العدد 41 - اقليمي
 

داليا حداد

يؤكد عراقيون مقيمون في عمّان أن مجالس الصحوة، التي شجع أنشاءها جيش الاحتلال الأميركي العام 2006 من أبناء العشائر في المناطق الغربية والوسطى من العراق، لمحاربة عناصر تنظيم القاعدة، وضمان سلامة القوات الأميركية ودورياتها المشتركة مع القوات الحكومية في المناطق الساخنة، لعبت دوراً أساسياً في تراجع حدة العنف، واستتباب أمن البلاد واستقرارها النسبي في الآونة الأخيرة. لكن ملف مجالس الصحوة، التي يسميها الأميركيون بـ «أبناء العراق»، يُعد، واحداً من الملفات الشائكة والخطيرة في هذه المرحلة، حتى إن بعضهم يصفه بـ«قنبلة موقوتة لا يُعرف وقت انفجارها».

تذهب تقارير صحفية إلى أن الحكومة العراقية غير راضية عن هذه الصحوات لأسباب أبرزها: أن لديها ميليشيات خاضعة لسيطرتها وتنفذ مخططاتها، على العكس من الصحوات التي هي خارج سيطرتها، وهو ما يزعجها ويثير قلقها بعد أن استنفدت مهمتها الأساسية في مطاردة وتصفية عناصر تنظيم القاعدة وشل عمليات فصائل أخرى. وكذلك خشية حكومة نوري المالكي من أن تصبح الصحوات قوةً أمنيةً ضاربةً في الشارع العراقي إلى جانب قوات الجيش والشرطة، ويزداد نفوذها وتتجاوز الحدود المرسومة لها، و تتحول إلى تنظيمات سياسية منافسة.

غير أن هذا الموقف، بحسب مسؤولين أميركيين وعراقيين، يسبب شرخاً بين الحكومة العراقية والجيش الأميركي، الذي يؤكد أن أي تقليص لعدد عناصر الصحوة قد يؤدي إلى تجدد العنف وتهديد المكاسب الأمنية التي تم تحقيقها حتى الآن. ويقول قادة أميركيون إنه على الرغم من كون دفع رواتب لعناصر الصحوة أمراً غير دستوري، فإنه أنقذ حياة مئات الجنود الأميركيين.

صحيفة «نيويورك تايمز» كشفت السبت الماضي 23 آب/أغسطس الجاري، أن حكومة نوري المالكي بدأت تلاحق قادة وعناصر قوات مجالس الصحوة التي انضمت إلى قائمة الراوتب الأميركية، والتي كانت عماداً أساسياً في تراجع حدة العنف في العراق في الآونة الأخيرة. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وعراقيين في محافظة ديالى، التي تنفذ فيها القوات الحكومية عملية «بشائر الخير» منذ عدة أسابيع، قولهم إن أوامر صدرت باعتقال مئات العناصر من قوات الصحوة، في إطار عملية أمنية كبيرة ينفذها الجيش العراقي. واعتُقل خمسة على الأقل من هؤلاء العناصر في الأسابيع القليلة الماضية في ديالى، وتتواصل ملاحقة 650 عنصراً منهم غرب بغداد خشية تزايد نفوذ هذا التنظيم المسلح. وأبلغ قادة أميركيون ومسؤولون عراقيون صحيفة «نيويورك تايمز» أن الحكومة بدأت تلاحق قادة وعناصر قوات مجالس الصحوة، التي تضم متمردين سابقين انضموا إلى قائمة الراوتب الأميركية. ولفتت الصحيفة إلى وجود العديد من الأصوات في حكومة المالكي التي تنادي بتفكيك هذه القوة. وأوضحت أن الموقف العدائي للحكومة تجاه قوات الصحوة،يعود بشكل أساسي إلى مراهنتها على أن جيشها يوفر الأمن في المعاقل السابقة لها من دون دعم للصحوة. وأوضح المسؤولون أن الحكومة لم تكن راضيةً عن مواصلة الخطة الأميركية لتمويل وتنظيم المتمردين السنّة،وتحويلهم إلى ما يسمى «الحرس المليشياوي».

ذكر تقريربثته «وكالة فاتحون للأنباء» وهي وكالة عراقية مستقلة مسجلة في بريطانيا، هذا الأسبوع أن قوات منتخبة في فيلق بدر، الميليشيا التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى، باشرت تحت ستار عملية «بشائر الخير» الحكومية تنفيذ خطة تصفية مجالس الصحوات في بغداد وديالى كمرحلة أولية. تتحرك عناصر بدر، المدربة في إيران، من خلال وحدة خاصة في وزارة الداخلية ببغداد. وقال مصدر مطلع للوكالة، حسبما ورد في التقرير، إن صحوة العامرية (إحدى ضواحي بغداد) انتهت بعد أن صدر أمر بإلقاء القبض على رئيسها "أبو العبد" الهارب إلى خارج العراق حالياً، فيما جرت تصفية نخبة من كوادر صحوة الأعظمية قبل أيام قليلة، على رأسها نائب رئيس مجلسها، ونجا بأعجوبة العقيد رياض السامرائي، رئيس الصحوة المطلوب الأول من قوات بدر والداخلية. وحسب المصدر، فإن غانم القريشي، قائد شرطة محافظة ديالى المقال، والعضو في تشكيلات المجلس الإسلامي الأعلى، قدم معلومات تفصيلية عن مجالس الصحوة في المحافظة لميليشيا بدر لتنفيذ اعتقالات في صفوفها، وتغييب كوادرها الذين سبق أن كانوا أعضاء في فصائل مقاتلة.

بدأت عناصر الصحوة تتشكل في محافظة الأنبار في العام 2006 عندما وصل العنف في العراق إلى ذروته، وأخذ رؤساء العشائر السنية يشعرون بالضغط من جميع الجهات. وشرعت هذه العناصر تنتشر في أنحاء البلاد،كأدوات لحفظ الأمن السني الذاتي، وشرع الجيش الأميركي بتمويلها ومساندتها، إذ يتقاضى العنصر منهم 300 دولار أميركي شهرياً لحراسة الحواجز والمباني، أما أولئك الذين كانوا في صفوف المتمردين سابقاً فيحصلون على المال لقاء تعهدهم بعدم تفجير المواكب الأميركية وإطلاق النار على جنود أميركيين.

روى الشيخ مشحن الهلال، أحد شيوخ عشائر الدليم، لقناة الجزيرة بدايات مجالس الصحوة وأسباب انبثاقها قائلاً: «في ربيع العام 2006 كشفت القوات الأميركية أن في حوزتها مخططاً لتنظيم القاعدة يحتوي على أسماء المرشحين للقتل من شيوخ عشائر الدليم،الذين أبدوا انزعاجا من سلوك القاعدة، وقامت بعرض هذا المخطط أمامهم لأهداف مختلفة. في آب/ أغسطس من العام نفسه قامت القاعدة بقتل والد الشيخ عبد الستار أبو ريشه، وأخفت جثته في صحراء الرمادي لمدة ثلاثة أيام حتى لا تتمكن عائلته من دفنه، كما قتلت ثلاثة من أشقائه. كانت هذه هي الشرارة الأولى لبدء الحرب بين عشائر الأنبار وتنظيم القاعدة في العراق». واستطرد الشيخ هلال قائلاً: «إن الشيخ عبد الستار أبو ريشة، رئيس عشيرة الريشاوي، الذي قُتل في تفجير انتحاري تبنته القاعدة في الثالث عشر من أيلول/ سبتبمر العام الماضي، قام بعد أسبوعين من مقتل والده بالاتصال بالكولونيل شين ماكفارلا، قائد القوات الأميركية في الرمادي، وأخبره برغبة شيوخ عشائر الرمادي بالتحالف مع القوات الأميركية.

العميد في الشرطة العراقية حسن ساجت، يؤكد في تصريحات نشرتها وسائل إعلام عراقية أن مجالس الصحوة بدأت في مدينة الرمادي بتحالف 12 عشيرة من الدليم، أما الآن، فإنها تضم 41 عشيرة يقودها الشيخ أحمد أبو ريشة شقيق الشيخ عبد الستار».

وقال العميد ساجت: «هذه المجالس توسعت نحو كل المناطق في محافظة بغداد، بما في ذلك المناطق الشيعية حيث انخرط فيها العشرات من الأشخاص». وبيّنت مصادر محلية أخرى أن هذه المجالس سرعان ما تنامت لتصبح ظاهرةً تشمل غالبية مناطق السّنة، وارتفع عددها إلى أكثر من 130 مجلساً، تقيم أفضل العلاقات مع الأميركيين، وتنسق معهم تحركاتها وعملياتها، وهو ما نتج عنه انحسار كبير لتأثير القاعدة والعنف، وأثار مخاوف وهواجس قوى الإسلام السياسي الشيعي.

تواجه مجالس الصحوة عداءً من أطراف عديدة سنية وشيعية، على رأسها تنظيم القاعدة، وفصائل من المقاومة العراقية، وبعض الأحزاب والميليشيات الشيعية، والأجهزة الاستخبارية الإيرانية. وقد أصدر رئيس جهاز الاستخبارات العراقي، محمد عبد الله الشهواني، قبل أشهر بياناً جاء فيه أن «ثمة معلومات لدى الجهاز تؤكد أن الأجهزة الاستخبارية الإيرانية دفعت بعناصرها لإجهاض تجربة مجالس الصحوة في عموم العراق».

وأعلن مقاتلون في الصحوات عن اعتقالهم لإيرانيين في حوزتهم لوائح تتضمن أسماء أشخاص يراد تصفيتهم، وتعليمات بمهاجمة أعضاء ومقاتلين من الصحوات. وقال الناطق باسم هيئة علماء المسلمين في العراق محمد بشار الفيضي،: «الهدف الأساسي من ظهور الصحوات في المناطق السنية، هو القضاء على المقاومة ضد الاحتلال الأميركي وليس القضاء على القاعدة. وتمدد تنظيم «فتيان الجنة»، المرتبط بتنظيم القاعدة، إلى مناطق بغداد، وبدأ بشن عمليات انتحارية تستهدف عناصر الصحوات. ويؤكد مطلعون أن هذه العناصر أصبحت مستهدفةً أيضاً من مجموعات شيعية منشقة عن جيش المهدي وفيلق بدر.

تطالب قوى سياسية، خاصةً الحزب الإسلامي، بدمج عناصر الصحوة في الشرطة والجيش العراقيين، فيما تعارض قوى سياسية أخرى خاصة من المجلس الإسلامي الأعلى، هذا الدمج. وسبق لنائب الرئيس العراقي ممثل الحزب الإسلامي، طارق الهاشمي، أن حذر الحكومة بأنها تخاطر بالرجوع عن المكاسب الأمنية التي تحققت، إذا لم تدمج عناصر الصحوة في الأجهزة الأمنية، الأمر الذي كرره بعض شيوخ العشائر، ومنهم الشيخ علي الحاتم، زعيم عشائر الدليم في محافظة الأنبار، الذين انتقدوا إعلان الحكومة، العام الماضي، ضم 20 في المئة فقط من تشكيلات الصحوات في الأجهزة الأمنية، مطالبين باستيعاب كل عناصر تلك التشكيلات.

يبدو أن الكلمة الفصل حول هذه المسألة هي للإدارة الأميركية، التي تشعر بالامتنان للدور الذي تؤديه مجالس الصحوة في إضعاف قوة تنظيم القاعدة، فقامت مؤخراً بالضغط على حكومة المالكي لقبول دمج أغلب عناصر هذه المجالس في المؤسسات الأمنية والعسكرية. وقد صرّح مايكل بلتييه، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، لقناة الشرقية الأحد الماضي 24 آب/أغسطس الجاري أن الصحوات تمثّل الرفض الشعبي العراقي للعنف والإرهاب والقاعدة، وأنها لعبت دوراً مهماً جداً في توفير الأمن والاستقرار في العراق.

وحسم ثامر التميمي، المستشار العام للصحوات، ورئيس مجلس صحوة أبو غريب، في لقاء أجرته معه القناة نفسها، ما أثير من ضجيج إعلامي حول النسبة المئوية لتشكيلات الصحوة التي تنوي الحكومة استيعابها في الجيش والشرطة، بقوله: «إن الحكومة وافقت على دمج جميع أبناء الصحوات في المؤسسات الأمنية والعسكرية، ممن تنطبق عليهم الشروط الصحية والمؤهلات العلمية، على مرحلتين: 50 بالمئة منهم خلال العام الجاري، والباقي في العام المقبل». وجاء تصريح التميمي رداً على قول جلال الصغير، القيادي في المجلس الإسلامي الأعلى: «إن أيام الصحوات وقادتها باتت معدودة».

“الصحوات”: رفض دمجها في الجيش والشرطة : واشنطن تؤيدها والحكومة والقاعدة تلتقيان على محاربتها
 
28-Aug-2008
 
العدد 41