العدد 40 - أردني
 

نهاد الجريري

لا تتضمن كتب التكليف الملكية خططاً تفصيلية تلتزم بها الحكومات المشكلة، فهي عادةً ما تتضمن توجيهات عامة لرئيس الوزراء المكلف، تتناول نوع الحكومة المطلوب تشكيلها، والمشاكل التي جاءت الوزارة لحلها، والطريقة المثلى لحلها، وهي توجيهات تشكل في مجملها الرؤية الملكية للقضايا المختلفة التي تعاني منها المملكة. إنها أقرب إلى أن تكون خطة عمل مقترحة للحكومات في فترات ولاياتها.

في هذا الإطار، تضمّن كتاب التكليف الخاص بحكومة علي أبو الراغب الأولى (6/2000-12/2002) نصاً واضحاً يقول: "فإنني أتطلع إلى تشكيل حكومة جديدة من الشخصيات السياسية والاقتصادية المعروفة بالكفاءة والنزاهة والأمانة، والقادرة على تحمل المسؤولية وأداء الواجب في هذه المرحلة".

وجاء في كتاب التكليف لحكومة فيصل الفايز (10/2003-4/2005): "ولما كانت إرادة التغيير في المرحلة المقبلة تقتضي وجود من يترجم رؤيتنا التي تهدف، بالدرجة الأولى، إلى الارتقاء بحياة شعبنا وتأمين المستقبل الزاهر لشبابنا وشاباتنا، فقد اخترتك لتشكيل حكومة جديدة تمتلك الإرادة والقدرة على تحقيق التغيير المنشود وقطف ثمار التطور والرخاء».

في كتابَي التكليف السابقَين، اشتمل الخطاب الملكي على مجموعة من العناصر والبنود، التي تكون في مجموعها «خريطة طريق» للحكومتين في أدائهما، وهو أداء يُسألان عنه أمام الملك. وليس غريباً أن تتقاطع كتب التكليف تلك في مكوناتها، ولكن اللافت أن التركيز على عنصرٍ ما تكرر في أكثر من موقع، وأحياناً كثيرة بالصيغة نفسها في الكتابين السابقين. فمثلاً، جاء في كتاب التكليف لحكومة أبو الراغب الأولى: «فإنني أتطلع إلى إنجاز قانون انتخابي عصري يتيح للجميع فرصة المنافسة الحرة الشريفة، لتمثيل شرائح المجتمع وتوجيهاته الفكرية والسياسية". وتكرر الطلب الملكي في خطاب التكليف الموجه إلى حكومة الفايز التي خلفت حكومة أبو الراغب: «إن أمام الحكومة فرصة كبيرة لإعداد قوانين عصرية تساهم بإنجاح التنمية السياسية التي نريد؛ قانون أحزاب متطور، وقانون انتخابات ديمقراطي تجرى بموجبه الانتخابات البرلمانية لعام 2007، وانفتاح سياسي على كافة فعاليات المجتمع». وتكرر الطلب نفسه مرة ثالثة في كتاب التكليف الموجه لحكومة معروف البخيت (11/2005-11/2007): «فالحكومة مطالبة بإعداد جملة قوانين في شكل سريع وعاجل، ولكن يجب أن تتوخى العصرية والعدالة والمتغيرات، والقوانين المقصودة هي قانون جديد للانتخاب، وآخر للأحزاب، وثالث للبلديات».

من المشروع التساؤل هنا عن السبب في تكرار الطلب الملكي بضرورة وضع قانون انتخاب عصري، عدا قوانين أخرى لا تقل أهمية، من ثلاثة رؤساء حكومات تعاقبوا على تشكيل وزارات خلال أقل من عقد من الزمن.

إجمالاً، يمكن حصر أهم البنود التي وردت في كتب التكليف بما يلي. أولاً: لا يكاد كتاب تكليف يخلو من التأكيد على ضرورة الأخذ بما يضمن تساوي الأردنيين أمام القانون، وهو مفهوم اقترن بتعزيز الجبهة الداخلية من خلال الحفاظ على الوحدة الوطنية. اقترن هذا المفهوم باعتماد الإصلاح الإداري الذي يضمن «اختيار القيادات والموظفين على أساس الكفاءة والخبرة والنزاهة بعيداً عن الاستزلام والشللية والتعصب لأي غرض أو جهة» (كتاب التكليف الموجه لحكومة عبد الرؤوف الروابدة، 3/1999-6/2000)، وبما يضمن «تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، واعتماد الكفاءة والأهلية معياراً أساسياً لتقليد الوظائف العامة والمناصب القيادية في الدولة» (كتاب التكليف لحكومة أبو الراغب الأولى). وفي كتاب التكليف الموجه لحكومة نادر الذهبي (11/2007) جاء: «أمّا وحدة جبهتنا الداخليّة ومتانتها فتتطلّب تعظيم الجوامع وتجاوز الفوارق. فهذا الوطن الذي بني على المحبّة وجبل ترابه بالإخاء يتشارك فيه الجميع بالتساوي، ويساهمون في ترسيخ عيشنا المشترك، ويتقدمّون في المراتب على أساس الإخلاص للوطن والعمل والإنجاز، وهويتنا الوطنية الواحدة والجامعة لا تقبل التفتيت ولا التجزئة».

كما اقترن مفهوم المساواة بالتنمية السياسية والتعددية في أكثر من مرة، من خلال التشديد على ضرورة إشراك الرأي الآخر في صنع القرار، وهو ما يتضح من استعراض سريع للرؤية الملكية في ما يتعلق بقانون الانتخابات والأحزاب. وفي موضوع الانتخابات وضرورة العمل على قانون «عصري» يضمن مشاركة الجميع، ركز الخطاب الملكي على أهمية تفعيل دور الأحزاب السياسية. ففي كتاب التكليف لحكومة أبو الراغب الأولى، جاء: «إن الديمقراطية لا تكتمل إلا بالتعددية السياسة، وعلى ذلك فإننا نؤيد تشكيل الأحزاب الوطنية والانضمام إليها ما دامت هذه الأحزاب تستلهم روح الدستور وتلتزم القوانين المنبثقة عنه". ومرة أخرى جاء في كتاب التكليف لحكومة أبو الراغب الثالثة (7/2003-10/2003): "فإن تنمية الحياة السياسية، وتفعيل دور الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وتعزيز الحوار بين سائر الاتجاهات النقابية والفكرية والاجتماعية، هي طريقنا إلى النهوض بالحياة السياسية وتعزيز المسيرة الديمقراطية».

وكان لافتاً أيضاً في كتب التكليف الملكية التشديد على أهمية التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. الخطاب الملكي في كتاب التكليف لحكومة أبو الراغب الثانية (12-2002-7/2003) ذهب إلى حد عدّ فترة حل البرلمان (7/2001-6/2003) «فسحة لنا جميعاً لمراجعة النفس في ما يجب أن يكون عليه نهج السلطة التشريعية وتوجهها في تعاملها مع قضايا الوطن ومع السلطة التنفيذية، حتى يكون التعاون بينهما لمصلحة الوطن والمواطن لا تحاصره اعتبارات شخصية أو حسابات ضيقة».

كتب التكليف الملكية شددت كذلك على استقلالية القضاء ورفع سوية الأداء فيه. في كتاب تكليف حكومة الروابدة، شدد الملك على «دعم تلك الاستقلالية من خلال تطوير قانون استقلال القضاء، وتحسين أوضاع القضاء وظروف عملهم، وتطوير التشريعات التي تحكم إجراءات التقاضي بهدف تسهيل وتسريع وصول الجميع إلى حقوقهم». وفي كتاب تكليف الحكومة الحالية، شدد الملك على «أهمية تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتطوير الجهاز القضائي، بالتنسيق مع المجلس القضائي، وذلك من أجل توفير البيئة الضامنة لاستقلالية القضاء ونزاهته وترسيخ مبادئ سيادة القانون وتكافؤ الفرص».

مكافحة البطالة والفقر حاضرة دائماً في كتب التكليف الملكية، من خلال تأكيد أن «على الحكومة أن تضع في مقدمة أولوياتها التصدي الجاد لهاتين المشكلتين، بالقيام بعملية تنمية شاملة في جميع المجالات" (كتاب التكليف لحكومة الروابدة). وتكرر هذا التأكيد، بصيغة مشابهة في كتاب التكليف لحكومة أبو الراغب الثالثة الذي جاء فيه «إن التنمية التي نريدها هي التنمية الشاملة، ولا ينبغي أن تكون التنمية في أحد جوانب حياتنا على حساب الجوانب الأخرى». وفي كتاب تكليف حكومة البخيت كان الخطاب الملكي واضحاً في ضرورة «وضع خطط عملية وسريعة للشروع فوراً بمعالجة جيوب الفقر والحد من البطالة».

ارتبطت هاتان المشكلتان بالأداء الاقتصادي الذي تواصلت لدعوات لتطويره بما يمكّن المواطن من تلمّس آثار هذا التطوير. في كتاب التكليف لحكومة الفايز، أشار الملك إلى أنه «آن الأوان لأن نعالج الأسباب الداخلية التي تحول دون تحقيق تنمية اقتصادية شاملة يقطف ثمارها كل أردني وأردنية يكافح من أجل حياة كريمة». هذه التنمية الاقتصادية جاءت مقترنة بإصلاح اقتصادي وإصلاح إداري «يكافئ المجِدّ ويحفز المتردد وينبذ المفسد». التعبير الأخير تكرر في أكثر من صيغة في الخطابات الملكية. في كتاب التكليف الموجه لحكومة البخيت، وفي معرض التأكيد على أهمية جذب الاستثمار الخارجي، جاء الحض على أن «تباشر الحكومة بإزالة أو تصحيح الاختلالات الإدارية والهيكلية في الاقتصاد أو الخدمات أو المرافق، وإزالة الإعاقات والبيروقراطية التي تمارسها بعض الإدارات لأسباب عديدة، ويأتي في مقدمتها غياب الوعي أو اللامبالاة أو تفسير غير مقنع للقانون».

في مجال الزراعة، كان لافتاً أن الخطاب الملكي كان دائماً يذهب في الاتجاه نفسه، بالتأكيد على أهمية وضع استراتيجيات زراعية تعكس الجدوى الاقتصادية في هذا القطاع. في كتاب تكليف الروابدة، كان هناك تأكيد على ضرورة «توطين زراعات جديدة أفضل دخلاً وأقل استهلاكاً للمياه". وهو ما تكرر في كتاب تكليف حكومة أبو الراغب الأولى؛ "ضرورة التأكد من الجدوى الاقتصادية الوطنية لبعض المحاصيل الزراعية، وبخاصة تلك المزروعات التي تستنزف من ثروتنا المائية أكثر من مردودها الاقتصادي على الوطن والمواطن".

حقيقة شح المياه الذي يعاني منه الأردن برزت في كتب التكليف، بخاصة في السنوات الأخيرة، والتي أشارت إلى أهمية إدارة واستغلال مصادر المياه الشحيحة أصلاً في المملكة. في كتاب تكليف حكومة أبو الراغب الأولى أكد الملك أن هنالك حاجة ملحة إلى «تنفيذ استراتيجية المياه المقرَّة، والتي تستند إلى رؤية واضحة وآلية فاعلة ممكنة التطبيق في المديَين المنظور والبعيد»، مشدداً على «ضرورة إيلاء هذا الموضوع الأهمية القصوى التي يستحق». وهي الحاجة التي تظهر في كتاب تكليف الذهبي الذي جاء فيه: «إننا نؤكّد ضرورة تنفيذ مشاريع تطوير المصادر المائية الحالية وتوفير مصادر جديدة، بالإضافة إلى استغلال المصادر المائية غير التقليدية كبناء مزيد من السدود وتوسيع مشاريع الحصاد المائي ومشاريع تحلية المياه».

والحال نفسها تنطبق على قطاع التربية والتعليم، الذي بدأ يأخذ حيزاً واضحاً منذ تكليف الروابدة، من خلال التشديد على ضرورة الاعتناء بجودة التعليم، وحتى تكليف الحكومة الحالية الذي أعلن فيه الملك عن قيام لجنة ملكية استشارية متخصصة برفد «الجهات المشرفة على التعليم العام بالأفكار والخطط والمقترحات»، بهدف تطوير سياسات التعليم.

في مجال الصحة، وفي كتب التكليف الموجهة لرؤساء الوزارات من الروابدة إلى الذهبي، كان الخطاب الملكي على الدوام يوصي بشبكة تأمين صحي «تشمل جميع المواطنين».

تكرار التوصيات الملكية في خطابات التكليف، أمر يدعو للتوقف، إن لم يكن الدهشة، فالتوجيهات الملكية واضحة تماماً، و«خريطة الطريق» التي تقترحها لا تقل وضوحاً، وما تكرارها سوى دليل على عدم تمكن الوزارات المتعاقبة من تنفيذ التوجيهات الملكية خلال فترة ولاية كل منها.

هل يدخل الأمر في باب العجز عن تنفيذ ما جاء في كتاب التكليف؟ أم إنه نتيجة خلل في أداء الحكومات؟ أم نتيجة الاصطدام بعراقيل البيروقراطية والإدارة التقليدية؟ أم هو ببساطة، التفاف بعض الحكومات على ما جاء في كتب التكليف، من خلال ترحيل ملفات عجزت عن حلها في فترة ولايتها، إلى الحكومات اللاحقة، لتتحول هذه الملفات، بعد سنوات من الترحيل، من مشكلة قابلة للحل إلى أخرى مستعصية.

كتب التكليف: “خرائط طريق” قلّما سارت عليها الحكومات
 
21-Aug-2008
 
العدد 40