العدد 42 - حريات
 

محمد شما

ما زالت حالات الاعتداء على عاملات البيوت في تصاعد مستمر، وما زالت القوانين عاجزة عن حماية حقوق تلك الفئة من العاملين..وفق تقرير صدر مؤخراً عن صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة تناول أوضاع «العاملات في المنازل من غير الأردنيين»، ويعتبر أن «نقص التشريعات القانونية وغياب الآليات الناظمة للعلاقة بين العاملات ومكاتب الاستقدام وكذلك عدم وجود دور فاعل لوزارة العمل، ومع محدودية دور سفارات الدولة المصدرة لعاملات المنازل»، هي أسباب مساعدة لازدياد حالة هرب العاملات بين صفوف العاملات.

جمعية أصدقاء المرأة العاملة، ترى أن غياب التشريعات المحددة لعلاقة العامل مع صاحب العمل سبب إرباكاً كبيراً ما يفتح باباً واسعاً أمام الانتهاكات. بذلك تتبدى الحاجة لحملة «إنصاف» للتوعية بحقوق العاملات في المنازل.

السوق الأردنية على صغرها، مقارنة بسوق الخليج العربي، فإن نسبة العمالة المنزلية فيها الآتية من سيريلانكا والفلبين وأندونيسيا؛ كبيرة جداً، ويقدر الصندوق الدولي نسبة العمالة بـ 81 بالمئة من الوافدات من سيريلانكا و39 بالمئة من الفلبين.

في مطلع آب/ أغسطس 2001 وقع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (اليونيفم) المكتب الإقليمي للدول العربية، مذكرة تفاهم مع وزارة العمل المسؤولة مباشرة عن قطاع العاملين والعاملات في المنازل من غير الأردنيين، تضمنت خطوات جادة لتحسين وتعزيز حقوق العاملين والعاملات في هذا القطاع ومراجعة قانون العمل والتعليمات التي تحكم علاقة العمالة المنزلية.

وترمي المؤسسة هدفا نحو تنظيم عمل مكاتب استقدام واستخدام منها تسجيل تلك المكاتب رسميا لدى الوزارة باعتبار ترخيصها واتخاذ آلية لمراقبتها والسيطرة عليها خطوة لضبط سوق استقدام واستخدام العاملات من غير الأردنيين.

تحت عنوان «المرأة العاملة المهاجرة في الأردن..دراسة حالات العاملات الهاربات» نشرت «اليونفام» وجمعية أصدقاء المرأة العاملة المدعومة من صندوق الأمم المتحدة، دراسة تناولت أوضاع العاملات في المنازل من الجنسيات السيريلانكية والفلبينية والأندونيسية في الأردن والهاربات منهن.

«هروب العاملات ظاهرة تدلل على مشاكل تنتج من مستخدمي العاملة»..وفق مديرة جمعية أصدقاء المرأة العاملة، عايدة أبو راس، التي تبدي تفاؤلها من تحرك وزارة العمل الذي يتمثل «بإنجاز العقد الموحد وتنظيم عمل مكاتب استقدام واستخدام العاملات والخط الساخن باللغات السيريلانكية والفلبينية والأندونيسية والإنجليزية».

الدراسة -وفق أبو راس- فرصة للمؤسسات للتحرك وإطلاق حملات توعوية موجهة للعاملات غير الأردنيات ومكاتب الاستقدام والوزارة.

وتبدي سفارات الدول المعنية مخاوفها من الظاهرة، وليس هناك إحصائية عن عدد الهاربات لكن السفارة السيريلانكية أشارت في إحصائية غير موثقة ان هناك 100 سيريلانكية يهربن شهريا بمعدل 5 لاجئات يلجأن لسفارة بلادهن، في حين تتحدث السفارة الفلبينية عن 90 فلبينية هاربة، أما الأندونيسية فتستقبل 8-9 هاربات شهريا.

بحسب رئيس قسم العاملات الوافدات في السفارة الأندونيسية فان 90 بالمئة من الهاربات يهربن بسبب سوء المعاملة الجسدية، أو عدم دفع أجورهن أو اضطرارهن لدفع رسوم تصاريح العمل من قبل مستخدميهن. فيما السفارة السيريلانكية تعزو سبب هروب الخدمات إلى عدم دفع أجورهن، يتبعه العمل الزائد المضني والإساءة الجسدية وأخيرا الجنسية، ولا تملك أي من تلك السفارات إحصائيات رسمية.

لفتت الدراسة إلى قائمة من الأسباب التي تزيد من هروب العاملات أهمها: «الحبس» وهي مشكلة تواجه العاملات «ينظر لهن على أنهن من ممتلكات المنزل» كأن لا يسمح لها بالخروج من المنزل أبداً وإلى حين عودة الخادمة إلى بلدها بعد سنتين ونصف السنة.

وتقوم مكاتب الاستخدام باحتجاز جوازات سفر العاملات والوثائق الشخصية لهن، في أجراء غير قانوني حسب القوانين الدولية، بينما تعتبره مكاتب الاستخدام إجراء احترازياً للحماية من سوء تصرف العاملة في المنزل. قابل معدو الدراسة 3 خادمات احتجزت جوازات سفرهن اثنتان منهن حاولن الهرب لكن بسبب حجز وثائقهن لم يتمكن من الهرب...

«الصدمة الثقافية» نتيجة حاجز اللغة، وتباين العادات والسلوكيات فالعائلات تطلب من الخادمات قص الشعر الطويل، وهو ما يعتبر لدى السيريلانكيات والأندونيسيات رمز الخصوبة والأنوثة. أو منعهن من الاستحمام وقد اعتدن على الاستحمام اليومي في بلادهن. فيما تجري النظرة إلى الفلبينيات على أنهن «سهلات المنال» لذلك تقوم العديد من العائلات بحبسهن في البيوت، اعتقاداً بأنهن يسارعن الى إقامة علاقات جنسيةخارج البيت.

أما «مكان الإقامة غير المناسب» ففيه تنام العاملات في المطبخ او أماكن لا تحترم إنسانيتهن مثل الحمامات او الممرات. كذلك «العمل الإضافي» فوفق السفارة الفلبينية فالكثير من الفلبينيات يعملن ما يتجاوز عشرين ساعة يومياً، وهو ما يؤثر على العدد الإجمالي لساعات النوم.

بينما تواجه بعض العاملات في المنازل عدم احترام عاداتهن الشخصية في تناول الطعام.هناك حالات يمنع فيها المُستخدِم العاملة من تناول الطعام نفسه نوعاً وكماً الذي يتناوله أفراد العائلة.

أما سوء المعاملة فهو الأكثر شيوعا: الإساءة اللفظية والنفسية والضرب والاعتداء الجنسي. ووفق السفارة الفلبينية فإن هناك عشر حالات اعتداء جنسي العام 2005 كما أشارات السفارة السيريلانكية إلى معظم حالات الهروب اشتكت من الاعتداءات الجنسية.

في هذا الصدد أشارت إدارة حماية الأسرة التابعة لجهاز الأمن العام، إلى أنه ما بين عامي 1998 و2005 فقد قدمت 97 عاملة أتينا شاكيات للإدارة تعرضن لشكل من أشكال الاعتداء الجنسي موزعة الأرقام على النحو التالي: اغتصاب: 52 حالة، شروع في الاغتصاب: 8 حالات، هتك العرض: 26 حالة، التحرش الجنسي: 11 حالة.

حسب مسؤولي السفارات الثلاث ومحاميها، فإن الإجحاف الأكثر شيوعاً الذي تواجهه عاملات المنازل الوافدات يتمثل في «عدم دفع أجورهن من قبل مستخدميهن».ذكرت عاملة تمت مقابلتها في الدراسة أن مستخدمها وقعها عنوة على ورقة «مخالصة»، تفيد بأنها تسلمت أجورها المستحقة رغم أنه لم يدفع لها مستحقاتها ولا حتى لمرة واحدة.

تطالب أبو راس بضرورة إلزام المكاتب بفتح حساب بنكي للعاملة، يوضع الراتب فيه شهرياً للحد من هذه التجاوزات التي تقع.

الملحق العمالي في سفارة الفلبين يعتقد «أن الأنظمة العادلة التي توضع وتطبق تشجع على إشاعة ثقافة احترام حقوق الإنسان بصورة عامة وحقوق العامل بشكل خاص حتى يتسنى للجميع الاستفادة من بيئة منتجة». وتشير عاملة فلبينية قابلها معدو الدراسة إلى أنها تنتج في البيت كثيراً وتعامل باحترام وإنسانية ولها غرفة خاصة وتلفزيون، وبعد الساعة السادسة مساء لا تعمل إلا في المناسبات، وتتمتع بيوم إجازة كامل في الأسبوع.

تتعرض العاملات لإهانة فمع هروبهن من بيوت مستخدميهن يلجأن إلى مكاتب الاستخدام وأحيانا «يقام ملجأ لغير القانونيات مقابل ظروف عمل مهينة كالبغاء».

تعاني العاملات من تناقص الدور المطلوب من سفارات بلادهن، بسبب الأعباء المالية المترتبة عن أتعاب محامي الدفاع عنهن مع نقص الموارد المالية، وأيضا لغياب نظام المتابعة من قبل الجهات الحكومية المختصة: وزارة العمل ووزارة الداخلية وإدارة الإقامة والحدود «لتخرج العاملة هي ضحية».

تشكل غرامات تصريح العمل السبب الرئيس الذي يدفع بعض العاملات في المنازل للهرب، بل وحتى العاملات في المنازل اللواتي أتممن فترة عقد عملهن يجدن نفسهن عالقات في البلد، ويفترض أن يقوم القنصل في سفارة بلادها بمتابعة حالاتها لأجل إعادتها لمكتب الاستخدام ليتسنى لها العمل عند أسرة أخرى.

وزارة العمل وإدارة الإقامة والحدود لا تسمح للعاملة مغادرة البلاد، إذا لم تسدد مخالفاتها وغرامتها. إدارة الحدود والإقامة تقوم بإصدار بطاقات الإقامة وإلقاء القبض على الهاربات اللواتي يتم الإبلاغ عنهن من قبل الشرطة ومتابعة الأمر مع المستخدمين (أصحاب العمل).

منذ العام 2006 تلزم وزارة العمل المستخدِم بتسديد رسوم تصريح العمل قبل وصول عاملة المنزل إلى البلد، وذلك لضمان عدم وقوع العاملات في الشرك الذي عانت منه الكثيرات.

المادة 3 من قانون العمل الأردني رقم 8 لسنة 1996 وتعديلاته، تستثني صراحة عمال المنازل سواءً المحليين او الأجانب من مظلة تطبيق أحكام هذا القانون، بذلك لا تغطي التشريعات العمالية جوانب العلاقة بين العاملين ورب العمل.

الدراسة حملت انتقاداً لوزارة العمل فالمديريات التي تم تشكيلها لا تأثير لها، باستثناء «عقد العمل الخاص بالعاملين في المنازل من غير الأردنيين» ويهدف العقد إلى الحد من أعداد العقود الوهمية وغير المعترف بها من قبل الوزارة.

مديرية العاملين في المنازل، أنشأتها وزارة العمل في شهر أيار العام 2006 وفرضت هذه المديرية إجراءات «بهدف وضع ضوابط على ما يسمى بالعمل التجاري غير القانوني لمكاتب الاستخدام» من باب أنها ستكون مسؤولة عن انضباط مكاتب الاستخدام وتنظيمها عبر تسجيلها قانونياً والرقابة عليها، وإصدار وتجديد تصاريح العمل وإنشاء خط ساخن لتلقي شكاوى تتعلق بقضايا العمل والإجابة عن أي استفسارات.

ينشط في مجال استقدام استخدام العاملات 120 مكتباً منها 85 مكتباً تنضوي في نقابة أصحاب مكاتب استقدام واستخدام العاملين في المنازل من غير الأردنيين، و65 مكتبا مسجلا لدى وزارة العمل، ووفق نقيب النقابة فإن دور النقابة «تنظيمي» أمام مجموعة مكاتب غير قانونية تشكل تحدياً أمام تلك المسجلة.

تشكل وزارة العمل ضابطا للمكاتب، والأخيرة ممثلة بنقابتها تعتبر الوزارة تستهدف عمل المكاتب على اعتبار أنهم في المكاتب ملزمون فقط :القيام بأعمال الوساطة لاستقدام واستخدام العمالة غير الأردنيين ويطلب منهم تسجيل الشركة باسم أردنيين، كما يتوجب على المكاتب عند تقديم طلب الترخيص تقديم كفالة بنكية لوزارة العمل بقيمة 50 ألف دينار، لضمان الالتزام بالأحكام المعمول بها بموجب الأنظمة والتعليمات والقرارات الصادرة بموجبه.

النقابة، تطالب بقنوات مباشرة مع وزارة العمل لصالح العاملين غير الأردنيين في المنازل. وتنأى بنفسها عن ما ورد في الدراسة، وتقول عضو النقابة وفاء أبو رصاع إن الكثير من المكاتب تعاني من مشاكل تتسبب لها العاملة «منها عدم انسجام العاملة مع عادات المجتمع المحلي».

تلاحظ أبو رصاع أن أصحاب المكاتب يصطدمون دوما مع وزارة العمل التي تضيق الخناق عليهم، مطالبين بفتح سوق العاملات أمام بلدان أخرى مثل الهند والبنغال، فالوزارة تتيح المجال فقط لدول السيريلانكا والفلبين وأندونيسيا. يضيف محيي الدين خليل صاحب مكتب استقدام واستخدام، على ما أوردته أبو رصاع بأن الكثيرات من الخادمات يهربن لعدم رضاهن عن الأجر ويلجأن للعمل بصورة مستقلة.

تشير الدراسة إلى أن مصير العاملات في المنازل من غير الأردنيات عالق في شبكة القوانين والأنظمة، موصية بـ«توفير ملجأ أو دار رعاية للعاملات الوافدات الهاربات وتوفير هيئة استشارية لتحويل العاملات لدى وصولهن للملجأ وتوفير الخدمات المساندة والاستشارات القانونية، وبناء قدرات مكاتب استقدام واستخدام العاملات وتشكيل مجموعة من المحامين للمطالبة بتطبيق آليات تنفيذ المعاهدات الدولية».

حملة إنصاف عاملات المنازل الأجنبيات
 
04-Sep-2008
 
العدد 42