العدد 42 - بورتريه
 

محمود الريماوي

الأجيال الجديدة لا تعرف صلاح أبو زيد. فليس هناك من أرشيف يحيل إليه، ولا مؤلفات له أو عنه.حتى إنه يقيم منذ ثماني سنوات خارج الأردن، في أبوظبي حيث يعمل مستشاراً إعلامياً هناك، وقد بلغ الآن مشارف الثمانينيات.

ينتمي صلاح أبو زيد لأسرة متواضعة الحال في إربد مسقط رأسه ومدينته. تلقى تعليمه في إربد الثانوية، والتحق بكلية الحقوق في دمشق ولم يتسن له إكمال دراسته هناك.

في مطلع خمسينيات القرن الماضي كان قد عاد الى الأردن في فترة بدأت تشهد تململاً شعبياً وسياسياً.زياد أبو غنيمة في كتابه «الوزراء الحزبيون على خارطة الحكومات الأردنية» يذكر أن أبو زيد كان قريباً من «حركة القوميين العرب» كشأن جمهرة من السياسيين الشبان آنذاك وإن لم يكن هناك ما يسند هذا الرأي. غير أن عاصمة الشمال وكان أبو زيد قد التحق مدرساً في إربد الثانوية كانت تزخر برموز حزبية وسياسية، ومن الطبيعي أن يكون تأثر بالموجة العروبية القومية.

لكن من الثابت أنه كانت لديه ميول خطابية وأدبية، هي التي حملته الى الإذاعة الأردنية الوليدة الكائنة في اللويبدة ثم في جبل الحسين. في تلك الفترة كان الشاب أبو زيد على أهبة الكشف عن مواهبه الإعلامية الفطرية، وعن انحيازه السياسي.ففي ذروة المد الناصري اختار أبو زيد الوقوف في وجه هذا المد، عبر أثير الإذاعة وذلك على إيقاع الحرب العربية الباردة الطاحنة. مواهبه أهلته لأن يتولى إدارة الإذاعة الفتية، ولأن يصبح موضع ثقة الراحل الحسين.

كان أداء تعبوياً صارخاً، ذلك الذي عبر عنه أبو زيد، غير أن الحملات الإعلامية المتبادلة مع «صوت العرب»، كانت تتسم بهذا الطابع التعبوي التشنيعي أحياناً. كانت غالبية الجمهور مع التيار الناصري، غير أن أبوزيد نجح بعض الشيء في استقطاب الجمهور لسماع البرامج السياسية الموجهة، ولمتابعة الإذاعة فقد كان بشخصه يمتلك صوتاً قوياً رخيماً عميق القرار، واستقطب مذيعين ومعدين على جانب من الكفاءة للبرامج السياسية منهم طارق مصاروة، ومحمود الشاهد، وجورج حداد، وللأخبار عائشة التيجاني، وهند التونسي، ونهى بطشون وغيرهم.

كان أبو زيد يعادل أحمد سعيد في «صوت العرب». الخطاب التحرري أرسى نفوذ الثاني على المستمعين العرب، غير أن أبو زيد نجح في تأسيس إذاعة كاملة بإمكانيات متواضعة، إذ لم يكن منصرفاً بكليته او متفرغاً للبرامج السياسية رغم إشرافه عليها.

الذين اختلطوا به في ما بعد، لاحظوا أنه يعزف عن التطرق إلى تلك المرحلة السياسية ودوره فيها، وحيث كان يشار إليه وإلى محمد رسول الكيلاني كأحد أهم شخصيتين سياسيتين في مطلع الستينيات. لكنه يفخر بتأسيسه للإذاعة، ولما بذله من جهد ريادي في إطلاق ما بات يعرف بالأغنية الأردنية.فقد كان وراء إطلاق سميرة توفيق وطروب وتوفيق النمري، وعبده موسى، واسحق المشيني، وسلوى، وجميل العاص. وأردف ذلك بتبنيه للمهرجانات الفنية ومنها مهرجان رام الله الذي انطلقت منه أغنية «وين ع رام الله»، وقد كتب بنفسه بعض الأغنيات مثل «ربع الكفاف الحمر» وبدأ آنذاك نشاط المسرح الأردني مع المخرج هاني صنوبر الذي تم اجتذابه من دمشق الى عمان حيث كان يعمل هناك..

تبنى أبوزيد في الفترة نفسها إحياء الحياة الثقافية عبر برامج الإذاعة. وكان الشاعر الراحل عبدالرحيم عمر نجم تلك البرامج إضافة إلى آخرين منهم رسمي أبو علي، وعصام سخنيني. وهو ما حمله لأن يكون أول وزير للإعلام (العام 1964 في حكومة بهجت التلهوني) وأول وزير للثقافة في حكومة لاحقة للتلهوني العام 1967..

واستمر يتقلد حقائب وزارية منها حقيبة الخارجية حتى العام 1977 في حكومة زيد الرفاعي. ليعمل بعدئذ سفيراً للمملكة في بريطانيا، ولم تمض سنتان حتى كان يتعرض لمحاكمة حول ما اعتبرت مخالفة مالية للسفارة ويمضي عقوبة ثلاث سنوات وراء القضبان في سابقة لم يتعرض لها سفير، وإن تمتع خلالها بمناسف تقاطرت من عشرات الشخصيات والزملاء والمعارف. أبو عماد يرى أنه ذهب ضحية أهواء ومكائد لمتنفذين.

في واقع الأمر أن الواقعة وقعت رغم قربه من الراحل الحسين آنذاك، الذي حفظ من الناحية الشخصية والإنسانية ما أداه أبوزيد من أدوار منها كتابته للعديد من خطابات الملك ، فشمله بالرعاية في ما بعد، قبل أن ينتقل أبو زيد للعمل مستشاراً إعلامياً لدى بنك البتراء، وقد خرج منه بعد أزمة البنك وانهياره العام 1985، دون أن يلحقه ما يشوب سجله.

بهذا يسجل لأبو زيد دوره المهني التأسيسي، أياً كانت الملاحظات وبعضها صائب على وجهته السياسية، وحيث كان الإعلام مركزياً وموجهاً وتعبوياً.. فالقرب الشديد من الغرب آنذاك لم يحمل الدولة الأردنية، على استلهام التجربة الغربية الصاعدة في بناء الديمقراطية، ولا أخذ العلم بتلك التجربة، فقد كانت الدولة منغمسة على طريقتها في خوض صراع البقاء وسط أنواء المنطقة، وكان أبوزيد سلاحاً تعبوياً ماضياً بيد الدولة ويحمل لها ولاء تاماً.

أبوزيد نجم مرحلة باتت من الماضي حتى بالنسبة إليه. من المفارقات أن الدور الشفوي الذي أداه كمذيع ومدير إذاعة ووزير إعلام، جعل إرثه في النهاية شفوياً سماعياً غير مكتوب. باستثناء بعض الخطابات الملكية في تلك المرحلة إذا كان هناك من يوثق كاتبيها.قبل مغادرته الى أبو ظبي للعمل هناك، كان يستقبل في دارته في الشميساني أصدقاء قدامى منهم: طارق علاء الدين، ومحمد الخطيب، والراحلين مريود التل، وجمال الشاعر.. حيث يستقبلهم في المدخل أسعد الدلق «مدير مكتب الوزير». يقول مقربون منه إنه عكف على كتابة مذكراته، ويقول آخرون إنه أتم كتابتها لكن «الظروف لا تسمح بنشرها». خلال ذلك يقوم منذ سنوات بعمله الاستشاري في أبو ظبي، ويتسامر مع أصدقاء عرب منهم على الخصوص نظيره العراقي وزير إلإعلام العراقي السابق، محمد سعيد الصحاف، الذي وعد بدوره بنشر مذكراته ولم يفعل حتى تاريخه..

صلاح أبو زيد: مؤسس الإعلام الرسمي
 
04-Sep-2008
 
العدد 42