العدد 41 - بورتريه
 

محمود الريماوي

يتميز كامل أبو جابر بتنوع اهتماماته وخبراته، ما انعكس على تعدد المواقع الرفيعة التي تولاها، غير أنه يمتاز فوق ذلك بدفئه الشخصي وبساطته، التي تثير على التو انطباعات لا تنسى عنه. لا يقيم أبو جابر المولود في عمان قبل ستة وسبعين عاماً مسافة مع محدثه، ولا يتمترس خلف ذاته. خلافاً للمتوقع من رجل شغل موقع رئاسة الدبلوماسية وخاض مفاوضات. وربما صح وصفه بأنه رجل منفتح يخوض في الأمور بحرارة وعفوية، ولا يعبأ بمحددات الدبلوماسية التقليدية التي تجعل صاحبها ينتقي مفرداته بحذر شديد، ويكثر من التحرز من الطرف الآخر. له بذلك سمت الأب الطيب والجد الحاني (حسب عمر من يحادثه..).

تنقل أبو جابر بين العمل الأكاديمي، والعمل الدبلوماسي..بين وزارة الاقتصاد الوطني، ووزارة الخارجية، والمجلس الأعلى للإعلام، وعضوية مجلس الأعيان، ومؤسسة الملكة علياء والمعهد الدبلوماسي، إضافة لمشاركته في لجان وهيئات شتى داخل الأردن وخارجه، وحضوره المشع في المؤتمرات والمنتديات العامة. خلال نحو أربعة عقود ظل قريباً من الراحل الحسين ومن الأمير الحسن، ومن مراكز صنع القرار، دون أن يصرفه ذلك عن العمل البحثي، فقد وضع مؤلفات حول التطور الاجتماعي وقضايا التنمية الاقتصادية في الأردن، وآخر مؤلفاته "الفلسطينيون شعب غصن الزيتون" الذي صدر في العام 1995.

ترأس الوفد الأردني للمفاوضات في مؤتمر مدريد لعام 1991، وعزم حينها أن لا يصافح الإسرائيليين هناك، وتلقى إرشاداً من الملك الراحل الحسين : لا تدعموهم ( لا تبادروا بالسلام عليهم) لكن إذا مد أحد منهم يده لأحد منكم أمام الناس في كوردور مثلاً فلا بد من السلام عليهم". ربطت أبو جابر علاقة احترام ومودة بالمرحوم حيدر عبدالشافي،الذي كان يترأس الجانب الفلسطيني في الوفد المشترك، وكان ينسق معه في الصغيرة والكبيرة.

كان أبو جابر قريباً من التحضيرات لمعاهدة وادي عربة، ما زال يقبلها ويدعو للتقيد بها، غير أن ذلك لا يمنعه من التعبير عن عدم رضاه،على تداعيات المعاهدة التي لم تحقق "الأهداف الاستراتيجية المتوخاة منها". لعل المقصود بالإشارة أن الإسرائيليين أرادوا من المعاهدة، التنصل من السلام الشامل وإخراج الأردن من الصراع وليس أي شيء آخر. هذا ما تشير إليه تصريحات ومقابلات نشرت له في صحف عربية .ومع تمسكه بخيار السلام، يشدد أبو جابر على أن الصراع تاريخي وحضاري ممتد وطويل، وأن إرادة السلام الشامل غير قائمة حتى الآن لدى الطرف الإسرائيلي أو الأميركي. رغم أنه لا يعرف عنه قربه من المعارضة،أو السعي لمناكفة أحد خاصة الدولة ويعتبر من "أبنائها" .

يتحدث أبو جابر ببساطة وبداهة المواطن، وبرؤية المفكر المستقل والصريح. بمزيج من الوطنية الصافية والتعلق بقوميته،وكذلك انطلاقاً من جذوره الأرثوذكسية حيث الارتباط الروحي المكين بالقدس، وبيت لحم، والناصرة، ومما يتوفر عليه من إيمان ثابت بالوشائج العميقة والأبدية بين المسلمين، والمسيحيين في المشرق وبالذات في الأردن وفلسطين.

يصفه زميل تصادق معه منذ أيام الطفولة، بالمرح، وروح الدعابة، والتواصل الإنساني مع الآخرين، وبالطموح الشخصي، وأن أبو جابر مع المناصب العديدة التي احتلها، فإن الجامعة تظل هي بيته الأول. فقد تولى عمادة كلية الاقتصاد في الجامعة الأردنية، وعمل باحثاً وأستاذاً زائراً في جامعات أميركية، والتي نال شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية منها (يمضي حالياً إجازة في الولايات المتحدة).

في الجامعة الأردنية، تولى كامل أبو جابر رئاسة مركز الدراسات الاستراتيجية في العام 1984 ولمدة عامين، بما يجعله في منزلة المؤسس للمركز، الذي كان نشاطه يتركز آنذاك على إقامة ندوات وحلقات نقاش داخلية.

بين طلابه في الجامعة الأردنية رئيس الوزراء السابق، معروف البخيت،الذي فاتح الأمير الحسن قبل سنوات بهذه المعلومة بحضور أبو جابر الذي عقب قائلاً : أنا مسؤول عن تخريب عقول كثيرين!.

إلى ذلك يصفه زميله وهو وزير سابق بالإخلاص الشديد لعمله، والتعبير عن قناعاته بحرارة، وأنه في جميع الأحوال منفتح لا يكتم شيئاً ولا يعرف الباطنية، فيما يصفه آخرون بأنه صادق مع نفسه ومع غيره، لكنه عاطفي وانفعالي أحياناً.. يسهب ويتفرع في حديثه ويشتت سامعه، وأنه جدي ومثابر أكثر من كونه خلاقاً، وأن مأسسة ومهننة الدبلوماسية الأردنية تمت في مرحلة لاحقة (تولى وزارة الخارجية في حكومة الشريف الأمير زيد بن شاكر في العام 1993). وتولى قبل ذلك وزارة الاقتصاد الوطني في حكومة زيد الرفاعي العام 1973. في تلك الحكومة اتخذ ذات مرة في شهر رمضان قرار غير شعبي، فعلق الوزير أبو جابر قائلاً : لازم يعني تتخذوا القرار على بخت النصراني في شهر رمضان؟!.

من عمل معه يقر له بإخلاصه، وتفانيه، مع ميزة أخرى على جانب من الأهمية، وهي استعداده للتغاضي عن أي شيء، باستثناء شبهات الفساد أو استغلال الوظيفة لتحقيق مآرب شخصية.

بينما يصفه أصدقاء له بأنه بين أبناء جيله، متنوّر تقدمي التفكير منفتح على ثقافات العالم ومن دعاة التواصل معها بغير عقد، لكن مع تقيده بأعراف اجتماعية محلية بعضها محافظ.

وربما كان كامل أبو جابر بين قلة من سياسيين أردنيين لا أعداء ولا خصوم لهم، فيما يتمتع بصداقات بلا عدد، تجمعه بأشخاص من مختلف المناطق والأجيال والشرائح الاجتماعية.

كامل أبو جابر: دبلوماسية البداهة والوضوح
 
28-Aug-2008
 
العدد 41