العدد 41 - أردني
 

خليل الخطيب

انتهى الشواء المنتظر ووزع في الأطباق مخفياً تحت قطع من الخبز، لا حفظاً لسخونته فقط؛ فهو ساخن، وإنما حفاظاً على قابليته للتناول، ومنعا لجيوش الذباب التي راحت تزاحم المتنزهين في أكلهم، فجعلت من العملية برمتها، عذاباً لا يطاق.

نادرون أولئك الذين لم يدخلوا معركة مع ذباب الأغوار خلال رحلة "هش ونش".

تكشه عن اللحم المشوي، فينتقل إلى اللحم المعد للشواء، تهشه عن طبق السلطة فينتقل إلى زجاجات الماء، وكيس الخبز، ووجه الطفل الذي أنهكته الرحلة إلى الغور فراح في سبات أيقظته منه تلك الكائنات الغريبة بطنينها في أذنيه، ومداعبتها لجلده وبدغدغاته المزعجة التي تدفعه، في بعض الأحيان، إلى البكاء احتجاجاً.

هذا الذباب الشرس العنيد اختفى في صورة غير متوقعة مع بدء فعاليات مؤتمر دافوس الذي عقد على شاطئ البحر الميت في الأسبوع الأخير من شهر أيار 2007، بحسب إعلاميين غطوا فعاليات المؤتمر.

عدنان عبد النور، مساعد أمين عام وزارة الزراعة للإنتاج النباتي، يفسر هذا اللغز بأن "فعاليات المؤتمر قد تصادفت مع نهاية المرحلة الأولى من عملية المكافحة السنوية للذباب التي تبدأ عادة في نهاية فصل الربيع"، وهو إجراء سنوي تقوم به الوزارة في خطتها، وتغطيه موازنتها، حيث يتم مراقبة تداول الأسمدة العضوية بالتعاون مع وزارة البيئة.

لكن عدداً من أصحاب المزارع في الأغوار يؤكدون أن الأمر لا علاقة له بالمصادفة، وإنما جاء عن سابق تخطيط، لإراحة ضيوف المؤتمر من الذباب الذي يقض مضاجع أهالي الغور على مدار العام.

ويستشهد هؤلاء بالإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها أجهزة الوزارة في الفترة التي سبقت عقد المؤتمر، ومن أهمها منع دخول السماد العضوي غير المعالج، الزبل البلدي، إلى منطقة الغور، وكذلك حملة الرش الواسعة بالمبيدات الحشرية، وإجراءات التفتيش الاستثنائية على محلات الجزارة، والدواجن، ومزارع الحيوانات.

ويؤيد رأي المزارعين ما جاء في "استراتيجية مكافحة الذباب المنزلي" التي أعدتها وزارة الزراعة وورد فيها: "مخاطبة القوات المسلحة، ومديرية الأمن العام للمساعدة في مراقبة دخول السماد العضوي إلى وادي الأردن، والتأكد من تداوله يشكل سليم"، وكذلك "اعتبار موظفي وزارة الزراعة ضباط عدلية لتنفيذ التعليمات المعتمدة والواجب اتباعها من قبل منتجي وموزعي ومستعملي السماد العضوي".

على الرغم من هذه الاستراتيجية قد أعدت العام2003، فإن المزارعين يحاججون بأنها لم تفعَّل إلاّ خلال فترة انعقاد مؤتمر دافوس عامي 2005 و2007.

استراتيجية الوزارة تتضمن العديد من الخطوات التي أنجز بعضها؛ كمشروع تطوير مسالخ الحيوانات الكبيرة والدواجن، ومشروع تطوير المناطق السياحية، ومشروع تصنيع السماد الطبيعي، واستخدام مخلفات المصانع الغذائية ومزارع الإنتاج النباتي، والطمر الصحي، وغيرها من المشاريع بكلفة 16,5 مليون دينار.

أصحاب المزارع في الغور يتفقون على أن أولى خطوات الحل الجذري لمشكلة الذباب في الأغوار هي بناء مصانع لمعالجة السماد العضوي في أماكن إنتاجه الأصلية كالضليل قبل أن يدخل الأغوار، حيث يمكن معالجة السماد العضوي وبكميات كافية تلبي حاجة المزارعين. وبحسب احد مزارعي الغور، فإن وزارة الرزاعة رفعت اقتراحا بهذا الشأن إلى رئاسة الوزراء.

الذباب ليس قدراً لا راد له إذاً، وغيابه عن ضيوف دافوس، يعني أن من الممكن له أن يغيب عن مزارع الغور أيضاً، والأمر يتوقف على جدية الدولة في تجفيف منابع الذباب.

الذباب يغيب فقط عن مؤتمر دافوس
 
28-Aug-2008
 
العدد 41