العدد 42 - أردني
 

موفق ملكاوي

تقليد بدمغة محلية خالصة، دعوات تناول الطعام تلك، التي اصطلح على تسميتها "ولائم سياسية"، يكون نجمها رئيس الوزراء نادر الذهبي.

سياسيون وصحفيون ونجوم مجتمع، هم في العادة مدعوون بـ"معية دولته"، لتغدو الوليمة بالتالي أكثر من دعوة طعام، وإنما لقاء سياسي، يتم من خلاله التطرق إلى موضوعات كان ينبغي لأماكن أخرى أن تستضيف النقاش حولها.

تلك الولائم جاءت أشبه بخريطة جغرافية للأردن، إذ لم تحتكرها العاصمة عمّان، كعادة المناسبات المهمة، إذ توزعت على المحافظات.

أكثرها توسعاً في الدعوات كانت وليمة النائب خليل عطية التي أقامها في مخيم الحسين، وحضرها أكثر من 1500 شخص. بينما حضر وليمة النائب محمد الكوز في مخيم الوحدات زهاء ألف شخص، ووليمة النائب حابس الشبيب في البادية الشمالية 500 شخص، فيما اقتصرت وليمة رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب على حوالي 150 مدعوّاً.

الطبق الرئيسي في الدعوات جميعها كاد يكون واحداً، وهو "المنسف"، الأكلة الأردنية الأولى، إلا أن النائب خليل عطية أراد أن "يشاكس" في دعوته، على رأي حاضرين للوليمة، فأضاف إلى "المنسف" طبقين آخرين؛ "الملوخية"، و"المسخّن"، وهما طبقان رئيسيان في فلسطين ولهما حضورهما في الأردن.

المشروبات الروحية غابت عن الولائم، رغم اشتمال قائمة المدعوين هنا وهناك على "كيّفين"، بحسب سياسيين رأوا في هذه الجزئية "استقصاء" للشعبية، لأن الداعين لا يريدون كسر "التابو" المجتمعي.

حضور يؤكدون أن الشأن السياسي لا يغيب عن تلك المناسبات، بما يجوز تسميتها "حوارات ظل"، تغيب فيها القوى الفاعلة في المجتمع لمصلحة حضور عشائري أو مناطقي، يطرح في كثير من الأحيان مطالبه التي لا تتعدى المطالب الخدمية، بعيداً عن الأولويات الحقيقية للمجتمع ككل.

سياسيون يقولون إن الذهبي من خلال هذا "التقليد"، ظهر كأنما هو في سبيل التأسيس لنوع جديد من الحوارات، بعيداً عن النقباء ومجلسهم، وبعيداً عن النواب وقبّتهم، وهو الذي لم يلتقِ مجلس النقباء بعد، رغم مرور أكثر من 270 يوماً على تشكيل حكومته، فضلا عن أنه لم تجرِ أي حوارات خارج القبة مع النواب، سوى مرتين، كما غابت الأحزاب عن أجندة لقاءاته.

المحلل السياسي لبيب قمحاوي يرى في الأمر "تقليداً غير حميد". ويقول إنه "مفهوم يكرس الفردية، والابتعاد عن المؤسسية".

قمحاوي يؤكد أنه "ليس باستطاعة أحد أن يحكم بلداً، منفرداً"، من دون التشارك مع مؤسسات المجتمع المدني.

ينتقد ما أسماه "الهروب بالولائم"، والذي برأيه "لن يكون بديلاً عن الشفافية"، آملاً في الوقت نفسه أن "يبتعد الرئيس عن مفهوم الطبيخ والصالون السياسي"، باتجاه الحوار الحقيقي والمتواصل، كونه النهج السائد في البلدان الديمقراطية وشبه الديمقراطية.

يحذر قمحاوي من استمرار هذا التقليد، لأنه سيحتم على الأطراف المغيبة اللجوء لأساليب أخرى لإيصال صوتها، بخاصة أنها قادرة على الوصول لقواعدها الجماهيرية، وطلب مؤازرتها على حد قوله.

المشهد يمتلك زاوية رؤية أخرى، على ما يرى أمين عام الحزب الوطني الدستوري أحمد الشناق، الذي يعيد "خراب المشهد السياسي برمته"، إلى "إشكالية غير معلنة تعيشها الحكومة مع رجالات ذات نفوذ".

الشناق يشير الى إشكالية أخرى مع "برلمان غير سياسي"، ويؤكد أن الانتخابات البرلمانية الماضية وما رافقها من تجاوزات معلنة وغير معلنة "فرضت شكل البرلمان الحالي".

لذلك يرى أن "الذهبي يلجأ إلى هذا النوع من التواصل لتأمين تسيير أمور الحكومة، من موازنات وغيرها".

يستهجن الشناق الحال التي وصل إليها الواقع السياسي المحلي. "للمرة الأولى منذ ثمانين عاماً نرى البرلمان هو الذي يتودد إلى الحكومة، وليس العكس"، وهذا ما أدى بحسب تعبيره إلى "فقدان هيبة الدولة، وغياب دور النائب".

الشناق لا يتردد في تحميل البرلمان مسؤولية ما يجري. "البرلمان يمارس ما يشبه الفساد في المشهد السياسي، كما في شراء الأصوات إبان الانتخابات البرلمانية الماضية".

لا يعمم هذه الحالة على جميع أعضاء البرلمان، إلا أنه يرى في العملية "انهياراًحقيقياً للبرلمان"، فبرأيه أن "البرلمان يفقد دوره الرقابي".

يطالب الشناق رئيس الوزراء بعدم الانصياع للمعادلة التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة، ولا للصراع الدائر بين ما اصطلح على تسميته "تيار الليبراليين الجدد" و"تيار المحافظين"، وأن يعود للحوار الهادف مع مؤسسات المجتمع المدني التي تستطيع اقتراح شكل حضاري للحوار، للتغلب على الحالة "المَرَضِيَّة" القائمة في البلاد، بحسب تعبيره.

يناشد الشناق المقام الملكي ليصبح ملف الإصلاح السياسي، بخاصة ما يتعلق بقانوني الانتخابات النيابية والأحزاب، ملفَّ قصر في يد الملك، وأن يتم الدعوة لانتخابات برلمانية جديدة تفرز الاتجاهات السياسية الحقيقية الموجودة على الساحة، مؤكداً أن "المشهد الحالي يُفقد الإصلاح، الذي يقوده الملك، جوهرَهُ".

صحفي، فضّل عدم نشر اسمه، يرى في هذه الولائم "دورة علاقات عامة هدفها تسيير أمور الحكومة بعيداً عن الحوار المنتج والفاعل". ولا يستغرب الصحفي أن "يزدهر" مثل هذا التقليد في "بلد يعيش نهاره وليله متغذياً على إشاعات التعديلات الحكومية المرتقبة".

ويقول ساخراً: "ربما نستطيع إحصاء أكثر من نصف مليون أردني طامح في وزارة ما.. إذاً لتكن تلك الولائم هي طريقهم الأقصر لهذا السبيل!".

لا يتوقف الأمر عند طموحات "الحقيبة الوزارية". يتحدث سياسي أردني عن "صراع العطاءات" الذي يستعر على الساحة الأردنية.

ورغم عدم تشكيكه في نزاهة الذهبي الذي "تعامل مع الفساد بحزم حتى الآن"، إلا أنه يرى أن من بين حضور تلك الولائم من يحيل الأمر إلى "بزنس" حتى ولو كان بصيغة "وليمة سياسية".

ولائم سياسية بـ“معية دولته”: تأسيس لحوار غير منتج
 
04-Sep-2008
 
العدد 42