العدد 41 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

تأسرك بسعة اطلاعها ومهنيتها العالية، ويتعين حين ترقب حركة يديها المتواترة، أن تمعن التفكير أكثر في ما صنع من سيما بحوث إعلامية بارزة، تولت مناصب مهمة.

«سيما» ابنة جبل الحسين، حيث كان للطبقة الوسطى معقلها.

والدها سامي بحوث تاجر قرطاسية معروف، ووالدتها سلوى ربة بيت تمتاز بمرونتها العالية «مثل الشجرة تنحني أمام العواصف دون أن تنكسر».

إرث الشجرة رافقها طيلة مسيرتها. ما يدعو مناوئين لها للقول «إنها حيث تميل الريح تميل». لكن مقربين منها يرفضون هذا التوصيف ويرون «أن الميل، لا يكون أبداً على حساب مبادئها وأفكارها، ويدللون على ذلك بمواقفها الرافضة لطروحات قوى الشد العكسي التي تريد إعادة وزارة الإعلام».

تحسب على الليبراليين الجدد، ولا تحسب حالها على أحد، وانما على نفسها وعملها. تقر بليبراليتها، لكنها ليبرالية لا قديمة ولا جديدة .

درست في مدرسة راهبات الناصرة، وتستذكر، طموحها للعب دور المعلمة على التلميذات، وميلها للمواد الأدبية والمسرح. بيد أنها أحبت الإعلام كثيراً.

اقترابها من التلفزيون بدأ عبر برنامج «فنون وهوايات» من تقديم عريب النجار ومروان عبد الهادي. شاركت فيه بالعزف على البيانو فيما تولت شقيقاتها الغناء.

لم تعدم الوسيلة للتعبير عن نفسها، فقد شاركت في أكثر من عمل مسرحي مدرسي،.واحدة من تجاربها المهمة سفرها الى الولايات المتحدة من ضمن برنامج للتبادل الدراسي وهي في السادسة عشرة. «تعلمت في السنة التي أمضيتها هناك الكثير من الأشياء عن الثقافات وحوار الحضارات، وأمكنني أن أقدم العديد من المحاضرات عن الأردن والعالم العربي وتغيير الصورة النمطية لدى الأميركيين عن العرب».

أنهت التوجيهي في العام 1974، وكانت وجهتها الجامعة الأميركية ببيروت، غير أن اندلاع الحرب الاهلية هناك، أدى بها لدراسة الأدب الإنجليزي في الجامعة الأردنية لتحوز البكالوريوس في العام 1977.

عملت في التدريس لمدة عام واستطاعت أن توفر مبلغا من المال أهلها لمتابعة دراستها في الأدب والمسرح في جامعة «اسكس» ببريطانيا.

عن تجربتها الإنجليزية تشرح أنها «تعلمت من الإنجليز الانضباط والدقة والتخطيط لتحقيق هدف»، وتعطف على واقعها الحالي ضاحكة : «يتهموني الآن، في كل وظيفة اعمل بها، بالدقة غير المتناهية».

أجواء المسرح الإنجليزي أخذت بألبابها، فعقدت العزم على نقل التجربة الى الأردن عند عودتها عام 1979، وذهبت للقاء مدير عام دائرة الثقافة آنذاك مهند الدرة، غير أنها اكتشفت أن ليس بمقدورها أن تفعل شيئا في المسرح، وحاله.. تلك الحال!.

التحقت بالعمل في الاذاعة والتلفزيون معاً، حيث أعدت العديد من التقارير عن المجتمع المحلي والبطالة والفقر، إلى أن تولت إذاعة النشرة ثم برنامج «فوكس» من اخراج فؤاد ميمي.

«ينهض مع الفجر، رجل جاوز الثمانيين من عمره وما زال نشيطا وعاشقا للحياة. يتناول مكنسته، ويكنس الشوارع في حي فقير من عمان. وحين يروم أن يستريح، يجمع الأولاد من حوله ويوزع عليهم القصص والحلوى». تلك فحوى أحد التقارير التي أعدتها سيما عن تفاعل الناس مع المجتمع المحلي. وكأنها تريد أن تضيف وعينيها تلتمعان بالآلق: أين نحن منه؟ .

مطلع الثمانينيات تلقت اتصالا هاتفياً من رئيس جامعة اليرموك عدنان بدران، عارضا عليها السفر في بعثة لدراسة الدكتوراة في الإعلام من أميركا كتوطئة لعملها في قسم الإعلام المزمع إنشاؤه في الجامعة.

«كانوا يريدونني أن أدرس علاقات عامة، بسبب النظرة التقليدية للمرأة، لكني تمردت حين أيقنت انني لا أصلح لهذا المضمار، وحولت الى الإعلام المرئي والمسموع والتنمية الشاملة، وحزت الدكتوراة فيها من جامعة انديانا عام 1986.

في رحلة العودة إلى عمان كان يسبقها الشغف إلى مدينتها « دائما اعود الى هنا، حيث أحب أن أكون أكثر من أي مكان آخر في الدنيا لأن هنا.. أنا».

في يوم عودتها تلقت اتصالا من محمود الشريف يعلمها فيه بأنه رشحها للعمل في مؤسسة نور الحسين.

خلال العام 1991 انتقلت للعمل في الديوان الملكي، في مرحلة زاخرة بالأحداث السياسية العاصفة التي اجتاحت المنطقة . ثم عملت اعتبارا من 1994 لعامين في اليونيسف كمديرة للاتصال والإعلام.

تزوجت في العام 1995 من زياد ضياء الدين الرفاعي الذي زاملها في العمل في جامعة اليرموك. ولها ابنة وحيدة «جهان»، وهو الأصل الفارسي لاسم جيهان، ويعني الكون.

بانتقال زوجها للعمل في اليمن، التحقت به مبتعثة من منظمة الصحة العالمية ومؤسسة نور الحسين. « اليمن حالة فريدة من نوعها، أمضيت فيها أحلي سنوات عمري، لأنك تستطيع أن ترى في اليمن فقط العرب كما كانوا، وترى التقدم أيضاً، مع ملاحظة أن المجتمع المدني متقدم على الحكومة».

النقلة الحقيقية حدثت حال انتقالها للعمل مديرة لإدارة الاعلام والمعلومات في الديوان الملكي عام 2001، ثم مستشارا في الديوان، فمستشاراً لجلالة الملك برتبة وراتب وزير «اعتبر أنها من اكثر مراحل عمري استفادة وتغييراً عندما بدأت أتعرف على جلالة الملك عبد الله الثاني الذي يمثل مدرسة جديدة في التفكير والتنمية والاقتصاد. لم تكن مجرد مرحلة جديدة لكنها نقطة تحول جذري في النظر للأمور، وخصوصاً للتنمية والإعلام والاقتصاد والإصلاح، والتخطيط لانطلاقة مستقبلية واضحة جدا، تمتاز بحيوية الشباب»

غداة الغاء وزارة الإعلام عهد إليها برئاسة المجلس الأعلى للإعلام : «المفروض أن يكون للمجلس تأثير على المسار الاعلامي، بهدف التقدم نحو الإصلاح والديمقراطية تساوقا مع رؤية جلالة الملك، لكن أخطاء حدثت في التنفيذ، أخرت وحدت من قدرة المجلس «.

وترى بشأن احتدام الآراء حول وزارة الإعلام أن ثمة اتجاهاً معاكساً يريد إعادتها مقابل اتجاه آخر يرغب في الإبقاء على المجلس، "ويجب أن نقرر في أي اتجاه نسير، لكني مع الإبقاء على إلغاء الوزارة جملة وتفصيلا».

اليوم تغادرنا بحوث الى القاهرة للعمل أميناً عاماً مساعداً في الجامعة العربية، ولعلها تلحظ في الطريق الى أرض الكنانة أن الطريق ما زالت إلى امتداد.

سيما بحوث: مثل الشجرة تميل ولا تنكسر
 
28-Aug-2008
 
العدد 41