العدد 42 - دولي
 

صلاح حزين

لم يكن أمرا باعثا على التفاؤل أن يؤجل مؤتمر الحزب الجمهوري لمدة يوم واحد، بسبب إعصار غوستاف الذي هيمنت صورته على وجه أميركا، بالعكس من ذلك، كان ذلك نذير شؤم، إذ إنه ذكر الجمهوريين الحاضرين بذكرى ليست سارة هي إعصار كاترينا، الذي ضرب جنوبي البلاد قبل ثلاث سنوات، وأزهق أرواح ما يزيد على 1800 شخص من سكان المنطقة، حتى تحول سوء الإدارة التي تم بها التعامل معه من جانب إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش، مثلا إضافيا على عجز إدارة الرئيس الأميركي عن التعامل مع الأزمات الخارجية؛ العراق، أفغانستان، والداخلية؛ إعصار كاترينا.

ومثلما كان إعصار كاترينا حاضرا في صورة سلبية، من خلال إعصار غوستاف، فإن الرئيس جورج بوش كان حاضرا هو الآخر، وفي صورة لا تقل سلبية، فقد جاء حضوره المؤتمر من خلال كلمة متلفزة، منقولة عن بعد، عبر شاشة مكبرة، ألقاها أحد أقل الرؤساء الأميركيين شعبية في تاريخ الولايات المتحدة في واحد من أهم مؤتمرات الحزب، فهو المؤتمر الذي سيقرر إن كان في إمكان الجمهوريين البقاء في الحكم، بعد ثماني سنوات عجاف ممثلين بواحد من أكثر الرؤساء بعثا على الضجر، أم أنهم سيخسرونها لصالح الديمقراطيين.

حضور بوش المنقول عن بعد، حمل الكثير من الرمزية، فنقل كلمته "عن بعد" جاء ليعني في صورة أو أخرى أن الرئيس الحالي "بعيد" عن المؤتمر، وأن حضوره على هذه الصورة إنما يأتي لكي يعلن على الملأ أنه ما زالت لجون ماكين روابط مع صقور الجمهوريين الذين يشكلون قاعدة بوش التي تتهرأ يوما بعد يوم، إذ إنهم على الرغم من تآكل قوتهم، فإن صقور الحزب الجمهوري والمحاربين القدماء والمحافظين الجدد، ما زالوا يحتفظون بقوة مؤثرة داخل الحزب، وكذلك داخل دوائر صنع القرار.

وإن كان المرشح الجمهوري، جون ماكين، قد وجد نفسه مضطرا لبث كلمة بوش، وإن عن بعد، فإنه لم يكن مضطرا لفعل الشيء نفسه مع ديك تشيني، نائب الرئيس بوش الذي ينافس بوش في تدهور شعبيته، فضلا عن علاقة مضطربة بينه وبين المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري، ماكين.

التوجه الذي عقد المؤتمر في أجوائه، عبرت عنه يافطة كتب عليها: "البلد أولا". وكان من المفارق أن يكون هذا الشعار هو المنفذ الذي ولج منه جون ليبرمان الذي حضر مؤتمر الحزب الجمهوري ولقي استقبالا حافلا. ومن المعروف أن ليبرمان كان قد خاض انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2000، بوصفه نائبا للمرشح الديمقراطي آنذاك، آل غور، والذي خسر تلك الانتخابات لصالح جورج بوش الإبن.

جون ليبرمان لم يحضر بصفته قياديا في الحزب الديمقراطي، على الرغم مما لديه من توجهات يمينية تؤهله لذلك، ولا قياديا في الحزب الديمقراطي، فهو لم يعد عضوا في الحزب الذي اختاره يوما ليكون مرشحا لنيابة الرئيس، بل بوصفه "مستقلا"، فهو على رغم ميوله اليمينية، ما زال يحتفظ ببعض الأفكار التي تعتبر شبه محرمة في أوساط الجمهوريين، مثل الحق في الإجهاض.

ليبرمان، قال إنه هناك، في مؤتمر الحزب الديمقراطي، لأنه يقدم البلد على الحزب، فالبلد أولا، ثم يأتي بعد ذلك الحزب، وبذلك فإنه عندما يصوت لجون ماكين، فإنه يصوت للبلد. (هنا تعالت أصوات الحضور: أميركا، أميركا).

كانت إحدى النقاط الرئيسية على جدول أعمال المؤتمر، هي الدفاع عن اختيار جون ماكين لحاكمة ولاية ألاسكا، سارة بولين، لمنصب نائب الرئيس، وهو اختيار ووجه بعدم رضى واضح في البداية، فقد أخذ كثيرون على بولين مجيئها من وسط غير مسيس، وبعدها عن الأحداث، فضلا عن عدم تمتعها بما يكفي من الخبرة، بحيث يمكنها أن تقوم بمهام الرئيس في غيابه، فمن المعروف أن مهام نائب الرئيس ليست هينة، وأكثر ما يدل على ذلك الدور الذي يلعبه ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي في السياسة الحالية للولايات المتحدة، وهو دور يرى كثيرون أنه أكثر أهمية من الدور الذي يلعبه جورج بوش نفسه.

ولكن كثيرا من المراقبين رأوا في ترشيح بولين نائبة لماكين، ردا على اختيار المرشح الديمقراطي باراك أوباما، الذي يتهمه كثيرون بالافتقاد إلى الخبرة، لسياسي مخضرم، ليكون نائبا له في المعركة الانتخابية هو، جون بايدن، لتكون الصورة على النحو الآتي: باراك المفتقد إلى الخبرة السياسية، يدعمه نائب للرئيس لا تنقصه الخبرة، وجون ماكين، الذي يمثل الخبرة، وبخاصة في جانبها العسكري، كما يرى البعض، تسنده نائبة قليلة الخبرة هي سارة بولين.

السباق على كرسي الرئاسة الأميركية في البيت الأبيض يشتد، والتنافس يحتدم. وربما كان نعت "الأبله" الذي نعت به أحد المتحدثين في مؤتمر الحزب الجمهوري المرشح المنافس باراك أوباما، إشارة إلى احتدام التنافس بين الحزبين.

الحزب الجمهوري، في مؤتمره هذا، حاول أن يبدو متماسكا وموحدا خلف مرشحه جون ماكين، وذلك ردا للتحية على الحزب الديمقراطي، الذي كان قد عقد مؤتمره في دنفر قبل أيام وظهر فيه موحدا بحضور هيلاري كلنتون التي كانت خاضت منافسة مريرة مع باراك أوباما على الترشح عن الحزب الجمهوري للوصول إلى البيت الأبيض.

السباق على البيت الأبيض بدأ بداية ساخنة؛ حزبان موحدان يسعى كل منهما للفوز في انتخابات سيكون على الفائز فيها أن يواجه عددا من التحديات: ارتفاع أسعار الطاقة، وانخفاض سعر الدولار وأزمة الرهون العقارية المستعصية على المستوى الداخلي، وحرب الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وهما حربان تخاضان تحت مسمى "الحرب على الإرهاب"، وتحديات الحل في الشرق الأوسط، الذي وعدت إدارة الرئيس بوش بالتوصل إليه قبل انتهاء ولاية الرئيس، الملف النووي الإيراني، الملف النووي الكوري الشمالي، فقد أعلنت كوريا أخيرا أنها توقفت عن إتلاف أسلحتها النووية بموجب اتفاق مع أميركا، وأخيرا مواجهتها مع روسيا عبر الأزمة الجورجية، وكلها ملفات كبيرة تحتاج حلولا مبتكرة، لا يعرف أحد إذا ما كانت مفاتيحها موجودة لدى أي من المرشحين؛ الديمقراطي والجمهوري.

الجمهوريون يرفعون في وجه الديمقراطيين شعار: “البلد أولاً”
 
04-Sep-2008
 
العدد 42