العدد 41 - أردني
 

محمد عدي الريماوي

توصف منطقة وادي الأردن بأنها "بيت زجاجي طبيعي"، لما يتميز به مناخها من درجة حرارة مرتفعة ورطوبة تساعد على تحسين الزراعة، والقدرة على زراعة أنواع متعددة من المحاصيل، وتمكن المزارعين من تأمين كميات مناسبة من الخضار والفواكه، لسد حاجة السوق المحلي والتصدير إلى الخارج.

وتعد البيوت البلاستيكية، أو ما يطلق عليها الزراعة المحمية، من أفضل الطرق المتبعة للزراعة، وبخاصةً في فصل الشتاء، إذ تمكن هذه البيوت المزارعين من زراعة بعض المحاصيل الصيفية مثل: الخيار والبندورة في فصل الشتاء، بحيث تكون معظم هذه الخضراوات الرئيسية متوافرة بالأسواق .

ويعود أول بيت بلاستيكي في الأردن إلى العام 1968، ففي ذلك العام تم استيراد بيتين بلاستيكيين من فرنسا أقيما في محطة دير علا التابعة لوزارة الزراعة، وكانت تلك فاتحة توسع في هذا المجال باشره القطاع الخاص حتى وصل عدد البيوت البلاستيكية في العام الماضي في منطقة الأغوار نحو 37 ألف بيت، بحسب إحصاءات وزارة الزراعة. ويتركز معظم هذه البيوت في منطقة دير علا وشمالها التي تحتوي وحدها على 24 ألف بيت، التي تتوافر فيها المياه ذات النوعية الجيدة والتربة الأفضل، إضافة إلى انتشار المهندسين الزراعيين فيها، مما يجعلها الوجهة الأمثل للاستثمار.

وينتج هذا النوع من الزراعة أكثر من 140 ألف طن من الخضراوات سنوياً، يحتل الخيار المرتبة الأولى بينها، ويليه البندورة والفلفل. وتتذبذب أعداد هذه البيوت في كل عام، فتشهد ارتفاعاً في سنوات وانخفاضاً في سنوات أخرى، ولكن العدد شهد قفزة كبيرة في العام 2007، ليصل إلى 37 ألف بيت، بعدما كان عددها 27 ألفا في العام 2006. وتعود هذه الزيادة إلى اهتمام المزارعين بهذا النوع من الزراعة، بعدما أثبت فاعليته وقدرته على إنتاج محاصيل بجودة عالية واستمرارية طوال العام.

ويذكر عبد الرحمن غيث، أمين سر جمعية مصدري الخضار والفواكه، أن هذا النوع من الزراعة يتميز بالقدرة على الحماية من الظروف الجوية في فصل الشتاء، وتمكن المزارع من السيطرة على المحاصيل، وتعتبر الزراعة العمودية المستخدمة في تلك البيوت، أفضل وأكثر إنتاجية من الزراعة الأفقية. وتعمل شركات محلية الآن على تصنيع هذه البيوت، التي يعد البلاستيك والحديد أهم عناصرها، وتبلغ تكلفة البيت البلاستيكي نحو 2500 دينار، تتأثر بتغير أسعار الحديد بشكل دوري. وأنها قد فتحت أبواب تصدير هائلة لأسواق أوروبا، وبخاصة في شهري كانون الأول وكانون الثاني، الذي يصادف فترة أعياد الميلاد ورأس السنة، والشتاء القارس الذي يرافقها، ما يزيد من كميات التصدير لدول مثل بريطانيا وألمانيا وأوروبا الشرقية، إضافة إلى أن هنالك منتجات تزرع في تلك المنطقة، تنضج قبل كثير من دول الجوار؛ مثل العنب الذي يعتبر المنتج الأول في تلك المنطقة من وادي الأردن، متفوقاً بذلك على دول أخرى مثل تركيا. وهنالك أيضاً أنواع مميزة من المحاصيل، مثل Cherry Tomato (البندورة الصغيرة) Cucumber Baby (الخيار الصغير) الذي يملك سوقاً واسعة في أوروبا، وأصبح المستهلك الأردني يطلبه في السنوات القليلة الأخيرة.

أما عن الحديث المتداول عن استخدام الهرمونات في البيوت البلاستيكية هو كلام غير علمي، فهي لا تعتمد على الهرمونات، وإذا ما تم استخدامها، فبكميات قليلة وهي مستخدمة عالمياً وليس فقط في الأردن، وتكون لعقد الثمار، وخصوصا البندورة، في بداية الإزهار، وهنالك وسائل بديلة لذلك، إذ يتم التلقيح بوساطة النحل الطنان أو الهز. أما الأسمدة والمبيدات المستخدمة فهي تخضع لرقابة شديدة، وتستورد من خلال وزارة الزراعة، التي تعمد إلى تحديث قوائم المبيدات الممنوعة عالمياً بشكل دوري.

ويقول مازن الحمارنة إن المبيدات كانت تستخدم سابقا بشكل عشوائي، لذا فإنها كانت تترك تأثيرا سلبيا على التربة، "أما اليوم فقد حدث تطور كبير في استخدامها، وكذلك في استخدام المبيدات والأسمدة، وكذلك في مراقبة استخدامها، وتفضيل استخدام وسائل المكافحة المتكاملة الأقل اعتمادا على المبيدات".

ونظراً لمحدودية مصادر المياه في الأردن، فهو من الدول الأكثر فقراً في المياه، يتم العمل على إيجاد طرق حديثة لاستخدامها في الري في وادي الأردن. ويعد الري بالتنقيط من أفضل الطرق التي تعمل على توفير المياه، إضافة إلى الميزات الأخرى التي تجعله من الطرق الرائدة للري في العالم، فهو في البداية يوفر كميات كبيرة من المياه تصل نسبتها إلى 95 بالمئة ، ويساعد في تقليل العمالة وتوفير الطاقة، ويُمكّن من استخدام الأراضي ذات الملوحة المرتفعة نسبياً، حيث يعمل هذا النظام على غسل منطقة الجذور من الأملاح الزائدة خلال الموسم.

ويذكر المهندس الزراعي محمد أبو الهيجاء أن هذه الطريقة تعتمد على إعطاء كل نبتة حاجتها من المياه، من دون إسراف. وبدأ انتشار هذا النظام في الأردن مع ازدياد أعداد البيوت البلاستيكية في أوائل الثمانينيات، ولكنه كان موجوداً بنسبة أقل في فترات سابقة. ويُزود كل حقل بالخرطوم الرئيسي للمياه، ومن ثم المواسير الصغيرة التي تزود كل نبتة بالمياه، وتقارب تكلفة تزويد كل دونم بهذا النظام 160 ديناراً، ويختلف هذا الرقم بحسب جودة الخراطيم والمواسير المستخدمة. غير أن توزيع المياه داخل المزرعة يتطلب توعية المزارع، حيث أن أغلب المزارعين يقومون بالري، ليس بحسب حاجة التربة، وليس بحسب توافر المياه.

وتسعى سلطة وادي الأردن إلى إقامة أنظمة فعالة لجمع المياه في السدود، ومن ثم نقلها إلى الأراضي الزراعية، بحسب موسى الجمعاني، أمين عام سلطة وادي الأردن. وتصل نسبة كفاءة هذه الأنظمة إلى 90 بالمئة ، وهي تعتبر الأعلى في العالم، وقد تم استخدامها نظراً لقلة موارد المياه في المملكة، وبهدف استغلال هذا الكميات المحدودة بأفضل طريقة ممكنة.

والعمل جارٍ حالياً على إيجاد طرق جديدة لاستخدام هذه المنطقة التي شكلتها الجغرافيا، ومكنتها من احتلال مكانة مهمة بين المناطق الزراعية في المنطقة والعالم، من خلال مشاريع تنقية المياه العادمة واستصلاح مناطق مختلفة من الأغوار ووادي الأردن، ما يساعد على تكوين مساحات زراعية واسعة يتم استغلالها بأفضل طريقة، لرفع مستوى الإنتاجية الزراعية في تلك المنطقة.

البيوت البلاستيكية والري بالتنقيط: تقنيات جديدة لزراعة تقليدية
 
28-Aug-2008
 
العدد 41