العدد 42 - أردني
 

محمود منير

تنشغل وسائل الإعلام بتحليل الأعمال الدرامية في شهر رمضان، وتقرأ مضامينها بوصفها رسائلَ موجهة ذات علاقة بيوميات حياتنا. في الوقت نفسه، تجري استطلاعات الرأي لرصد اتجاهات التلقي لدى الجمهور، الذي يشكل الرقم الصعب في معادلة تدرك شركات الإنتاج أبعادها الحقيقية.

ما هي دوافع استقطاب المشاهدين نحو المسلسلات الرمضانية؟ ما الذي يحكم عملية التلقي والتأثير فيهم؟ وكيف تقاس ردود الفعل والاستجابة لما يتم عرضه؟ أسئلة كثيرة بدأت إجاباتها تأخذ طابعاً علمياً، مع تعزيز دور المتلقي وحضوره في صناعة حديثة نسبياً في الوطن العربي.

تتمحور وجهة نظر علم النفس حول فكرة «قلق الجوع»، وما تفرض من ترفيه للتغلب عليها. الباحث والأخصائي النفسي باسل الحمد، يرى الطقسَ الرمضاني، طقساً تقشفياً في أصله وطبيعته، ويدور حول فكرة «التحكم بالجوع والشبع»، والتعامل مع الطعام بوصفه «رغبة يتم تأجيلها».

وفق هذا المفهوم يعمد الحمد إلى تفسير العادات والسلوكات الرمضانية، مستشهداً بما ابتدعه البشر تاريخياً من «طقوس الإشباع»، ومنها الاحتفال بالإفطار بعد الصيام، وكيف تفرض هذه الحالة موازياً ترفيهياً (مخففاً).

ويعتقد الحمد أن «الحكاية» أو «القصة» كانت شكلاً إلهائياً أدى لظهور الحكواتي في المقاهي بعد الإفطار، ومن هذه الزاوية جاءت فكرة المسلسلات، كترفيه يسعى لإثارة نقاش الناس وتخفيف قلقهم. هذا المفهوم يتعزز باستحضار مسلسلات «أيام زمان» التي تذكّرنا بالماضي بشكل عام، ويتم عبرها استعادة الطفولة العقلية، حيث تبدو الذاكرةُ التعويضَ الوحيد والمقاوم لقلق الجوع.

يقول الحمد إن شركات الإنتاج نجحت في استثمار «موسم» رمضان. «البطالة الذهنية الناتجة عن قلة العمل وبقاء الناس في البيت يتم تعويضها بالمسلسلات والمسابقات. والمنتجون أذكياء في قراءة رغبات الجمهور الذي استجاب بدوره لهذه القراءة».

نجاح مسلسل ما، وفقاً للحمد، يدفع لإنتاج مسلسلات مشابهة في الموسم الرمضاني التالي؛ فنجاح مسلسل «نمر بن عدوان» بما يمثله من «إعادة إنتاج لقيم تحنّ إليها الناس»، كالنبل والكرم والشهامة، بعد زوالها -من وجهة نظرهم-، يفرض نوعاً من الاستجابة لدى المنتجين؛ لتقديم مزيد من الأعمال البدوية تحاكي الحنين لهذه القيم، وهو ما حدث في هذا الموسم.

الممثل محمد قباني يعتبر أن شهر رمضان بحد ذاته يحدد طبيعة التلقي، بوصفه شهر «اللمّة»، ومنها اجتماع الفرد مع ربّه (العبادات)، ولَمّته مع العائلة عبر الالتزام بموعد ثابت ومحدد للإفطار، إضافة للزيارات العائلية التي تجمع الناس حول موضوع ما.

ينبه قباني إلى أن التلفزيون أصبح واحداً من أفراد العائلة، وهو يأخذ دور الأم أحياناً أو الأب أو الصديق أو الضيف؛ لذا يتم التجمع حول ما يُعرض فيه من أعمال.

ومع تطور الإعلام، يرى قباني أن كثرة الفضائيات أمْلَت ضيوفاً كثراً يتسابقون لاستئثار اهتمام المتلقي. ويضيف أن طبيعة الأعمال التي تقدَّم على الشاشة «لها علاقة بأمزجة الناس». ففي هذا الموسم، تشهد الأعمال التاريخية انحساراً، مقابل حضور مسلسلات «الحارة الشامية»، لنجاح أعمال مشابهة في الموسم الماضي، إضافة للضيف الجديد المتمثل بالمسلسل البدوي.

يؤكد قباني أن المنتجين يقومون بقراءات لإنتاجٍ ما لم يقدَّم سابقاً، أو لإعادة تقديم أعمال نجحت قديماً بإنتاجات ضخمة تعنى أكثر بالصورة البصرية ضمن التطور التكنولوجي للصورة. ويضيف أن الفنان «يهتم بتقديم منتج جيد يتم تلقّيه بشكل جميل»، وهنا تكمن رغبته في عرض أعماله في محطات فضائية تستقطب جمهوراً أكبر، كفضائية mbc.

قباني يشارك في خمسة مسلسلات رمضانية: «أبو جعفر المنصور»، «الرحيل»، «القدس أولى القبلتين»، «حب في الهايد بارك»، و«عيون عليا»، المسلسل البدوي الذي يُتوقع له نسبة مشاهدة عالية بسبب مضمونه المختلف، إذ يجسد مجموعة من القصص الرومانسية.

ويتوقع قباني أن يتقدم الريفيُّ والاجتماعي على سواهما من الموضوعات، في أعمال الموسم الرمضاني المقبل، كما نجح البدوي من قبل، لافتاً إلى احتمالية فشل التوقعات، فهناك عوامل مساعدة مرتبطة بالحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تؤثر كذلك في جذب انتباه المتلقي.

حول وجهة النظر التي تحكم الإنتاج، يتوقف مدير النصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، الكاتب ياسر قبيلات، عند التغييرات التي طرأت على الإعلام والدراما التلفزيونية العربية، وأيضاً على استقبال موسم رمضان نفسه؛ بوصفه الموسم الذي يتركز فيه مجمل الإنتاج الدرامي العربي.

قبيلات يلفت إلى تحول الإعلام العربي من "التوجيه" إلى "الترفيه"، وانتقال السيطرة على المؤسسات الإعلامية من الدولة إلى المال السياسي، الأمر الذي أثر في الإنتاج الدرامي وتوجيه المتلقي. إذ تراجعت مساحة القرار الإبداعي في الإنتاج لصالح خدمة التوجهات العامة للمؤسسات الإعلامية. من مظاهر ذلك كما يرى قبيلات، انتشارُ "أسلوب الإنتاج التنفيذي.

في السياق نفسه، يعتقد قبيلات أن الدراما التلفزيونية العربية تبلورت وقطعت شوطاً لا بأس به من النضج، وبدأت تعي إمكانيات استثمار قوتها في التأثير الإعلامي، من خلال الاحتكاك بمواضيع الساعة وزيادة "جرعة" الجرأة، ناهيك عن تبلور الوعي بهويتها الفنية المستقلة والقائمة بذاتها.

ويرى قبيلات أن استقبال شهر رمضان نفسه تغير، فلم يعد رمضان مجرد شهر عبادة وصيام.. بل بات أكثر فأكثر، موسماً ثقافياً ومناسبة اجتماعية عامة، بمعنى أنه لم يعد يقتصر على البعد الديني، بل أضيف إليه البعد الدنيوي؛ وهو ما يفسّر "تسجيل أعلى نسب الاستهلاك في مجال الترفيه والمشاهدة التلفزيونية في هذا الموسم بحسب قبيلات الذي يضيف أن المتلقي يستقبل الأعمال الدرامية متحرراً من دهشته الفطرية أمام جهاز التلفزيون، لينفذ باهتمامه إلى المحتوى، مع تركيز خاص على الدراما التي بات يحاكمها استناداً لذائقة جمالية تراكمت خلال كل هذه السنوات من انتشار أجهزة الاستقبال.

ويلفت قبيلات إلى الدور الذي تلعبه قضايا الساعة، والوعي الاجتماعي العام، والحاجة إلى تدوير مواضيع مشتركة في مناسبات يرتفع فيها مستوى التواصل الاجتماعي؛ وعليه ليس من المستغرب أن تتحول الدراما التلفزيونية وأهلها إلى مواضيع لا تنضب للأحاديث العامة وللاستهلاك الإعلامي اليومي.

بين حسابات الإنتاج وغاية الفن وحكمة الصوم: رمضان: أعلى نسبة استهلاك درامي تلفزيوني
 
04-Sep-2008
 
العدد 42