العدد 42 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

ترك شظف العيش والبيئة المحافظة بصماتهما في شخصيته، ولعل الصورة النمطية التي قدمها الإعلام عنه ظلمته، فالانطباع يكون أحياناً أقوى من الحقيقة.

يصفه مقرب منه بأنه «رجل يسعى إلى إحداث تغيير وإصلاح حقيقيين، وكثيراً ما قوبل بسوء الفهم بسبب جرأته وطروحاته». فيما يتهمه خصومه بـ «التهور والميل الى الصدام والحدة مع خروج غير مبرر على ثوابت الجماعة».

في الغويرية، الحي الزرقاوي الشهير الذي مني بالفقر والمعاناة والافتقار للخدمات الأساسية وشيء من الكبرياء، ولد زكي بني إرشيد العام 1957، وتنقل في دراسته بين عدة مدارس: الوليد بن عبد الملك، حطين، معاوية والزرقاء الثانوية، وكان من أساتذته الذين تركوا أثراً بالغاً في شخصيته معلما التربية الإسلامية «جميل السكجي» و«محمد عويضة» الذي أصبح نائباً بعدئذ.

لم يكن قد تبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر، حين استيقظ الشاب الذي ما زال في مقتبل اليفاعة، على وجه والده الجندي في الجيش العربي عائداً من الضفة الغربية برفقة زميل له، يحدثه بصوت يخنقه التأثر بأن اليهود احتلوا كل فلسطين والقدس. «هزيمة 67 شكلت صدمة صاعقة لي، وفتحت آفاقي على الواقع الذي ننشد تغييره». يشرح بني ارشيد.

بدأ تحوله الفكري تجاه التدين بتوجيه من أستاذيه «السكجي وعويضة»، فضلاً عن تحدره من عائلة معروفة بتدينها ومحافظتها، لكن التزامه التنظيمي مع جماعة الإخوان المسلمين لم يتحقق إلا العام 1973.

حالما أنهى التوجيهي، فكر بدراسة الشريعة الإسلامية، وكان أن عبأ استمارة القبول في الجامعة الأردنية «الوحيدة آنذاك» بثلاثة خيارات أولها الشريعة الإسلامية، ثم الطب والهندسة، وهو الحاصل على معدل 75 بالمئة.

لم يوفق في السفر إلى السعودية لدراسة الشريعة بموجب منحة كان مفتي القوات المسلحة آنذاك نوح سلمان، ينظمها، رغم أن الشروط كانت تنطبق عليه كما يقول!.

الفرصة العملية الوحيدة لإكمال دراسته تحققت في «كلية عمان الهندسية- البولتكنيك» حيث حصل على دبلوم الهندسة الكيميائية.

في البولتكنيك وضع مهاراته السياسية على المحك حين سعى الى إنشاء اتحاد للطلبة كان أول رئيس له. «أستطيع القول إن مهارة التحدي ترسخت عندي في العمل الطلابي، فقد دخلت في مفاوضات مع الإدارة، وأحياناً مغامرات لتحقيق مصالح الطلاب».

عمل في البولتكنيك بعد تخرجه، بيد أن مشاحناته السابقة مع الإدارة اضطرته أخيراً إلى الاستقالة، فالتحق بالعمل في مركز أبحاث الرصيفة التابع لشركة الفوسفات. ثم تحول إلى مصنع الإسمنت الأبيض في الضليل.

تزوج في العام 1978، وله من الأولاد ثلاثة أولاد وسبع بنات.

ركز نشاطه السياسي منذ العام 1979 وحتى أواسط الثمانينيات على العمل التنظيمي، ونجح باستقطاب المئات الى صفوف الحركة الإسلامية.

منذ العام 1983 انبرى لممارسة العمل العام على الصعيد النقابي، فقد كان من مؤسسي نقابة عمالية لمصنع الإسمنت الأبيض، ونقيباً لها، ثم نقيب العاملين في مهن البناء. فضلاً عن كونه واحداً من مؤسسي حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين.

باختياره عضواً في المجلس المركزي لاتحاد نقابات العمال، لاحظ حالة التصارع بين الاتجاه الإسلامي والقوى الأخرى «قومية ويسارية» فعمل على تجاوز حالة التصارع إلى التنسيق معها «إيماناً منه بضرورة الانفتاح وقبول التعددية». غير أن هذا التوجه كان سبباً في إقصائه عن العمل النقابي. «لعب رئيس الاتحاد مازن المعايطة الدور الأول في إقصائي حين شعر أن خطي لا يتناسب مع طموحاته وتطلعاته المستقبلية». يفسر بني ارشيد.

برز مطلع الألفية الثالثة كقيادي من الصف الأول غداة انتخابه عضواً في المكتب التنفيذي للحزب.

انتخابه أميناً عاماً لحزب جبهة العمل الإسلامي العام 2006 كان مفاجئاً حتى له، وجاء بعد اعتذار عدد من قياديي الصف الأول عن الترشح للمنصب.

لكن طريق بني ارشيد إلى الأمانة العامة للحزب لم تكن مفروشة بالورود، فقد تعرض لحملة إعلامية تناولته، بتسريبات من داخل الحركة وخارجها. «اعتقد أن الهجمة التي قوبلت بها والرفض لشخصي بدأت قبل أن ابدأ عملي كأمين عام، وقبل أن يعرف أحد ما سيكون عليه الأمين العام الجديد، رغم أنني لم أقد انقلاباً عسكرياً ولا جماهيرياً ولم أخرج عن الأعراف المتبعة داخل الجماعة».

يحسب على تيار الوسط، لكنه يرفض التصنيف «فربما لي تفكير مستقل وأعتقد أن في الإخوان من يفكر بطريقتي بل ربما أكثر حزماً مني».

دخل بني إرشيد معارك واسعة مع حكومة معروف البخيت على خلفية الانتخابات البلدية والنيابية، التي يتهم فيها الإخوان الحكومة بالتزوير، واتسمت مواقفه بالجرأة ما حدا بالحملة الإعلامية المضادة الى وصفه بالتطرف والراديكالية حيناً والارتباط بحركة حماس حيناً آخر. كما خاض معركة استنزاف مع خصومه الداخليين من تياري الحمائم والصقور الذين سعوا إلى تقديمه الى محاكمة داخلية على خلفية «موقفه السلبي من مرشحي الحركة للانتخابات النيابية». وبالفعل أصدرت المحكمة حكماً بتجميد عضوية بني ارشيد لمدة ثلاثة أعوام خفضت الى عام ثم الغيت العقوبة عند الاستئناف.

يقول بني ارشيد: «بعد ما جرى في الانتخابات البلدية والتزوير الفاضح الذي رافقها كان ثمة عزوف وطني عن المشاركة في الانتخابات النيابية، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة معنية بمشاركة شعبية كبيرة وتوجيه ضربة انتقامية للحركة الإسلامية بسبب انسحابها من الانتخابات البلدية الذي كشف التزوير الذي حدث. وبتقديري أن القرار الرسمي للحركة بالمشاركة لم يكن صائباً، فقد كان واضحاً أن الحكومة هي الجهة التي ستحقق المكاسب، فيما ستخسر الحركة الكثير. وكان رأيي أنه إذا كان لا بد من المشاركة فلتكن مشروطة بضمان نزاهة حقيقية للانتخابات. وأعتقد أن النتائج التي أسفرت عنها العملية الانتخابية أكدت صحة رؤيتي».

ويرى أن ما نقل عنه من إساءة للعشائر استدعت إصدار بيانات استنكار ورفع قضية ضده جاء في سياق «التصيد لتشويه سمعتي ومحاولة دق إسفين بيني وبين عشيرتي «بني ارشيد» علماً بأن ما نقل عني نشر في مجلة «جوردن بزنس» الناطقة باللغة الإنجليزية ولم يذكر بها اسم العشائر على الإطلاق، بل لم تحمل أية إساءة لأحد». ويذكر أنه كان هناك جهل بالعمق العشائري وحتى بأصل ومنبت بني ارشيد.

بني ارشيد يستحضر شهادة بحقه للقيادي الشيوعي، فرج طميزي، الذي قال له: قبل أن أعرفك تشكل انطباعي عنك على خلفية ما أقرأه في الصحف، وفحواه أنك متشدد، متزمت غير ديمقراطي ولا تؤمن بالحوار، بل كنت أظنك ترتدي لباساً مختلفاً، مخالطتي لك جعلتني أتبين أن الحقيقة تختلف عن الانطباع كثيراً». الآن تبدو الصراعات داخل الحركة الإسلامية أقل حدة، والرجل الخارج لتوه من معمعمة الصراعات، ما زال جالساً في المقعد الأول، وإن كان هو الآخر أكثر ميلاً للهدوء.

زكي بني ارشيد: هل قاد انقلاباً داخل الإخوان؟
 
04-Sep-2008
 
العدد 42