العدد 40 - أردني
 

دلال سلامة

«إسمي هاني، وأنا مصاب بالإيدز»، قال شاب يقف وسط القاعة.

كانت هذه هي الفقرة الختاميةلورشة عمل عقدها البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز لكوادر من وزارة الداخلية، وتضمنت لقاء المشاركين بأحد المتعايشين مع المرض.

هاني في الثانية والثلاثين، قبل عشر سنوات سافر إلى الخارج وأقام علاقة جنسية أدت إلى التقاطه الفيروس. وقد اكتشف إصابته بالصدفة عندما ذهب للتبرع بالدم: «صُدمت واعتقدت أن هناك خطأ. لقد كنت كغيري من الناس أعتقد أن الإيدز هو واحد من الأمور التي تحدث للآخرين فقط».

أخبر هاني عائلته التي أصابها الذعر: «أكثر ما خشيه أهلي هو الفضيحة، لدرجة أنني عندما كنت أتعب صحيّاً لأي سبب، وأقرر الذهاب إلى المركز الصحي في الحي، كانوا يحاولون منعي، خوفاً من فضيحة انكشاف مرضي، وما سيتبع ذلك من تشويه سمعتهم أمام الأقارب والجيران». لم يحتمل هاني الوضع، فغادر منزل عائلته وأقام وحده في منطقة أخرى.

عرض هاني تجربته مع المرض في ورشات عدة نظمها البرنامج، وهو يطالب بتمثيل أكبر للمتعايشين مع المرض في فعاليات مثل هذه: «دائماً يقول لي المشاركون في الدورات إن ما يؤثر فيهم حقيقة ويغير من تفكيرهم تجاه مرضى الإيدز هو الالتقاء بهم وجهاً لوجه، والاستماع إلى تجاربهم».

التغيير الذي تُحدثه هذه الورشات لا ينحصر فقط في نظرة الآخرين إلى مريض الإيدز، بل يتعدى ذلك إلى نظرة مريض الإيدز لنفسه.

يقول هاني إن مشاركته وغيره من المتعايشين في هذه الأنشطة رفعت روحه المعنوية وساعدته على التفكير بإيجابية تجاه نفسه، لذا عمل مع مجموعة من المصابين وغير المصابين على تأسيس مجموعة دعم أسموها «الأمل»، بهدف زيادة الوعي بطبيعة المرض ورفع الوصمة عن مريض الإيدز.

هذه الدورات تعدّ إنجازاً للبرنامج الوطني لمكافحة الإيدز. فهذا البرنامج، الذي تأسس إثر اكتشاف أول حالة إيدز في المملكة في العام 1986، للحدّ من انتشار المرض، يقوم بأنشطة لتحقيق هذا الهدف، كعقد دورات توعية للمصابين ولكوادر الصحية وأصحاب القرار، وهو يتوجه بشكل أساسي إلى الفئات الأكثر عرضة للإصابة، وهي فئات العاملات في الجنس، ومتعاطي المخدرات، ونزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل.

كان هذا البرنامج هو نافذة الأمل الوحيدة لماجد (27 عاماً)، الذي اكتشف إصابته بالمرض قبل ثلاث سنوات، ولا يعرف على وجه الدقة من أين التقطه: «كنت أعيش نمط حياة «فايعة»، أقمت علاقات جنسية متعددة، ولم أكن ألتزم بأي إجراءات حماية. لا أعرف من الذي نقله لي، ولا أعرف أيضاً إلى من قد أكون نقلته».

بعد فترة من اكتشاف ماجد إصابته، اتصل بمركز المشورة في منطقته: «صحيح أنهم في نشراتهم يؤكدون مبدأ السرية، ولكنني لم أكن واثقاً تماماً من ذلك. هذا ما جعلني أنتظر طويلاً قبل طلب المساعدة. لكن أحداً لم يطلب مني أي معلومات شخصية. أجابوا عن جميع أسئلتي، وحددوا لي موعداً لفحص مجاني، أجريته دون الكشف عن هويتي».

تقول لينا عطيات، باحثة نفسية في مركز المشورة في عمّان، أنه ليس من السهل أبداً إخبار المريض بإصابته. «لقد تلقينا الكثير من التدريب لنقوم بهذه المهمة، والتعامل مع ردة فعل المريض، فهو يصاب بالصدمة ولا يصدق أنه مصاب فعلاً، ثم بعدها يتملكه الرعب من فكرة الموت». لهذا فإن المصاب يتلقى الدعم النفسي، إضافة للرعاية الصحية والعلاج، لأن كثيراً من المصابين يفتقدون هذا الدعم في محيطهم الاجتماعي، فتعقد له جلسات المشورة، لمساعدته على التكيف مع وضعه الجديد».

بسام حجاوي، مدير البرنامج، يؤكد أن هذه الإجراءات ساهمت في تحقيق معدل انتشار منخفض للمرض في الأردن لا يتجاوز واحداً في العشرة بالمئة؛ فمنذ اكتشاف الحالة الأولى في العام 1986 سجلت 606 إصابة، من بينها 191 لأردنيين، والبقية للوافدين.

جيران سالم، صاحب محل بقالة صغير، كسدت تجارته تماماً بعد انكشاف إصابته بالمرض، فالمحيطون به لم يكتفوا فقط بالكف عن مصافحته، بل كفّوا أيضا عن الشراء منه. يعلق سالم بمرارة: «اعتقدوا أنهم سيصابون بالمرض إن لامسوا الأغراض التي لمستها».

اضطر سالم لبيع الدكان بثمن بخس، والانتقال إلى منطقة أخرى لا يعرفه فيها أحد.

شفاء (22 سنة) التقطت الفيروس عندما كانت في الدقائق الأولى من عمرها. أصيبت والدتها بنزيف أثناء الولادة واحتاجت إلى نقل دم، اتضح بعدها أنه دم ملوث.

تقول شفاء: «عندما شخّصت حالتانا، أصيبت أمي باكتئاب شديد، حبست نفسها في غرفتها، وكفّت عن الأكل والشرب، ورفضت أن تعتني بي،. لقد رفضت حتى أن تلمسني، واعتنت بي عمّتي. توفيت أمي بعد ثلاث سنوات، ليس من الإيدز، ولكن من الحزن».

«ما لا يعرفه كثير من الناس أن المريض يختلف عن حامل الفيروس»، يقول رجائي العزة، رئيس قسم الأمراض المنقولة جنسياً بوزارة الصحة، ورئيس مركز المشورة في عمّان: «المصاب شخص يحمل الفيروس دون أن تظهر عليه أي أعراض، ولا يمكن اكتشاف المرض إلا عن طريق فحص الدم، أما المريض فهو شخص ظهرت عليه الأعراض».

يقول العزة حول المدة التي ينتقل بعدها المصاب من مرحلة الإصابة إلى المرض: «سجلت حالات حضانة للفيروس وصلت إلى عشرين وخمسة وعشرين سنة، ولكن ذلك مشروط طبعاً بتناول الدواء الذي يعمل على تقوية جهاز المناعة، وهو علاج تصل كلفته إلى 250 دينار شهرياً، وتقدمه وزارة الصحة مجاناً».

السؤال هنا: إذا كان بإمكان المصاب أن يعيش لسنوات طويلة دون مشاكل صحية، فهل يمكنه الزواج والإنجاب؟

يقول رجائي: «نعم، يقدم المركز تقديم المشورة للمصابين الذين يرغبون بالزواج ولشركائهم أيضاً، فنحن نعقد معهم لقاءات توعوية ونعرّف الطرفين بطبيعة المرض ومضاعفاته وطريقة الممارسة الزوجية السليمة وإجراءات الحماية، ثم يوقّع الطرف غير المصاب على إقرار بالموافقة على إتمام الزواج رغم معرفته بمرض الشريك».

ترى عطيات في هذا الإقرار، حفظاً لحقوق الطرفين: «التأكد أولاً من أن غير المصاب يمتلك المعلومات الكافية، وهو مدرك تماماً لما هو مقبل عليه، وأيضاً لمنع أي عملية احتيال على المريض، فقد تقوم فتاة بإيهام المصاب بأنها تقبل به رغم مرضه، ثم بعد الزواج تدعي عدم معرفتها وتقوم بطلب الطلاق، والقانون هنا يمنحها الطلاق مع كل يترتب عليه من حقوق مالية».

يشدد حجاوي على حق المريض بالزواج، لكنه لا يؤيد فكرة الإنجاب: «هذه الإجراءات غير مضمونة مئة بالمئة. كما أن هناك حالات لمصابين أنجبوا أطفالا غير مصابين، هناك آلاف الحالات في العالم سنوياً لأطفال يولدون مصابين بالإيدز». وهو يدعو للتخلص من «الوصم» الذي يسم تعامل المجتمع مع مرضى الإيدز، مضيفاً: «هناك من يتعاطف فقط مع الذين التقطوا المرض من غير الجنس أو تعاطي المخدرات، ويسمون ذلك «الإيدز البريء». هذه التسمية نوع من التمييز، فللمصاب بالإيدز حق الرعاية والعلاج والدعم النفسي، بصرف النظر عن الطريقة التي أصيب بها».

**

مواقف صادمة

تحدث أحد المصابين بمرض الإيدز عن تعرضه أحياناً لمواقف صادمة في ورشات عمل حول المرض. طلب منه أحد الأشخاص مرة أن يكون "لبقاً"، فلا يمد يده للمصافحة، كما أن أحد الأطباء المشـــاركين في إحدى الدورات احتجّ على وجـــود متعايشين فيها قائلاً للمسؤولين إنه كـــان عليهــــم إخباره بوجـــود مصابين بالمـرض حتى يقرر إن كان سيحضر أو لا.

**

خط ساخن

الإنجــاز الأبرز للبرنامج الوطني لمكافـــحة الإيدز، كان إنشاء مراكز المشورة والفحص الطوعي في مناطق المملكة كافة، والتي تقوم، من خلال خط ساخن، خدمة الخط الساخن المجانية بالرد على الاستفسارات وتقديم المشورة لطالبيها وإجراء الفحص الطوعي لهم. أرقام هواتف مراكز المشورة والفحص الطوعي في عمان: 5673436 و5697933.

**

طرق انتقال المرض

بسام حجاوي، مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، يرى أن هناك جهلاً بالمعلومات حول طبيعة المرض وآليات انتقاله: المرض ينتقل أساساً بالطرق التالية: ممارسة الجنس مع شخص مصاب، من الأم الحامل المصابة إلى جنينها، نقل الدم الملوث بالفيروس، استخدام أدوات ملوثة بالفيروس مثل أدوات طبيب الأسنان أو شفرات الحلاقة أو أدوات الوشم والإبر الصينية.

**

مخزون الدم الأردني آمن

يؤكد البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز أن الأردن لا يعاني من مشكلة الدم الملوث: "لم تسجل حالة إصابة واحدة نتيجة عملية نقل دم داخل الأردن، بعد العام 1988. كل الدم في الأردن بعد هذا التاريخ آمن".

**

الإيدز: الفيروس يتعاون مع المجتمع على قتل المريض
 
21-Aug-2008
 
العدد 40