العدد 42 - أردني
 

دلال سلامة

تحرص أم مروان على إيقاظ ابنها (9 سنوات) كل ليلة ليتناول طعام السحور مع باقي أفراد العائلة، وهي تفعل ذلك منذ ثلاث سنوات، وتقول إنها كانت تتسامح معه عندما كان في السادسة، وتسمح له بما يسمى «صوم العصافير»، وهو الصيام إلى منتصف النهار، ولكنها منذ سنتين لم تعد تتسامح، ففي رأيها أنه يمكن للطفل، ابتداء من سن السابعة، أن يتحمل الصيام.

أما لماذا تصر على ذلك، رغم أن الدين نفسه جعل الصيام فريضة على البالغين فقط، فتقول أم مروان: «الهدف أن يتعود، فأنا تزعجني فكرة أن يكبر ابني وهو يستسهل الإفطار، كما أرى بين كثير من الناس. يهمني جدا أن يمتلك وازعا دينيا، لأن هذا ما سيحفظه من الانحراف في المستقبل.

ولكن الوازع الديني ليس هو ما يشغل أم مروان، إنها ببساطة تخجل من إفطار ابنها زيد (10 سنوات)، في حين أن أطفالا في العائلة والحي يصغرونه بسنتين أو ثلاث ومع ذلك فإنهم يصومون. تقول أم زيد: «الموضوع الذي يحتل المرتبة الثانية في جلسات النساء في رمضان بعد تبادل وصفات الطبخ هو التباهي بصيام الأطفال. إنه سبق وتفوز به أم أصغر الصائمين».

بالإضافة إلى الضغوط التي يمارسها الأهل، هنالك ضغط آخر لا يستهان به يمارسه الأطفال على بعضهم بعضاً، فأبو عاصم يقول إن الأولاد في مدرسة ابنه عاصم (11 سنة)، أحاطوا به في ساحة المدرسة وهو يتناول سندويشته وصاروا يرددون على مسامعه كلمات مغناة: يا مفطر يا بم .. يا شرّاب الدم .. دمك دم الخنازير .. علقوك في الجنازير».

يقول أبو عاصم: «ذهبت إلى المدرسة لأحتج على هذا العنف، ففوجئت بواحدة من المعلمات تقول لي إن ابني كبير فعلا على الإفطار في رمضان».

ولأن الصيام عملية شاقة ومرهقة حتى للكبار، وبخاصة في هذه الأيام، حيث تطول ساعات النهار وتشتد الحرارة، فإن الأهالي يلجأون إلى عدة وسائل، فمن وسائل الإغراء التي تمارسها عائلة ميس وحنين (توأمان 8 سنوات)، تتم مضاعفة مصروفهما للأيام التي تكملان فيها صيامهما، ومعه ميل إلى التهديد بعقاب الله الذي ينزل على من لا يصوم في رمضان، وهذا أيضا ما تفعله عائلة ماجد (10 سنوات). أما أم مجدي، فإنها تتبع أسلوب المقارنة مع ابنها مجدي (9 سنوات) فهي تقول إنها تحاول أن تثير غيرته بالإطراء على أولاد آخرين يصومون رغم أنهم أصغر منه سنا.

ولكن هل هذه وسائل ناجعة؟ هل يجب أن يصوم الأطفال فعلا؟ البعض يصوم فعلا، فأم ميس وحنين تقول إن ابنتيها تعودان من المدرسة مصفرتي الوجه، وترتميان فور عودتهما في الفراش أو أمام التلفزيون إلى أن تحين ساعة الإفطار.

ولكن أم مروان ضبطت ابنها أكثر من مرة يأكل خلسة في المطبخ، أما عاصم فبعد الزفة التي أقامها له الأولاد في المدرسة، صار يخفي الساندويتش جيدا في أحد الجيوب الداخلية للحقيبة ويتناوله في زاوية منعزلة في المدرسة.

أم مروان كانت أحيانا تشفق على ابنها وتغض الطرف عنه، ولكن أبا عاصم الذي يعرف أن الضغط الاجتماعي أشد من أن يتحمله طفل، يرفض تماما اضطرار ابنه إلى الكذب وادعاء الصيام، ويتساءل عن تأثير ذلك على احترامه لذاته:

«هل أتوقع من ابني أن يثق بنفسه ويحترمها، إذا كان يكذب ثم يأكل طعامه في السّر مثل لص؟».

طبيب الأطفال، بشار خصاونة، يرى أن هناك أطفالا يمكنهم أن يتحملوا الصيام، ومع أن ذلك فإنه يسبب لهم الخمول والإنهاك، ويقلل من قدرتهم على التركيز، ما يؤدي إلى تراجعهم الدراسي في هذا الشهر، ولكن صيام هؤلاء الأطفال يجب أن يتم وفق شروط صارمة، فيمنع مثلا صوم الأطفال المصابين بأمراض مزمنة مثل السكري وغيره، وحتى في حالة الأمراض البسيطة مثل التهابات الحلق مثلا، فعلى الطفل أن يفطر ليلتزم بمواعيد دوائه، كما شدد خصاونة على أن الطفل، إن كان عليه أن يصوم، فإن من الضروري له أن يتناول وجبات متكاملة على الإفطار والسحور، والحرص على تعويض السوائل التي يفقدها خلال النهار.

صيام الأطفال: رغبات الأبناء، إغراءات الأهل وضغوط المجتمع
 
04-Sep-2008
 
العدد 42