العدد 41 - حتى باب الدار
 

عاش المرحوم ابو غالب عمره كله وحيداً في غرفة طينية وحيدة بائسة البناء رثة المحتويات. كان مهووساً بتجميع الملابس القديمة بما فيها الملابس النسائية، التي لم يكن يتردد في ارتدائها.

لم يكن من المعتاد أن يدخل غرفته تلك أحد، وحتى الذين كانوا يزودونه بما لديهم من باقي الطعام كانوا يفعلون ذلك بالمناداة عليه والمناولة عن بعد.

ذات يوم من أواخر أيام أبو غالب وقد تقدم به العمر، شب حريق في الغرفة، وتصاعد الدخان منها، فأسرع فاعلو الخير إليه محاولين اطفاء النار بعد الاتصال بالأمن والدفاع المدني ،الذين حضروا على الفور..

وقف أبو غالب بمواجهة المشهد، وقد راعه اجتماع هذا العدد من الناس في غرفته التي ربما لم يدخلها أحد غيره في السابق، ثم مال الى الشخص الذي يقف الى جانبه وقد كان جاراً له يأنس فيه خيراً وسأله وهو يشير الى الناس المجتمعين حول الحريق: كل هؤلاء من أجلي؟ فأجابه الجار: نعم من أجلك! فقال أبو غالب مستنتجاً وهو يمط فمه: هذا يعني أنني مهم! .

على ذمة الجار الذي روى الحكاية، أنه رأى إشارات سعادة ارتسمت على وجه أبو غالب لم يسبق أن ظهرت على ذلك الوجه.

**

الطابور غير الخامس

بعد البنوك، فإن بعض المؤسسات الحكومية التي تقدم الخدمات للجمهور وتشهد قدراً من الازدحام، قررت اعتماد أسلوب الاصطفاف الإلكتروني، وذلك عن طريق استخدام جهاز خاص يعطي "العميل" رقماً متسلسلاً بمجرد أن يضغط على أحد الأزرار الخاصة بالخدمة التي يريدها. الإجراء يهدد فكرة الطابور والعلاقات الناجمة عنه وخلاله، فالطابور في المؤسسات الحكومية يشكل ميداناً لصنف خاص من العلاقات بين الناس، فيه يتبادل الناس موقفهم من الحكومة ومن أجهزتها وكوادرها ،ومن أسعار الخدمة التي يجري الاصطفاف لأجلها، خاصة أن أغلب الطوابير يتخللها دفع النقود.

الطابور الإلكتروني لا يعني أن الجميع سواسية أمام الجهاز، فالواصلون من الناس ما زالوا على وضعهم، فهم لا يحتاجون للوقوف في الطابور سواء كان إلكترونياً أو يدوياً.

في أهمية “أبو غالب”
 
28-Aug-2008
 
العدد 41