العدد 40 - أردني
 

خليل الخطيب

طبقت الحكومة الأردنية قانون الأحزاب السياسية الخلافي لعام 2007، وعلى الرغم من ذلك لم تطبق ما يتعلق بالدعم المالي للأحزاب رغم أن ذلك منصوص عليه في هذا القانون. هذه الحقيقة تضيف سببا جديدا يدفع إعلاميين وسياسيين أردنيين للتشكيك في صدق نوايا الحكومة في تحقيق تنمية سياسية أكد الملك عبد الله الثاني على ضرورة تحقيقها في غير مناسبة.

يذهب بعض هؤلاء في تشكيكهم إلى حد التساؤل عن حقيقة وجود إرادة سياسية حقيقية للإصلاح.

في أكثر من مناسبة أكد الملك عبدالله الثاني الحاجة إلى تنمية سياسية ومشاركة شعبية في صنع القرار، وردت عبارات بهذا المعنى في جميع كتب التكليف للوزارات خلال السنوات التسع الأخيرة.

ففي كتاب التكليف الموجه إلى حكومة فيصل الفايز قال الملك: "إن التنمية السياسية بكل أبعادها تأتي على رأس الأوليات، تشارك فيها كافة قطاعات المجتمع وقواه السياسية، حيث النزاهة والمساءلة والشفافية وسيادة القانون والعدالة والمساواة." وفي كتاب التكليف الموجه إلى حكومة نادر الذهبي أكد الملك: «عزمنا على الاستمرار في برامج الإصلاح السياسي وتعزيز المشاركة وتنمية الحياة الحزبية مستنيرين بالمبادئ التي تم التوافق عليها في وثيقتي الأجندة الوطنية وكلنا الأردن».

إن كانت العمومية التي تتسم بها نصوص كتب التكليف قد أشكلت على الحكومات فجعلتها لا تحسن التطبيق، فإن لقاء الملك مع طلبة كلية الإعلام في جامعة اليرموك في العشرين من نيسان/أبريل الماضي، والذي دعا فيه الطلبة للمشاركة الفعالة في الحياة السياسية والحزبية، وأطلق خلاله تصريحه الشهير بـ«حياة سياسية حزبية لا مكان فيها للخوف» كان على درجة استثنائية من الوضوح في هذا الشأن.

قدم هذا اللقاء معالم الرؤية الملكية للتنمية السياسية المطلوبة بوضوح، ومن أركانها الرئيسية حياة حزبية فاعلة ونشطة تؤطر الناس وتفعل مشاركتهم في صنع القرار.

لكن عددا من السياسيين والإعلاميين يجادلون بأن المسألة لا تتعلق بوضوح الرؤية الملكية للإصلاح أو عدم وضوحها، وإنما تتعلق بجدية الحكومات في تطبيق هذه الرؤية الملكية أو عدم جديتها.

يسوق أحمد يوسف، الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي الأردني أمثلة على عدم جدية الحكومات المتعاقبة في تحقيق التنمية والإصلاح السياسيين، من أهمها إصرار الحكومات على الإبقاء على قانون الصوت الواحد الذي أثبتت التجارب غير مرة أنه عاجز عن إنجاز برلمان لوطن.

يتابع يوسف: "كما جاء قانون المطبوعات والنشر وقانون التجمعات العامة مقيدين للحريات العامة وحرية التعبير".

ويستطرد أمين عام "حشد" مستذكراً: "ماطلت الحكومات كثيرا في إصدار قانون للأحزاب، وعندما أصدرته جاء هذا القانون ليحرم العديد من الأحزاب من المشاركة في العمل السياسي بسبب الإصرار على شرط توفر 500 عضو مؤسس للحزب".

سعيد ذياب، أمين عام حزب الوحدة الشعبية الأردني يحاجج: "حتى عندما فرضت الحكومة قانون الأحزاب الذي رفضته أحزاب المعارضة في حينه، ثم اضطرت للتجاوب تحت ضغط الموعد النهائي للتصويب، صوبت الأحزاب أوضاعها وفق القانون لكن الحكومة لم تلتزم بالجانب المترتب عليها من تنفيذ القانون المتمثل في تقديم الدعم المالي الذي ينص عليه القانون للأحزاب".

يروي ذياب وقائع لقاء جرى بين مجموعة الأحزاب التي صوبت أوضاعها مع وزير التنمية السياسية السابق، صبري ربيحات، بحضور مندوبين من وزارة الداخلية جرى خلاله التباحث في آفاق العمل الحزبي والتنمية السياسية بشكل عام، وقضية تمويل الأحزاب بشكل خاص.

"أكد الوزير حينها أن الحكومة جادة في تقديم الدعم المادي للأحزاب، وأنها رصدت مبلغ 5 ملايين دينار لهذه الغاية، كما طلب منا تقديم المشورة حول أسس إنفاقها، وقدمنا مذكرة مكتوبة، كما قدمت بقية أحزاب المعارضة مذكرة مشابهة"، يقول ذياب.

ويضيف أن أحزاب المعارضة، حينذاك، اتفقت على مجموعة أسس لتوزيع هذه الأموال أهمها:

- أن يتم التوزيع بموجب قانون دستوري يلحق هذا الدعم بميزانية الدولة وليس بنظام تصدره الحكومة، حفاظا على الشفافية ومنعا لاستخدام هذه الأموال من الحكومة في شراء الذمم.

- أن يتم التوزيع وفق حجم الحزب، ومدى انتشاره الجغرافي، وحجم عضوية النساء والشباب في صفوفه".

ويتابع: "قمنا بتقديم هذه المذكرات للوزير، ومنذ ذلك الوقت لم نسمع ردا على ما جاء في مذكراتنا، ولم نلمس أي خطوة عملية نحو تحقيق الأمر".

ويخلص ذياب إلى أن "هذا التجاهل يمثل حلقة من سلسلة حلقات تؤكد أن الحكومة غير جادة وغير معنية بالتنمية والإصلاح السياسيين".

الصحفي فهد الخيطان، مدير الشؤون المحلية في «العرب اليوم»، يقول إنه رغم أن الالتزام بتقديم الدعم للأحزاب يشكل جزءا بسيطا من عملية التنمية السياسية، إلاّ أن عدم التزام الحكومة، ومماطلتها في تقديمه، يشكل دليلا واضحا على عدم جديتها في السير في طريق الإصلاح".

ويذهب الخيطان أبعد من ذلك بقوله: "مجمل القوانين المتعلقة بالإصلاح السياسي، كقوانين الانتخابات، والمطبوعات والنشر، والأحزاب، والتجمعات العامة، وأسلوب تعاطي الحكومات معها، كلها تدل على أنه ليس ثمة قرار بالإصلاح السياسي".

وزير التنمية السياسية، كمال ناصر، أكد عدم معرفته بوجود مذكرات، من أحزاب المعارضة، تتعلق بتمويل الأحزاب بحسب نص القانون، وجاء تأكيد الوزير في معرض إجابته عن سؤال طرحته عليه «ے»، خلال اللقاء الذي جمعه مع الأسرة الإعلامية مساء الأحد 26/7/2008 .

لكن أمين عام وزارة التنمية السياسية بشير الرواشدة يوضح: "ما جرى أنه في عهد حكومة معروف البخيت شكلت لجنة مكونة من الأحزاب التي صوبت أوضاعها ووزارة التنمية السياسية ووزارة الداخلية وجرت مباحثات في هذا الأمر".

ويؤكد الرواشدة: "كما أن للأحزاب رؤيتها، كانت الوزارة أجرت بحثا واسعا في تجارب دول العالم وبالتالي كان للوزارة رؤيتها وكذلك لوزارة الداخلية".

ويتابع: "جميع الوثائق التي صدرت عن اجتماعات تلك اللجنة تم تسليمها لمجلس رئاسة الوزراء ليتابع الإجراءات القانونية اللازمة عليها، وقد خرجت بالتالي من صلاحيات وزارة التنمية السياسية".

ويخلص الرواشدة إلى أنه "من المحتمل أن يكون الملف في وزارة الداخلية، وانها تقوم بإجراءاتها عليه بحكم تبعية الأحزاب، قانونيا، لها".

مصدر مطلع في وزارة الداخلية فضل عدم ذكر اسمه أكد لـ«ے» أن "العمل جار في الوزارة على إعداد نظام لتوزيع الدعم على الأحزاب وأن المسألة تحتاج إلى وقت".

لكن مصدرا آخر في الوزارة نفسها أبلغ «ے» أن «النظام أنجز بالفعل، وأنه على طاولة مجلس الوزراء»، ولم يفسر هذا المصدر سبب عدم الإعلان عنه حتى الآن.

تبدو الأمور، والحالة هذه، مدعوة إلى الذهاب للمزيد من عدم الوضوح.

لكن المؤكد، هو أن مصداقية الحكومة في التعامل مع ملف التنمية السياسية، ستتعرض للمزيد من التشكيك يوما بعد يوم، ما لم تضع أمام جميع الأطراف المعنية برنامجاً تنفيذياً محدداً وواضحاً لإنجاز استراتيجية وطنية لهذه التنمية يشارك في صياغتها جميع الأطراف.

الملك يدعو لحياة حزبية سليمة وحزبيون يشكون مماطلة الحكومات
 
21-Aug-2008
 
العدد 40