العدد 42 - كتاب
 

شهدنا في الآونة الأخيرة، وكما عهدنا من الحكومات المتعاقبة، محاولة أخرى لتعديل قانون ضريبة الدخل، قد يكون مصيرها مثل سابقاتها، وبخاصة في ظل الظروف الراهنة، ومن ضمنها تضخم وصل إلى 14.3 بالمئة ، ومعدل بطالة رسمي نسبته 13 بالمئة ونسبة فقر تفوق 14 بالمئة ، بحسب الإحصاءات القديمة، وتأتي هذه المحاولة منقوصة، مثلها مثل سابقاتها، لتخلق نوعاً من الضوضاء المؤذي للمسيرة الاقتصادية التي لم تخل من الكبوات، ولجهود تحفيز الاستثمار. لذلك نضع فيما يلي الإطار الاقتصادي الذي عادة ما يكون مرجعاً للدول في تدارس الضرائب وخاصة ضريبة الدخل.

المعروف أن حصيلة الحكومة من ضريبة الدخل لا تزيد على 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي يعتبر الأردن، وكما أشارت الأجندة الوطنية، من أقل الدول تحصيلا لهذه الضريبة، ما يُعني أن نسبة التهرّب الضريبي تعد من النسب المرتفعة في العالم، وأن الاقتصاد غير المنظّم في الأردن يُشكّل جزءاً كبيراً من حجم الاقتصاد الكلي نتيجة التهرّب من دفع الضرائب. وأسباب التهرّب من انتظام المؤسسات الفردية والخاصة بالنمط الضريبي في الأردن واضحة للعيان ومنها: صعوبة تسجيل المؤسسات وترخيصها، والرسوم المرتفعة للتسجيل، والوقت اللازم للتسجيل وكثرة إجراءات ما بعد التسجيل، والقيود الكمية على رأس المال، وبخاصة للشركات محدودة المسؤولية، واعتقاد المواطن بأن الضرائب لا تعود إليه على شكل مرافق ومنافع عامة جيدة يستفيد منها هو وعائلته، وغيرها.

ومن المتعارف عليه أنه منذ بدء عملية الإصلاح الاقتصادي في الأردن، وتعدد الشرائح الضريبية يخلق تشوهات كثيرة في الاقتصاد تؤدي إلى تداعيات سلبية ينتج عنها انحسار نشاط السوق وتراجع العملية الإنتاجية. فالقانون الحالي يميز بين قطاعات التجارة والصناعة والمصارف، ويضع شرائح ضريبية كثيرة على دخول الأفراد، وبخاصة موظفو القطاع الخاص. كما أن نسب الضرائب، والتي قد لا تكون مرتفعة بالنسبة للدول المتقدمة (التي تقدم الكثير من الخدمات ذات الجودة العالية لمواطنيها)، فإنها مرتفعة بالنسبة للدول النامية التي تنافس الأردن في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفي إنتاج السلع البديلة في الأسواق المحلية والعالمية. لذلك أدخل الأردن ضريبة المبيعات والضرائب الخاصة التي تدفع عند الاستهلاك سواء من قبل المنتج أو المستهلك، ورغم تعديل القانون منذ فترة ليست ببعيدة، بقي حال ضريبة الدخل على ما هو عليه دون وضع حلول جذرية للتهرّب الضريبي.

فالمطلوب إذاً وضع نظام ضريبي متكامل يحفّز المواطن العامل على دفع الضرائب بيسرٍ، ومن خلال حلول شاملة تقلل من العبء الضريبي (ولا تزيده)، وتشارك في تحمله الشرائح ذات العلاقة. وتتخذ الدول عادة المبادئ التالية في دراسة أي تعديل ضريبي:

- يجب النظر في مجموع الضرائب التي تدفعها المؤسسات والأفراد، وليس كل ضريبة على حدة، الأمر الذي يُعني ألا تفرض ضرائب دخل على مؤسسة دون النظر إلى العبء الذي تتحمله من ضرائب ورسوم أخرى. وعلى سبيل المثال بينما تبلغ ضريبة الدخل للبنوك 35 بالمئة فإنها لا تدفع رسوم طوابع على المعاملات ولا ضريبة مبيعات أو ضرائب خاصة، سوى ما يتطلبه البنك المركزي من احتياطي على الودائع (9 بالمئة ) من مجمل الودائع، و2.5 بالألف لمؤسسة ضمان الودائع، بينما تدفع المؤسسات الصناعية ضرائب المبيعات والضرائب الخاصة والجمارك والرسوم المختلفة دون حماية احتكارية على أسواقها كما هو حاصل بالنسبة للبنوك.

- تؤخذ بعين الاعتبار الأهداف التنموية للبلد لدى وضع الحوافز الضريبية والضرائب، وفي غياب ميثاق وطني اقتصادي طالبنا به منذ العام 1998 بالتحديد ونتجت عنه "الرؤية 2020 الأولى والثانية" و"الأجندة الوطنية" و"كلنا الأردن"، وجميعها وثائق جميلة تتمايز في التفصيل والإخراج وتجتمع في أنها وثائق توضع منسية على الرفوف، فإن الإطار التنموي الموجّه لأي نظام ضريبي في الأردن ما زال مفقودا وخاليا من ديناميات التنفيذ والإلزام للحكومات المتعاقبة، وتوجهات القائمين عليها ومدارسهم الفكرية التي تنبع من جهود شخصية وخبرات متباينة.

- تنطلق الحكومات من مبدأ أن رجال الأعمال بحاجة إلى الاستقرار التشريعي فلا تقوم حكومة تلو الأخرى (وصل عمر بعضها ستة أشهر فقط) بتعديل التشريعات وكأنها كانت وستظل إلى فترة طويلة معروفة لدى الجميع. ولقد أشار رئيس وزراء سابق مشهود له بالخبرة والدراية، في أحد الاجتماعات، إلى التوازن المطلوب فقال: "يجب أن نوازن بين تحديث التشريعات الاقتصادية وسرعة تغييرها، لكي لا نخلق جواً من عدم الاستقرار التشريعي الاقتصادي في بلد ناهض كالأردن".

- توضع الحلول في وقتها: فلا تتحدث الحكومات عن زيادة الضرائب ونسبها على شريحة هامة من الاقتصاد الكلي، في وقت تعاني فيه هذه الشريحة من مصاعب جمة. فمثلاً تعاني الصناعة الأردنية من ارتفاع أسعار الوقود وانخفاض قيمة الدينار بالنسبة للعملات العالمية، نتيجة ربط الدينار بالدولار، بأسعار لم تتغير منذ 1995، وتعاني من انفتاح الأسواق الداخلية وانحسار قدرتها على النفاذ إلى الأسواق نتيجة زخم الدعم المؤسسي والفني الذي تقدمه الدول المتقدمة والنامية لمؤسسات القطاع الخاص فيها، وصغر حجم المؤسسات الأردنية المنتجة، ما يحد من قدرتها على المنافسة، داخل الأردن أو خارجه، للشركات العملاقة المدعومة بموازنات حكومات عملاقة أيضاً. لذلك يجب الابتعاد كلياً في الوقت الحالي عن طرح حلول قد تؤدي إلى زيادة العبء الضريبي الفعلي على المؤسسات في وقت تراجع فيه معدل النمو المتـوقـع إلى 4.4 بالمئـة، أي بهبوط يقارب 35 بالمئـة مما كان عليه في العام الماضي.

- قبل إطلاق أي سياسة اقتصادية جديدة واسعة الأثر، يجب أن تكون هناك دراسات ميدانية وشاملة. وللآن لا توجد هناك أي دراسة تبين مدى العبء الضريبي على الفرد أو المؤسسة في مختلف القطاعات. وعلى الرغم من دراسات وجهود فردية ضئيلة، فإن المقترحات الحالية لا تدعمها الدراسات والبيانات اللازمة لبيان الأثر إيجاباً أو سلباً على الاقتصاد الكلّي بشرائحه المختلفة.

- يجب أن يضع المشرّع أمام عينيه، أن هنالك أثرين مهمين لأي سياسة اقتصادية: الأول هو أن الوقع سيكون أكثر على فئة من فئة أخرى، ولذلك يجب أن تكون هناك آليات لدعم هذه الفئات، وتخفيف الوطء الفعلي عليها. وثانياً أن للسياسة آثارا دائمة على البعض، كأن تتعرض مؤسسة للإفلاس نتيجة لذلك، وبالتالي لا تقوم لها قائمة بعد ذلك أبدا، فإنشاء وإنجاز المشاريع لا يتم بسهولة اتخاذ القرارات الاقتصادية.

وفي المحصّلة، فكما قال العالم الاقتصادي جوزيف ستجلتز، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، "حين يكون البيت في حالة احتراق، لا يقوم شخص عاقل بإعادة ترتيب الأثاث". ولا نقول هنا إن البيت يحترق، ولكن نقول: لينظر كل مسؤول إلى الاقتصاد الكلّي، لا من منظار مؤسسته وإلتزاماته، فكلنا الأردن.

يوسف منصور: لماذا يعدَّل قانون ضريبة الدخل؟
 
04-Sep-2008
 
العدد 42