العدد 6 - ثقافي
 

هناك الكثير من المجلاّت المحليّة، تمتلئ بها رفوف المكتبات وأكشاك الجرائد. مجلاّت ملوّنة وأنيقة ومعاصرة وجذّابة وتتخصص في مواضيع عديدة، منها الأزياء والأكل والأسرة والمرأة والرجل والأطفال والرياضة والديكور والموضة. وتتنوّع في ما تقدّم من قصص وأحداث وأفكار. يمكن القول إنّ في عمّان فورة مجلاّت قد يصل بعضها إلى مدن أخرى كإربد والزرقاء والسلط والعقبة. مجلاّت لمّاعة برّاقة تضاهي أخواتها في رفوف المجلاّت الأوروبيّة ومدن عربيّة أخرى مثل بيروت ودبيّ. وعلى الرغم من روعتها، مفردة وجمعا، إلاّ أن ما يستوقفني هو أن غالبيّتها باللغة الإنجليزيّة. وفي كلّ مرّة أقابل شخصا يعمل في إحداها أسأله أو أسألها عن سبب صدورها باللغة الإنجليزيّة، فلا أتلقى إجابة مقنعة.

أصل السؤال أنّ اللغة الأم محليّا والأكثر استعمالا وشيوعا وفهما جماهيريّا في بلادنا هي العربيّة. ليس لديّ شكّ في أنّ أغلب الناس يقرأون ويفهمون العربيّة، وليس الأمر كذلك بالنسبة للإنجليزيّة. فالأخيرة لغة محصورة، وبالذات على مستوى القراءة، في مجموعة صغيرة يسكن أغلبها عمّان.

الأمر يعنيني شخصيّا، لأنّي أرى في الكتابة والقراءة كنوزا لا تنضب من المتعة والمعرفة والتفكير والإبداع لجميع الأطراف المشاركة والمساهمة في هذه العمليّة. كما أنّي أعتقد، وإن كان الأمر، كما الأمور التي تتعلّق بجماعات كبيرة دائما، خاضع للنقاش والمساءلة، أنّ القراءة، كمّا ونوعا، تعكس ثقافات الناس وتؤثّر فيها، وتوسّع في المدارك والآفاق وتنوّعها، وتذهب الملل، وتساهم في القدرة على التعبير والتحليل.

لا أشكّ كذلك في أنّ الجهات العاملة على إصدار هذه المجلاّت قد درست موضوع لغتها وثقافتها دراسة جيّدة، أو حاولت، على مستوى السوق والاستقبال والقرّاء والتفاعل والمساهمة فيها. وأفترض أنّ القرار الأساسيّ يعتمد على الجدوى الاقتصاديّة. إلاّ أنّ هناك ولا شك، أسبابا أخرى. كثيرون يقولون إنّ مستهلكي الكتب والمجلاّت في أغلبهم يقرأون الإنجليزيّة، وقد يكون هذا الأمر صحيحا. فنحن نعلم أنّ مستوى القراءة في بلادنا منخفض جدا ومحدود، إن قرأ المرء، بكتب الدين والجنس التي نراها في البسطات في شوارع وسط البلد على سبيل المثال، ولا يقرأ الناس الجريدة إلا بالكاد.

ثمّ هناك سقف الحريّة الذي يبدو أكثر ارتفاعا، وإن كان ما يزال منخفضا جدّا، باللغة الإنجليزيّة، وكأنّ الرقابة الداخليّة التي يفرضها المرء على ذاته، وتلك الممأسسة والحكوميّة، أخفّ ثقلا ووطأة بالنسبة للتعبير بالإنجليزيّة. . ولعلّ الحرية النسبية التي تكتسبها الكتابة بالإنجليزيّة تعود لتدني عدد القرّاء ومحدوديّة الفهم. وهو أمر مثير للأسى. وكأنّ هذا التعبير عبثيّ إلى درجة ما، لا يضطلع به إلاّ العدد القليل. وهناك قدسيّة اللغة العربيّة واحترامها والحذر في التعامل معها وفي استعمالها. أشعر أنّ أهل اللغة العربيّة مشوشون في شأن اللغة، وكأنّها ليست أداة للتعبير بل هي، بحدّ ذاتها، هدف سامٍ صعب المنال. كاتب الجملة يقلق في صحّتها وكلاسيكيّتها وفاعلها قبل مفعولها بلاغةً ونحواً وتوريةً وعرفاً، فيخجل من الكتابة ويبتعد عنها. أمّا الإنجليزيّة، فبسبب استعمالها في الدعاية والإنترنت وأنواع الكتب والمنشورات والمطبوعات المتنوّعة والأغاني والأفلام، فقد أصبحت سهلة ليّنة طيّعة. ويجد كثيرون صعوبة في التحدّث عن موضوعات معاصرة بالعربيّة أو موضوعات شبابيّة في العلاقات والحب والجنس أو في عالم التكنولوجيا الحديثة من تقنيات وأدوات وعالم شبكة الإنترنت وغيرها.

تلعب هذه الأسباب وغيرها أدوارا حقيقيّة في أنّ الأردن لا يطبع إلاّ مجلاّت محليّة بلغة غير لغته الأم. مجلاّت يشعر العموم بالغربة عنها. هناك فجوة حقيقيّة لا تجسّرها هذه المجلاّت التي نجدها في الرفوف، وهذه قليلة ونادرة في جميع الأحوال. وعلى الرغم من ذلك، فلهذه المجلاّت قرّاؤها بالطبع، وهي تتحدث في أمور مألوفة يفهمونها ويشترونها ويتحدّثون عن بعض الموضوعات التي تنشر بها ويتفاعلون سلبا وإيجابا مع موضوعات جدليّة أو أفكار جديدة. ومن المنطقي أن نستنتج أنّ عدد هؤلاء القرّاء كبير بحيث يسمح باستمراريّة هذه المطبوعات.

القضيّة ليست في أنّ هذه المجلاّت موجودة، بل إنّ المجلاّت المشابهة شائعة ومنتشرة بالعربيّة. فأين ومتى نجد في هذا البلد مجلات يمكن أن يدور حديث شعبيّ عن موضوع تنشره أو، تلك التي يتحدّى بها الكاتب دائرة الرقابة ورقابة الذات والرقابة المدنيّة ويخترق بها سقف الحريّة عن بكرة أبيه.

أين المجلاّت التي يمكن أن تعرّف الكاتب والقارئ بلغة عربيّة معاصرة مفهومة متفهّمة وجذّابة؟ مجلاّت نراها تحت إبط شخص يتمشّى في شوارع إربد والمفرق والكرك، أو يتسلّى بها عسكريّ في الباص، وتعود بها المهندسة والعامل والتلميذ إلى البيت لتقرأها؟ مجلاّت تحترم قارئيها وتضع نصب أعينهم موضوعات تجعلهم يطرحون الأسئلة ويبادرون إلى الحوار وتدفعهم إلى زيارة معرض أو إرسال اعتراض أو قراءة كتاب أو إجراء بحث على الإنترنت.

أين، ومتى؟

طوفان من المجلات الجذابة، ولكن .. – ديالا الخصاونة
 
13-Dec-2007
 
العدد 6