العدد 40 - ثقافي
 

فهد الخيطان*

قبل نحو ثلاثة أسابيع تقريبا صدرت عن دار الساقي في بيروت الطبعة العربية من كتاب «الحسين ابا وابنا.. الأردن في ثلاثين عاما» للصحفية المعروفة رندا حبيب. الكتاب يقع في 232 صفحة وصدرت الطبعة الفرنسية منه أولاً في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي.

تعمل حبيب مديرة لمكتب وكالة الصحافة الفرنسية في عمان، وهي عضو في مجلس إدارة الوكالة الأكثر شهرة في العالم، لبنانية الأصل فرنسية الجنسية تعيش في الأردن منذ بداية السبعينيات، وتعبر باستمرار عن اعتزازها بهويتها الأردنية. في العام 2001 حازت وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي برتبة فارس.

اُستقبل «الحسين أباً وابناً» بحفاوة بالغة في الأوساط السياسية والثقافية الفرنسية ونال الكتاب «ثلاث نجوم» وهو اعلى تصنيف من الاتحاد الوطني للثقافة والمكتبات للجميع في فرنسا.

عُرفت حبيب في الأردن والمنطقة صحفية مثابرة ذات مصداقية عالية، وتمكنت منذ بداياتها الأولى في العمل الصحفي من بناء شبكة واسعة من العلاقات مع صناع القرار ومصادر الأخبار في الأردن والمنطقة، وتكفي الإشارة هنا الى نجاحها في اجراء أول مقابلة مع الملك الحسين العام 1972 وهي ما زالت طالبة في السنة الأولى بالجامعة اليسوعية في بيروت، ومنذ ذلك التاريخ نشأت علاقة مهنية وثيقة بين الملك ورندا حبيب وفرت لها فرصة الانفراد بالأخبار المهمة طوال سنوات حكم الحسين.

توثق حبيب في كتابها سنوات حكم الحسين منذ ان تعرفت عليه أوائل السبعينيات حتى وفاته العام 1999 معتمدة على سجل موثق من الأحداث والتطورات أطلت على تفاصيلها السرية بحكم قربها من الملك، فيما كرست الجزء الثاني لرصد مرحلة التحولات الدراماتيكية في الحكم من تغيير ولاية العهد حتى سنوات العهد الجديد بعد تولي الملك عبدالله الثاني العرش.

حمل الجزء الأول من الكتاب والخاص بالحسين خمسة محاور رئيسية رصدت المؤلفة خلالها علاقات الملك مع كل من الإسرائيليين والفلسطينيين وسورية والعراق، ثم خصصت فصلاً كاملاً لمرحلة مرض الملك وتغيير ولاية العهد «نهاية عهد».

اعتمدت حبيب لغة تصويرية مشوقة لسرد تفاصيل الأحداث والتطورات، ووقفت عند المفاصل التاريخية في علاقة الأردن مع دول الجوار.

لا يمكن في هذه العجالة اجراء مراجعة شاملة للكتاب لكننا سنتوقف عند محطات أساسية تخص الموضوع والكاتب.

في الفصل الخاص بعلاقة الأردن وإسرائيل يستوقف القارئ موقف الملك الحسين من رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين الذي اغتيل العام 1995 على يد إسرائيلي متطرف.

شعر الملك بالإحباط واليأس بعد حادثة الاغتيال وقال يومها: «اليوم دفنت صديقاً، لكني دفنت السلام أيضاً». كانت توقعات الحسين بشأن دفن السلام صحيحة تماماً، وأكدت التطورات اللاحقة صحة تقديره. لكن السؤال المطروح: لو قدر لرابين أن يبقى على قيد الحياة، هل سيكون مستقبل عملية السلام أفضل؟

الملك كان يؤمن بأن رابين شريك حقيقي في السلام. تشكل هذا الانطباع لدى الملك تحت وقع زخم عملية السلام وتوقيع المعاهدة مع إسرائيل قبل سنة من اغتيال رابين. لم تكن الأطراف المعنية بالمفاوضات بدأت البحث في قضايا الحل النهائي أو شكل الدولة الفلسطينية وموقف إسرائيل منها.

لا أحد يعلم، على وجه التحديد، موقف رابين من تلك القضايا، وما إذا كانت صداقته مع الملك ستدوم، أم ان مصيرها سيكون كمصير العلاقة مع خلفه بنيامين نتنياهو.

حبيب التي رافقت الملك الحسين والملكة نور في الرحلة الى القدس لحضور جنازة رابين حرصت على تسجيل مشاعر الملك تجاه المدينة المقدسة وتعلقه الشديد بالمكان، وهو الأمر الذي حكم موقف الحسين تجاه القدس والضفة الغربية عموماً وسبّب له المتاعب مع منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات الذي طالما اتهم الملك بالسعي لضم الأراضي الفلسطينية الى مملكته.

الشك والريبة كانا سمتين أساسيتين لعلاقة الملك وعرفات، وبمطالعة فصول العلاقة التاريخية بين الزعيمين، كما روتها رندا حبيب في كتابها يتبين أن شكوك الطرفين تجاه بعضهما بعضاً كانت في محلها.

في الفصل الخاص بـ«فلسطين» يتضح أن مشروع الكونفدرالية أو الفدرالية مع الفلسطينيين الذي يرفض الأردن اليوم البحث به كان منتجا أردنيا بامتياز اقترحه الملك الحسين ورفضه عرفات، ثم عاد وقبله لكن بعد فوات الأوان.

تكتب حبيب عن الملك الحسين من موقع الانحياز لشخصيته، لكن في الفصل الخاص بعلاقته مع العراق طغى موقفها السلبي من النظام العراقي على غيره من الأحداث. وفي متابعتها لاتصالات الملك مع الأطراف العربية بعد احتلال العراق للكويت، ركزت على موقف الملك الرافض لمغامرة صدام حسين، غير انها لم تشر في المقابل الى رفضه اللجوء الى قوات أجنبية لإخراج الجيش العراقي من الكويت وهو الموقف الذي أعلنه صراحة في قمة القاهرة، وأدى الى توتر غير مسبوق في علاقات الأردن مع دول الخليج العربي ومع القيادة المصرية، بخاصة وأن الملك امتنع عن المشاركة الى جانب قوات عربية بما كان يعرف بـ«تحالف حفر الباطن» مع القوات الأميركية التي تكفلت بإخراج القوات العراقية من الكويت.

في مقابل «التعتيم» على موقف الملك ودوره في حرب الخليج الثانية، أفردت الكاتبة مساحة واسعة لهروب حسين كامل من بغداد الى عمان مع أن القضية برمتها ظلت حدثاً عابراً في العلاقة الأردنية العراقية.

الفرق الوحيد بين الطبعة الفرنسية من الكتاب والطبعة العربية جاء في الفصل قبل الأخير الذي حمل عنوان «الانتقال الى عهد جديد». فقد وجدت الكاتبة أن هناك تطورات مهمة حدثت في الأشهر الأربعة التي أعقبت صدور الكتاب باللغة الفرنسية من المناسب اضافتها للطبعة العربية لرسم صورة شاملة لمسار التحولات التي يشهدها الأردن في عهد الملك عبدالله الثاني. وتتعلق تلك الاضافات بالجدل الساخن في الأردن حول سياسة بيع أملاك الدولة وتصاعد المعارضة الشعبية لسياسات «الليبراليين الجدد» وممثلهم في الحكم د. باسم عوض الله.

قبل هذا الفصل رصدت الكاتبة أخطر المراحل في تاريخ الملك الحسين منذ الاعلان عن اصابته بمرض السرطان مروراً بقراره تغيير ولاية العهد.

يكشف هذا الجانب من الكتاب مدى الصلة الوثيقة التي تربط حبيب بالملك، فقد كان حريصاً وهو في أصعب الظروف الصحية على منح حبيب الأخبار الخاصة والمقابلات الحصرية والتصدي لمحاولات التشكيك بمصادرها أو التضييق على حريتها في العمل.

لم يكشف الفصل الخاص بتغيير ولاية العهد عن معلومات جديدة لا يعرفها من عايشوا المرحلة من إعلاميين وسياسيين، لكن مهارة حبيب في توثيق التفاصيل الدقيقة ورصد ادوار ومواقف الشخصيات المؤثرة حول الملك جعل من الفصل وثيقة تاريخية خاصة.

وظهر جلياً أن للأمير الحسن أنصاراً في مواقع عدة - لعل أبرزهم «جواد العناني وناصر جودة» - كانوا على استعداد للدفاع عن «أميرهم» مهما كلف الأمر. رندا حبيب كانت تقف في الصف الثاني الى جانب خيار الملك الحسين الذي كان المصدر الأول لأخبارها ما أثار حفيظة الطرف الآخر.

بدت رندا المؤلفة متحمسة لسياسات العهد الجديد في سنواته الأولى، فبعد 17 يوماً على تولي الملك عبدالله الثاني العرش أجرت معه أول مقابلة صحفية لكن حماسَها بدأت تفتر بشكل تدريجي، يستطيع أي قارئ للكتاب أن يلحظ ذلك وهو يطالع الفصل الخاص بالتحولات التي يشهدها الأردن ووصفها لطريقة الملك في الحكم ثم وقفتها المطولة عند دور باسم عوض الله وعلاقة الديوان الملكي مع القوى الاجتماعية وشعور هذه القوى بـ «التهميش» جراء سياسات «التكنوقراط» الذين سيطروا على الديوان الملكي، حسب قول حبيب.

وتوقفت عند قضية التسهيلات البنكية التي حوكم فيها مدير المخابرات العامة الأسبق سميح البطيخي. حرصت حبيب في هذا الموضوع على شرح تفاصيل القضية وكشف الثغرات القانونية في المحاكمة وأبعادها السياسية، ولتأكيد هذا البعد اشارت الى واقعة اقالة خليفة البطيخي «سعد خير» بعد شائعات بالفساد، من دون فتح اي تحقيق قضائي بهذا الشأن.

يعزو مراقبون ما بدا تعاطفاً من رندا حبيب مع البطيخي الى أن الأخير كان واحداً من أهم المصادر الإخبارية للمراسلة النشطة ويذكر في هذا الصدد انفراد وكالة الأنباء الفرنسية بخبر استقالة حكومة عبدالرؤوف الروابدة قبل أن يعرف الروابدة، ولا رئيس الديوان الملكي آنذاك فايز الطراونة بالأمر.

كتابان في مؤلف واحد

كان بوسع رندا حبيب ان تصدر كتابين بدلاً من كتاب واحد، ولا أقصد هنا اصدار كتاب عن «الأب» وآخر عن «الابن»، ما أعنيه ان التجربة الغنية للمؤلفة تحتاج الى توثيق في كتاب منفصل عن سيرة الملك الحسين ومن بعده الملك عبدالله.

جمع التجربتين في كتاب واحد يحمل ظلماً للطرفين، ففي مواقع عديدة من الكتاب غابت تجربة حبيب الصحفية خلف الأحداث التي رافقت حياة الملك، وفي فصول أخرى تقدمت السيرة المهنية على السيرة السياسية.

لم تتخل رندا حبيب عن شجاعتها في قول الحقائق، لكنها في كل سطر من الكتاب لم تخف اعجابها بشخصية الملك الحسين.

*كاتب، مدير تحرير في "العرب اليوم"

“الحسين أباً وابناً”..دهشة التفاصيل في كتاب رندا حبيب
 
21-Aug-2008
 
العدد 40