العدد 42 - استهلاكي
 

علا الفرواتي

شهر رمضان هذا العام ذو نكهة مختلفة عند الأسر الأردنية التي استقبلته في وقت ما زالت تعاني فيه من "ضربات قاصمة" أدت لتغيير جذري في العادات الاجتماعية، نظراً لارتفاع الأسعار وتآكل المداخيل.

مائدة رمضان أكثر كلفة، رغم أنها تحتوي على أطباق أقل بحسب العديد من أرباب الأسر الذين يصطبغ تذمرهم من الأسعار بالأمل بـ"البركة والكرم" اللذين يرافقان هذا الشهر الذي يشهد زيادةً كبيرة في الإنفاق على المواد الغذائية.

في الوقت الذي قررت فيه عائلات كثيرة تكييف استهلاكها في هذا الشهر بما يناسب مداخيلها، بدت «عزائم» ذوي القربى الضحية الأولى لارتفاع الأسعار، إذ أكد أرباب أسر أنهم لن يدعوا جميع أقاربهم إلى إفطارات رمضانية، كما جرت العادة في السنوات السابقة.

أبو أحمد، الذي يقطن جبل الأشرفية، ستقتصر عزائمه هذا العام على والديه فقط دون إخوانه وأخواته وعائلاتهم. رب العائلة والأب لثلاثة أطفال، يرى أن هذه الخطوة ستخفف عنه وعن إخوانه تكاليف هم في غنى عنها.

يقول: «إذا دعوتهم فإن هذا سيكلفني 30 ديناراً على الأقل في كل مأدبة، وهذا أكبر مما يتحمله دخلي ودخل زوجتي. أعتقد أن هذه سييسّر عليّ، وعلى إخوتي أيضاً، إذ لن يضطروا إلى رد العزيمة».

أسعار المواد الغذائية سجلت ارتفاعات متتالية وصلت هذا العام إلى 34 بالمئة. تشير دائرة الإحصاءات العامة إلى ارتفاع نسبة التضخم لأسعار المستهلك للأشهر السبعة الأولى من العام 2008 بما نسبته 14.2 بالمئة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. من أبرز المجموعات التي ساهمت  في هذا الارتفاع: «الوقود والإنارة» بنسبة 52.9 بالمئة، «النقل» بنسبة 23 بالمئة، «الألبان ومنتجاتها والبيض» بنسبة 34 بالمئة، «الحبوب ومنتجاتها» بنسبة 29.3 بالمئة، و«الزيوت والدهون» بنسبة 28.9 بالمئة.

«أنا لا بَعزم ولا بَنعزم»، هذا ما يقوله «وسام» الذي يعمل موظفاً، ويعيل زوجته وطفلة واحدة. بالنسبة لوسام، فإن شهر رمضان كبقية الأشهر، يتناول فيه هذا الشاب وجباته في المنزل مع زوجته وطفلته. يقول: «لا أفهم لماذا يجب أن تكون هناك دعوات على الفطور.. التواصل العائلي لديّ يقتصر على الزيارة بعد الإفطار وتناول الحلويات أو شرب العصير. أما العزائم بكلفتها وجهدها الكبير فهي غير ضرورية أبداً».

يحدث هذا التغيير في أنماط العادات الاجتماعية في وقت أبقت فيه عائلات أخرى على عادة دعوة الجميع وتلبية دعوة الجميع إلى مأدبات تقسم الشهر إلى قسمين، تكون العائلة داعية في نصفه، ومدعوّة في النصف الآخر.

محمد الخليلي يدعو أسرته وأسرة زوجته إلى عزائم رمضانية. هذه العزائم لا تقتصر على المقربين فقط، بل تتم دعوة الأعمام والعمّات والأخوال والخالات وعائلاتهم.

«أكل الرجال عَ الرجال دين» يقول الخليلي ذو الأعوام الخمسة والثلاثين، والذي يعمل موظفا في القطاع الخاص.

ويضيف: «دُعينا من جميع أفراد العائلة في أول رمضان بعد زواجنا، ومنذ ذلك الحين لم نتخلَّ عن عادة العزائم، بخاصة أنني أرصد لها ميزانية وأستعدّ لها قبل أن يبدأ رمضان، ولا أرى سبباً لإلغائها، إذ تجمع العائلة كلها على مائدة واحدة، وهذا أمرٌ جميل».

المحلل الاقتصادي حسام عايش يرى أن تغير أنماط الإنفاق هو ما يسمُ شهر رمضان هذا العام، حيث تحول تفكير الناس إلى تكييف نمطهم الاستهلاكي وترتيب أولوياتهم في سلّم يتناسب مع دخولهم.

يقول عايش: «يحصل هذا رغماً عن إرادة الناس. إنهم يقومون بضبط إنفاقهم بالاستعانة بخبرة قصيرة اكتسبوها عبر الشهور الماضية». ويضيف أن هذا الشهر سيُكسب المواطنين مهارات جديدة في التعامل مع دخولهم الثابتة والارتفاعات المتتالية في الأسعار، عبر التخطيط، والتخلّي عن الهدر، والإنفاق على الضروريات فقط.

عايش يرى في هذا التحول أمراً إيجابياً على صعيد الاقتصاد المتعلق بالفرد والأسرة، وعلى مستوى الاقتصاد الكلي الذي ستتعامل وفقه المؤسسات الاقتصادية مع مواطنين ذوي وعي إنفاقي أكبر.

عائلات تكيّف استهلاكها الرمضاني لمواجهة تآكل المداخيل
 
04-Sep-2008
 
العدد 42