العدد 39 - كتاب
 

يتساءل بعضهم ويستغرب، وبحق، كيف يمكن أن يصل إجمالي قيمة الودائع لدى وحدات الجهاز المصرفي الأردني، إلى أضعاف رقم قيمة النقد الأردني المصدر أو إجمالي ما قام البنك المركزي بطبعه. يؤكدون ملاحظتهم بالاستشهاد برقم قيمة النقد الورقي المصدر نهاية 2007 البالغ 2350 مليون دينار؛ في حين ارتفع رقم إجمالي الودائع بالدينار، عدا الودائع بالعملات الأجنبية، في نهاية السنة نفسها، إلى 10618 مليون، أي أربعة أضعاف النقد الورقي المطبوع، ويتساءلون: كيف حدث ذلك، وما هي تداعياته؟.

الإجابة المبسطة عن تساؤل كهذا تتلخص بأن البنوك، ومن خلال أكثر من أداة، تستطيع أن تولد النقود المصرفية عن طريق فتح حسابات الودائع المختلفة وقبولها، بخاصة دوافع الطلب منها والحسابات الجارية المدينة، مع قيامها بمنح قروض أو تسهيلات ائتمانية لجهات وأغراض مختلفة مقترنة بشرط فتح حسابات بها.

لو اقتصر الأمر على عمليات الإيداع النقدي والسحب النقدي من الودائع والقروض، لما تمكّنت البنوك من خلق القيود الائتمانية، لكنها من خلال تزويد عملائها بدفاتر الشيكات كأداة لمسحوباتها ومدفوعاتها وقابليتها للتظهير، فتحت الباب الأول لبداية مسلسل توليد النقود المصرفية، إذ إن قيام مودع بدفع التزام عليه لشخص آخر بموجب شيك قد يدفع الأخير لفتح حساب وديعة جديد بقيمته لدى البنك والفرع نفسه، أو لدى بنك وفرع آخر، وتتكرر إمكانية حدوث ذلك كثيراً.

إلى جانب استخدام الشيكات في تسوية المدفوعات، نجحت البنوك من خلال تعميم قيام عملائها باستخدام بطاقات الدفع الائتمانية «Credit Cards» في توسيع نطاق توليد نقود مصرفية جديدة.

يتعزز ذلك ويتوسع، كلما ارتفع عدد الوحدات المصرفية (البنوك العاملة) في بلد ما، وكلما ازداد عدد فروع كل بنك منها، وكلما تواجدت هذه الفروع في مساحات جغرافية أوسع، بما يمكن من استقطاب متعاملين أكثر كمودعين ومقترضين، ومدفوعات أكثر، وإمكانية تحول بعضها إلى ودائع جديدة، لأن المستفيد في الشيك في أكثر من حالة يحوله إلى وديعة حتى وإن كانت مؤقتة أو جزئية. لذا يلاحظ حرص البنوك على تحفيز وتشجيع عملائها على فتح الحسابات، بخاصة في الودائع تحت الطلب والحسابات الجارية المدينة، وإلى استخدام الشيكات كأداة للدفع.

توسع الاستخدامات الإلكترونية وتطور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في الأعمال المصرفية يشكل عنصراً إضافياً في تمكين البنوك مجتمعة من توليد المزيد من النقود المصرفية.

البنوك ترغب بالتأكيد في زيادة أرقام النقود المصرفية، لأن أي وديعة ناجمة عن هذا النوع تمكّنها من التوسع في منح المزيد من القروض والتسهيلات، واستمرار دوران الحلقة، وتمكينها من تحقيق ربحية إضافية وبمعدلات عالية نسبياً، وإذا كان المواطن العادي لاحظ تضاعف رقم الودائع عن قيمة «النقد المطبوع المصدر»، فإن رقم إجمالي القروض سار في الاتجاه التصاعدي لرقم الودائع نفسه.

قدرة البنوك على توليد النقود مدفوعة برغبة في ربحية أعلى، يؤدي أيضاً إلى ارتفاع موازٍ في نسبة السيولة النقدية بالاقتصاد، وتحفيز طلب بأكثر من عرض السلع والخدمات، وحدوث تضخم وغلاء خطر في الاقتصاد وفي تداعياته الاجتماعية.

مخاطر كهذه قد تكون جسيمة من قبل البنوك. والإفراط في توليد النقود المصرفية يتطلب تدخل البنك المركزي الذي يستطيع التأثير المفيد من خلال استخدام "أدواته" أو "أسلحته النقدية"، التي تتلخص في تقييد توجيهات البنوك للإقراض، بشكل مباشر، أو من خلال زيادة «نسبة الاحتياطي النقدي»، الذي تلزم البنوك بالاحتفاظ به لديه من دون فائدة؛ في ما نجحت البنوك في زيادة قدرتها في توليد النقود عندما قرر المركزي تخفيض هذه النسبة في نهاية التسعينيات من 14 بالمئة إلى 8 بالمئة، من إجمالي ودائعها، والنسبة الأخيرة رفعت قبل أسابيع إلى 9 بالمئة فقط، مع أن الوضع النقدي، والمصرفي، والاقتصادي، والاجتماعي الحالي، يتطلب رفعها أكثر، وكما لوحظ ذلك مؤخراً في قرار مؤسسة النقد التي رفعتها إلى 13 بالمئة.

أحمد النمري: توليد النقود المصرفية
 
14-Aug-2008
 
العدد 39