صادرت واحتجزت جوازات سفر 60 بالمئة من العمال الوافدين لديه، والبالغ عددهم 1400 عامل. وهو ما يعدّ انتهاكاً لحقوق العمال وشكلاً من أشكال "الاتجار بالبشر" وفق تعريف الأمم المتحدة.

إدارة المصنع، بحسب التقرير، تجبر العمال على العمل لمدة 16 ساعة في مناوبة واحدة: من الساعة 7:30 صباحاً حتى 11:30 ليلاً، ولمدة 20 ساعة أيام الخميس: من 7:30 صباحاً حتى 3:00 صباح الجمعة، يوم العطلة الأسبوعية. لتصل ساعات عملهم إلى 99 ساعة أسبوعياً، من دون أجر إضافي. وهو ضعفُ عدد ساعات العمل الأساسية المستحقة حسب قانون العمل الأردني، وهي 8 ساعات يومياً و48 ساعة أسبوعياً. وتزيد ساعات عمل هؤلاء العمال بمعدل 19 ساعة أسبوعياً عما تسمح به العقود الموقعة بينهم وبين إدارة المصنع، والتي تتيح للمصنع إجبار العامل على ساعتي عمل إضافيتين يومياً، مع احتساب الأجر الإضافي.

علاوة على إجبارهم على العمل لساعات إضافية بلا أجر، فإن العمال يتقاضون أجورهم الشهرية المستحقة لهم قانونياً منقوصةً بنسبة 37 بالمئة، إذ يتقاضى العامل 32,5 دينار مقابل 80 ساعة عمل زائداً الساعات الإضافية أسبوعياً.

"20 عاملاً وعاملة هُددوا بالتسفير"، يقول التقرير، واعتدت إدارة المصنع على العاملات بـ"الضرب والاحتجاز في المنطقة الصناعية التي يُمنعون بالقوة من مغادرتها لأي سبب كان". وكل عاملة تتجرأ على المطالبة بحقوقها القانونية تتعرض لـ"التهديد بالسجن والفصل والتسفير الإجباري".

في هذه الظروف يستمر إضراب العمال الذي بدأ في 31 آب/أغسطس الفائت. في حين ردت إدارة المصنع على الإضراب بقطع الطعام عن العمال المضربين، وفقاً لتقرير اللجنة.

نقيب العاملين في الغزل والنسيج، فتح الله العمراني، أكد لـ"ے"، استمرار إضراب 1100 عامل بنغالي وسريلانكي وهندي في شركة "مريديان" في بلدة الضليل.

الإضراب، جاء بحسب العمراني، «احتجاجاً على المبلغ المقتطع من رواتب العمال بدل الطعام وقيمته 25 ديناراً، وفقاً للاتفاق الموقع بين العمال ووزارة العمل والشركات مطلع العام الفائت. والآن يضربون لإلغاء القيمة المقتطعة من رواتبهم».

يبرر النقيب موقف إدارة المصنع بقوله: «الكلفة زادت على الشركات، ومع ذلك وافقت إدارة المصنع على تخفيض الاقتطاع إلى 15 ديناراً لحل الإضراب، وإعادة العمال إلى عملهم، على أن تتحمل الشركة بقية النفقات، لكن العمال لم يعلنوا وقف إضرابهم حتى الآن».

العمراني يشير إلى أن عدداً من العمال «انتهت عقودهم وسيعودون إلى بلادهم قريباً، هم الذين يحرضون زملاءهم على الاستمرار في الإضراب، إضافة إلى وجود 200 عاملة سريلانكية يرغبن بالعودة للعمل، لكنهن خائفات من زملائهن المضربين، بل إن إحداهن تعرضت للضرب من العمال بسبب عودتها للعمل».

تصدر لجنة العمال الوطنية الأميركية (NLC) تقارير دورية عن أوضاع عمال المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن، تستند إلى شهادات العمال أنفسهم. هذه التقارير تدفع الكونغرس الأميركي لممارسة ضغوط على الحكومة المعالجة المشكلة.

من جهتها، أصدرت وحدة مكافحة ورصد الاتجار في البشر في وزارة الخارجية الأميركية تقريرها الأخير في حزيران/يونيو الفائت، وكشفت فيه أن معظم الانتهاكات في المناطق الصناعية المؤهلة، «تتراوح ما بين الاستغلال الجسدي والجنسي للعمال وتهديدهم، وعدم دفع الأجور، وفرض قيود على حركتهم، والاحتجاز غير الشرعي لجوازات سفرهم»، وهي أمور رأى التقرير أنها «تدخل في باب الاتجار بالبشر».

أظهر التقرير تراجع الأردن من الفئة (2) التي ثبت عليها في عامَي 2006 و2007 إلى قائمة مراقبة في الفئة (2) في العام 2008. وتعد قائمة مراقبة الفئة (2) الأقرب إلى الفئة (3) التي تشمل الدول التي «لا تلتزم حكوماتها كلياً بالمعايير الدنيا التي ينص عليها قانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر، ولا تبذل جهوداً ذات أهمية في هذا الاتجاه»، وتكون مرشحة للخضوع لعقوبات أميركية ضدها.

تشمل العقوبات توقيف الحكومة الأميركية للمساعدات، باستثناء المساعدات الإنسانية والمتعلقة بالتجارة، وحرمان مسؤولي الدول المعاقَبة وموظفيها من برامج التبادل التعليمي والثقافي الأميركي. وقد تواجه هذه الحكومات معارضة الولايات المتحدة لتقديم المساعدات من مؤسسات مالية دولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، باستثناء المساعدات الإنسانية والتجارة والتنمية.

لكن الحكومة الأردنية اعترضت على ما جاء في التقرير، وأكدت على جهودها لحل المشكلة. وآخرها كان تصريح وزير العمل باسم السالم بأن الحكومة قررت تشكيل لجنة وزارية لإعداد مشروع قانون لمكافحة الاتجار بالبشر، برئاسة وزير الداخلية عيد الفايز وعضوية وزراء العمل والصناعة والتجارة والصحة والتنمية الاجتماعية.

يهدف القانون، بحسب السالم، إلى «معالجة الاختلالات المحتمل حدوثها في القطاعات الإنتاجية المشغلة للعمالة». لكنه يؤكد أن «إعداد مشروع قانون لا يعني على الإطلاق اعترافاً بوجود هذا النوع من الانتهاكات الحقوقية للعمال في المملكة».

«الحكومة حريصة على إيجاد التشريعات القانونية التي تتواءم مع تطور سوق العمل والمتغيرات الحديثة التي طرأت عليه بسبب زيادة الاستثمارات وارتفاع معدلاتها في الاقتصاد الوطني، وأن مشروع القانون يشكل نظاماً لحماية العملية الإنتاجية من توغل بعض السلوكيات المخالفة للمعايير الإنسانية»، يقول السالم.

وتحدد الوزارة مظاهر الاتجار حسب تقاريرها، بإجبار العمال على العمل القسري في بيئات غير صحية، والاتجار بالتصاريح.

كانت وزارة العمل أعلنت في وقت سابق عن نيتها إنشاء مديرية تعنى برصد ومكافحة الاتجار بالبشر. ويأتي تصريح الوزير بعد سنوات من رفض الحكومة الأردنية للتوقيع على بروتوكول الأمم المتحدة لمنع وقمع ومعاقبة المتّجرين بالأشخاص.

يوجد في الأردن قرابة 37 ألف عامل وعاملة وافدين يعملون في المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ) -منهم 24 ألف بنغالي- يتوزعون على 98 مصنعاً في ست مناطق صناعية مؤهلة. وتعمل وزارة العمل ونقابة عمال الغزل والنسيج على تحسين أوضاع عمال هذه المناطق عبر المفاوضات المستمرة مع أصحاب ومدراء الشركات والمصانع. هذا إضافة إلى وجود أكثر من 150 ألف عاملة منزلية وافدة في الأردن، أفادت تقارير الخارجية الأميركية بتعرض بعضهن لانتهاكات «تدخل في باب الاتجار بالبشر».

في الأثناء، وافقت وزارة العمل على إنشاء «مأوى للعاملات لضحايا الاتجار بالبشر والعاملات الهاربات بدلاً من لجوئهن إلى سفارات بلادهن»، وفقاً لأمين عام وزارة العمل غازي شبيكات.

وأعدت الوزارة، بحسب شبيكات، خطة تمويل لإنشاء المأوى، إضافة إلى تنظيم سجلات خاصة بالاتجار بالبشر في الوزارة للحالات التي تضبطها الوزارة.

**

لجنتان لمتابعة موضوع "الاتجار بالبشر"

كـ"خطوة إضافية واستباقية"، تقرر تشكيل لجنة لإعداد مسودة مشروع قانون حول الاتجار بالبشر، وذلك في اجتماع وزاري ترأسه وزير الداخلية عيد الفايز الاثنين 8 أيلول/سبتمبر الجاري، وضم وزراء العمل، البيئة، الصناعة التجارة، العدل، التنمية الاجتماعية، والصحة بالوكالة.. هذه الخطوة الاحترازية جاءت مشفوعة"برفض الأردن الاتجار بالبشر مهما كان نوعه" بحسب ما جاء على لسان الفايز.

الاجتماع قرر تشكيل لجنة لـ"متابعة موضوع الاتجار ودحضه بكل الأدلة والبراهين". بعد ثلاث وقائع ترددت في أسبوع واحد تشير إلى تورط بقضايا اتجار بالبشر. الأولى تتعلق بتقرير لجنة العمال الوطنية الأميركية الذي يتهم الأردن بـ"استمرار الاتجار بالعمال" في المناطق الصناعية المؤهلة، على خلفية إضراب أكثر من ألف عامل وافد في الضليل يعملون في مصنع للألبسة. والثانية عندما رفع عمال نيباليون دعوى قضائية أمام محكمة فيدرالية أميركية ضد شركة "كيلوغ براون آند روت" الأميركية وشركة داوود وشركاه الأردنية. وفي تفاصيل الاتهام أن الشركة الأردنية وقّعت مع العمال النيباليين عقوداً للعمل في مطاعم سياحية في المملكة، لكن تم نقلهم قسراً إلى العراق للعمل مع قوات الاحتلال الأميركي ليلقوا حتفهم هناك، باستثناء شخص واحد.

الواقعة الثالثة هي ما تناقلته وسائل إعلام من منع السلطات الإندونيسية 40 أردنياً زائراً من السفر على ذمة تهم تتعلق بـ"الاتجار بالبشر". الخبر كشّف عن تناقضات عدة. أولها أن صحيفة "جوردان تايمز" الصادرة الثلاثاء التاسع من أيلول الجاري نقلت عن مسؤول في السفارة الإندونيسية بعمّان أن "ما جاء في الصحافة عار عن الصحة"، مؤكداً أن السفارة لم تتلق أي شكوى من إندونيسيين يعملون في الأردن، وأن العلاقات الأردنية الإندونيسية "ممتازة".

في الأثناء، ورد في يومية "الغد" (الأحد، السابع من الجاري)، أنها حصلت على نسخة من خطاب للسفارة الإندونيسية في عمّان يعود تاريخه إلى 26/6/2008 يطلب من السلطات الإندونيسية تعميماً بمنع سفر أربعين أردنياً. ومرة أخرى نقلت "جوردان تايمز" عن مدير الدائرة القنصلية بوزارة الخارجية، أحمد مبيضين، أن عدد الأردنيين العاملين في مجال الاستقدام في إندونيسيا لا يتجاوز 16 شخصاً، وأن السفارة الأردنية في جاكرتا تتابع أوضاعهم.

وكان رجل أعمال أردني، هو أسامة الهنداوي، بعث برسالة إلى مؤسسات إعلامية أردنية يشير فيها إلى قرار منع السفر.

مبيضين قال إن منع الهنداوي جاء على خلفية مشاكل بين الرجل والسلطات الإندونيسية لا علاقة لها بما قيل عن اتهامات بالاتجار بالبشر. وأكد أن السفير الأردني في جاكرتا محمد داوودية التقى الهنداوي يوم الأحد 7/9، وتأكد من عدم صحة ادعائه.

داوودية قال في اتصال مع وكالة الأنباء الأردنية "بترا" إن الأمر برمته يتعلق بمواطن أردني واحد تم منعه من السفر لمخالفته قوانين الإقامة والهجرة، إذ "وجهت له السلطات تهمة تزوير أختام العبور والمغادرة".

تقرير دولي جديد: استمرار “الاتجار بالعمال” وإضراب آلاف منهم
 
11-Sep-2008
 
العدد 43