العدد 42 - اقليمي
 

تحسين يقين

فلسطين - تحسين الحياة اليومية للمواطنين الفلسطينيين، كانت القضية الوحيدة التي شهدت انسجاماً بين المتحدثين باسم الرئيس الفلسطيني أبو مازن ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، بعد قمتهما الأخيرة التي عقدت في القدس. أما بقية القضايا فيبدو أنه لم يتم تحقيق الحد الأدنى من الاتفاق حولها.

يحار المرء هنا: مَن يصدّق ومن لا يصدّق؛ فالمفروض أن يُعلن عن نتائج أي اجتماع يعقد بين طرفين بما ينسجم مع ما تم بحثه، لكن أن يخرج متحدث الطرف الفلسطيني بتصريحات تتناقض تماما مع يقول متحدث الطرف الإسرائيلي، فليس لذلك تفسير إلا أن التفاوض يتم في وسائل الإعلام لا في الغرف المغلقة، أو أن أحد المتحدثين يكذب على الصحفيين وعلى الجمهور!

في الوقت الذي يؤكد فيه كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات أنه ليس هناك حديث عن اتفاق مبادئ جديد، وأن الأمور سيتم بحثها بالتفصيل دون استثناء أي قضية من قضايا الحل النهائي، وعلى رأسها القدس، تتحدث مصادر إسرائيلية بلسان الواثق أن هناك اتفاق إطار، وأن قضية القدس سيتم تأجيلها، وأن الحسم فيها ليس سوى حديث شكلاني لجسر المواقف مع الرئيس الفلسطيني أبو مازن الذي يصرّ على بحث كل القضايا، والذي يكرر موقفه: «إما اتفاق على كل شيء أو لا اتفاق»، رافضاً اتفاق الرف أو التجزئة أو الانتقالي.

مصادر إسرائيلية ذكرت أن أولمرت سعى لإقناع عباس، بقبول اقتراحه لاتفاق مبادئ إسرائيلي - فلسطيني يعرض صيغة حل الدولتين في غضون الأسبوعين المقبلين، مشيرة إلى أن أولمرت يقترح تسوية لموضوع القدس، بموجبها يتم النقاش على السيادة والسيطرة في الأماكن المقدسة بالمدينة، بمشاركة دول وأطراف دولية.

من جهته، أبدى عباس تفاؤله بحديث وزيرة الخارجية الأميركية حول الحدود الفلسطينية، وعن الدولة المتصلة من دون أنفاق وجسور.

وقالت صحيفة "هآرتــس" الإسرائيلية، إن اقتراح أولمرت ينص على أن "تجري المفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين حول القدس، ولا يكون بوسع المحافل الدولية فرض أي حل، بل يكون دورها توفير دعم وإسنـاد للتسوية التي يتفق عليها الطرفان في المفاوضات المباشرة". وحسب الاقتراح، يتحدد جدول زمني من خمس سنوات لاستكمال التسوية في القدس.

شكلاً.. لا مضموناً

تضيف الصحيفة أن اقتراح أولمرت يرمي إلى التجسير بين وعده لحزب "شاس" في أن القدس لن تطرح على البحث في المفاوضات الحالية؛ وبين مطلب الفلسطينيين والرئيس أبو مازن بأن يتضمن الاتفاق كل المسائل الأساسية (الحدود، الترتيبات الأمنية، اللاجئين والقدس)، وأن الحل الذي توصل إليه أولمرت هو الموافقة الآن على الآلية التي تبحث في القدس وتأجيل المفاوضات الجوهرية إلى وقت لاحق.

من يملك الصلاحية؟

تشير المصادر الإسرائيلية إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تقترح فيها إسرائيل إشراك محافل دولية لإيجاد حل في القدس، وإن كان دورها استشارياً. وأن الفكرة هي نتاج درس من المفاوضات التي فشلت في مؤتمر كامب ديفيد قبل ثماني سنوات. في حينه، ادعى الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أنه لا يملك صلاحية تقرير مصير الأماكن المقدسة، المهمة للعالم الإسلامي بأسره.. أما اقتراح أولمرت فيرمي إلى توفير إسناد واسع للتسويـــة التي تتوصل إليها السلطـــة وإسرائيل، ومنع إفشال التسوية بســبب معارضة دول ومحافل دينية خارجية.

وتضيف المصادر أنه يمكن التقدير بأن أولمرت يقصد إشراك أطراف «الرباعية» الدولية (الولايات المتحدة، روسيا، الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي)، والأردن الذي يعترف اتفاق السلام الإسرائيلي معها بمصالحها في الحرم القدسي، ومصر كزعيمة العالم العربي وعاصمة للكنيسة القبطية، والفاتيكان، وربما أيضا الملك المغربي الذي يترأس "لجنة القدس" التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

وزير الصناعة الإسرائيلي وزعيم حزب "شاس" ايلي ايشاي انتقد موقف أولمرت هذا، وقال "إن أولمرت لا يملك الصلاحية، قانونية أكانت أم أخلاقية، لتوقيع اتفاق ما مع الفلسطينيين"، وأضاف: "قيادة السلطة الفلسطينية وهمية، وأي اتفاق معها سيكون أساسا للمزيد من الإرهاب، ومن الواضح للجميع انه لا يمكن التفاوض على مستقبل القدس وكأنها عملة، وبالتأكيد ليس بمشاركة دولية"، مطالباً باجتماع عاجل للحكومة الأمنية الإسرائيلية لبحث التقدم الجاري في المفاوضات.

ولا يستبعد أن يكون موقف حزب شاس المعلن هو نفسه موقف الحكومة الإسرائيلية غير المعلن، حيث تفيد المداولات الجارية إسرائيليا على المستويين السياسي الرسمي والإعلامي إلى عدم جدية الإسرائيليين في بحث قضية القدس بشكل خاص، أو جعلها ورقة مقايضة يتم الحسم فيها فقط إذا تنازل الفلسطينيون عن حق العودة.

خداع دائم.. لا دولة ولا دولتان

من جهتها، لا ترى الصحفية عميرة هس، المتخصصة في الشؤون الفلسطينية، أُفقاً منفرجاً في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية؛ فخيار الدولتين وخيار الدولة المشتركة لا نصيب لأي منهما.. وهو الرأي نفسه الذي يتبناه المحلل السياسي ميرون بنفينستي. قبل سنوات سبقت أوسلو ذاتها، رأى بنفينستي أن الحل صار أسيراً في شرك الاستيطان، وأن الاستيطان وصل "نقطة اللاعودة"، قبل اختراع الكتل الاستيطانية وتسوية التبادلات الأرضية. وفي مقالة نشرها أخيراً في "هآرتس" (12 آب/أغسطس 8002) يرى بنفينستي أن الدولة المشتركة تعني نهاية التطلع القومي للشعبين، وهي لا تعدو كونها "فزاعة" فلسطينية، لكنها خطر وجودي مصيري على إسرائيل اليهودية الديمقراطية، لأن "المساواة المدنية" تحظى بتأييد جارف في دول الغرب، وبسلبية مطلقة لدى معظم الإسرائيليين. أما "حل الدولتين" فيعني خسارة الإسرائيليين المنافع الكولونيالية في فلسطين".

الدور الأميركي

تحاول وزيرة خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس، إقناع إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ببلورة وثيقة تحدد مواقف الطرفين ونقاط الخلاف والاتفاق بينهما. المصادر الإسرائيلية تشير إلى أن رايس أرادت أن تعرض الوثيقة، أمام دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي ستبدأ أواخر ايلول/سبتمبر الجاري في نيويورك. لكن الطرفين رفضا هذا الاقتراح، خشيةَ أن تلحق الوثيقة الضررَ بالمفاوضات.

الغريب في الموقف الأميركي هو تصريح رايس أنه يجب الاتفاق على كل شيء أو لا شيء، وهو نفسه الموقف الفلسطيني، لكن الغرابة تزول إذا علمنا أن بحث بعض المواضيع، مثل القدس، سيكون شكلانيا وليس جوهريا، وليس ذلك إلا إعلان مبادئ بصيغة مخففة ودبلوماسية ترضي جميع الأطراف.

انشغالات إسرائيل السياسية

ما بين السيف المسلط على أولمرت وقرب مغادرته المشهد السياسي، والطعون بقراراته، تبدو إسرائيل منشغلة بانتهاء فترة الرئاسة الفلسطينية أيضا. رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي يوفال ديسكين أكد خلال جلسة الحكومة أنه يتوجب على إسرائيل أن تتابع عن كثب التطورات السياسية داخل السلطة الفلسطينية عشية انتهاء ولاية محمود عباس في يناير/ كانون الثاني 2009، وأضاف: «إجراء انتخابات رئاسية في السلطة في ظل الانقسام القائم أمر غير ممكن. يجب التنبه للأزمة السياسية التي قد تنشب هناك». وبحسبه، هناك نقاشات داخلية جارية في السلطة تطرح فيها بدائل ممكنة: الأول، انسحاب محمود عباس من الحياة السياسية أو حل دستوري يمكّن من استمرار ولايته؛ الثاني، التوصل إلى موعد متفق عليه مع «حماس» بشأن انتخابات الرئاسة؛ الثالث، إعلان محمود عباس غزة منطقة متمردة، ثم حل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ، إضافة لإجراء انتخابات جديدة.

وذكر ديسكين أنه في حال استقالة عباس من منصبه، سيكون خلفه بحسب الدستور الفلسطيني رئيس البرلمان عزيز الدويك، عضو «حماس» المعتقل في إسرائيل.

من جهة أخرى، فإن التطورات على المسرح السياسي الدولي هي هم آخر يقع على الإسرائيليين: التحالفات الجديدة، كون إسرائيل أصبحت في مرمى الصواريخ الإيرانية، عودة روسيا للتدخل في المنطقة، وحديث رئيسها الصريح عن عالم متعدد الأقطاب.

على الأرض

الأمر الذي يمكن الحديث عنه بشكل جدّي هو مجال تحسين حياة المواطنين الفلسطينيين اليومية، كمنح بطاقات الهوية، وتخفيف القيود على الطرق في شهر رمضان، والإفراج عن أسرى. في هذا السياق يتم الحديث الآن عن معايير جديدة للإفراج عن الأسرى في صفقة شاليت. ولا يعلم المرء، هل سينطبق ما طلبه عباس من أولمرت بفتح المكاتب الفلسطينية المغلقة في القدس، والتي نص على فتحها مؤتمر أنابوليس وخريطة الطريق، على مجال تحسن الحياة اليومية على الأرض.

على الأرض أيضا ما زال الانقسام قائما بين فتح وحماس، وما زالت الشكوك قائمة. من جهة، تكرر حماس رفضها لقدوم قوات عربية إلى قطاع غزة، ولا ترى ضرورة لذلك. ومن جهة أخرى ما زالت هناك مشاكل في إدارة الوزارات، حيث أن إضراب المعلمين في غزة، واستمرار وجود معتقلين سياسيين في غزة ورام الله، وضبط أسلحة قتالية مع أفراد حمساويين في الضفة، كل ذلك يزيد من التوتر ولا يخدم هدف الحوار الوطني. ويبدي المراقبون تخوفا من فشل الحوار الوطني وتكريس الانقسام لوقت أطول، والذي يعني «جمود العملية السياسية برمتها، وربما الإعلان عن ما صار يصطلح عليه إعلاميا بـ«دولة المدينة»، مدينة غزة بالطبع! وهو ما تهدف إليه إسرائيل: دولة فلسطينية في قطاع غزة، وكانتونات في الضفة الغربية تدار من قبل دولة غزة والأردن وإسرائيل كما كانت تسوّق الأوساط الإسرائيلية منذ العام 1999.

اتفاق إطار أو لا إطار.. هذا هو السؤال!
 
04-Sep-2008
 
العدد 42