العدد 6 - رزنامه
 

كثيرون سوف يستفزهم التساؤل الوارد في عنوان هذه المقالة. فوسط البلد والمقصود قلب العاصمة يستهوي كثرة كاثرة من الناس، كاتب هذه السطور أحدهم. وحين يقصد أحدنا البلد فإن شعوراً غامراً يساوره بأنه يذهب الى جزء عزيز من نفسه، والى موضع حميم من ذاكرته. ومع ذلك يشعر المرء وهو يتمشى في شارع البريد أو سقف السيل أو سوق السكر أو شارع الهاشمي، أنه يفتقد ما لا قبل له باستعادته. أولاً الماضي الذي لن يعود حيث كان المشي في تلك الشوارع وحتى مطالع الثمانينات متعة لا نظير لها. وثانياً لأن وسط البلد قد تغير نحو الأسوأ، فقد لحق به ازدحام المركبات والبشر، وضوضاء محلات الأشرطة الغنائية. الباعة تغيروا أيضاً : باتوا أصغر سناً وأكثر تشاطراً على الزبائن ولم يعد أحد منهم يسعى لعقد صداقة مع زبون كما كان عليه الحال من قبل. وفي المحصلة غدا وسط البلد أكثر ضجيجاً وأقل تجانساً،و يحمل بالتالي من عناصر الألفة بقدر ما يكشف عن أسباب التنفير.

مقاهي زمان ما زال معظمها على حاله. غير أن أصحابها لا يلتفتون الى أن الوعي الصحي والبيئي عند الناس قد ارتفع، وأن دخان الأراجيل والسجائر الذي يملأ فضاء المقهى المغلق في الشتاء والقليل التهوية في الصيف، لا يمكن أن يكون مريحاً أو مقبولاً.

لهذا ولأسباب أخرى يشعر العابر أن وسط البلد الحالي هو مجرد صورة وشبح للماضي الجميل. وبخاصة بعد أن اصبحت بعض دور السينما فيه اشبه بمستودعات قديمة مهجورة.

ولعل ما سبق ينطق بحال من هم في حقبة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من أعمارهم. أما الجيل الجديد فهو يرى قلب العاصمة على أنها مجرد جزء من عمان : جزء قديم لا جاذبية فيه قياسا بمناطق وأسواق غرب وشمال عمان ولا ضرورة للتوجه اليه إلا حين الاضطرار والحاجة.

الجيل المكتهل كالذي ينتمي إليه صاحب هذه الكلمات هو من يرى في وسط البلد خصوصية مميزة وروحاً كانت نابضة في زمن مضى. هل يشمل مخطط عمان الشمولي وسط البلد؟ لا بد ان الأمر كذلك ما دام المخطط شمولياً.وهو ما يسمح بالإعراب عن الأمل بالإبقاء على طابع المكان وخصوصيته، وبإنقاذه من زحمة المركبات الخاصة بأن يقتصر السير فيه على وسائل النقل العام مثلا. وبوضع ضوابط على المحلات المتخصصة بإصدار الضوضاء.والتفكير في وضع الجزيرة أو المثلث القائم في المسافة بين أول شارع الشابسوغ وساحة المسجد الحسيني حيث تحجب البناية القائمة في المثلث الرؤية وتسد الفضاء.

في عواصم العالم، فإن قلب البلد هو الموقع الأزهى الذي يجذب العائلات والسياح ويدل على خصوصية وتميز كل عاصمة. عندنا يراد تحويله وقد تحول الى موقع قديم مع تحسينات فجة ويزخر بحركة عشوائية ويتجنب كثيرون عبوره.

وسط البلد: من يحبه؟ - محمود الريماوي
 
13-Dec-2007
 
العدد 6