العدد 39 - اقتصادي
 

جمانة غنيمات

يعكس تأخر الوزارات والدوائر الرسمية في تنفيذ المشاريع الرأسمالية رغم رصد مخصصات لها في الموازنة العامة للسنة المالية للعام 2008، تقاعساً عن أداء الدور المطلوب من هذه المؤسسات، خصوصاً ما يرتبط بإقامة مشاريع ضخمة وأخرى خدماتية تسهم في تحسين المستوى المعيشي للمواطنين.

الأثر الأكبر لتدني مستوى هذا الإنفاق المرغوب ينعكس مباشرة على مسيرة التنمية، كون هذه المبالغ مخصصة لمشاريع تساهم في تحسين نوعية الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين بهدف الارتقاء بمستوى معيشتهم.

وينعكس تواضع هذا النوع من النفقات على الأداء العام للاقتصاد، ويؤثر في النمو الاقتصادي للمملكة، المتوقع تراجعه مع نهاية العام الجاري بحيث لا يتجاوز 4.4 بالمئة مع نهاية العام.

يؤكد تقرير حكومي، حول مستوى الإنفاق وتقدم سير العمل في المشاريع الرأسمالية المدرجة في قانون الموازنة العامة 2008، "أن هناك مؤسسات رسمية لم تنفق فلساً واحداً على مشاريعها؛ في حين بلغت نسبة الإنفاق الرأسمالي حتى نيسان/إبريل الماضي 20.1 بالمئة في المتوسط".

يقدَّر حجم النفقات الرأسمالية المرصودة في الموازنة العامة للعام الحالي 1.12 بليون دينار مقابل 841.8 مليون دينار للفترة نفسها من العام الماضي، أي بنسبة زيادة تصل إلى 33 بالمئة.

الخبير الاقتصادي يوسف منصور يؤكد أن تخفيض هذه الإنفاقات لن يؤدي فقط إلى تخفيض حجم الناتج المحلي الإجمالي، إذ إن لهذه الإنفاقات "الأثر الاقتصادي الأكبر على النشاط الاقتصادي، وبالتالي الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام، كما أن انخفاضها سيؤثر في مستقبل الاقتصاد ودُخول الأردنيين العاملين في القطاع الخاص وتنافسية الاقتصاد ككل".

يوضح منصور أن هذه المعلومات التي يصفها بـ"المخيبة للآمال" تأتي في خضم توقعات موضوعية بأن يتجاوز التضخم هذا العام 15 بالمئة، والتوقع بأن لا يتجاوز معدل النمو 4.5 بالمئة، متراجعاً بذلك عن معدل نمو 5.9 بالمئة للعام الماضي.

80 بالمئة من إنفاق الحكومة يذهب لدفع الرواتب ومعاشات التقاعد، و10 بالمئة تذهب إلى سداد الدين الذي راكمته الحكومات المتتالية ضمن سياسة مملة ومعهودة، هي تجيير العبء إلى الحكومة اللاحقة واتخاذ قرارات الإنفاق بشكل طارئ غير مبرمج، بحسب ما يقول منصور.

ويضيف أن انعدام المرونة في الموازنة يعني أن أي مبادرات جديدة في الإنفاق على المشاريع الكبرى أصبحت تشكّل عبئاً إضافياً يتحمله المواطن من خلال الرسوم والضرائب، ليصل حجم موازنة الحكومة هذا العام إلى 55 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يجعل الإخفاق في تحفيز النفقات الرأسمالية أمراً ذا حساسية.

يلفت منصور إلى أن أي حكومة لا تستطيع أن تتبرأ من التزاماتها في دفع الرواتب والتقاعد، بينما لا يتوفر وازع مؤسسي لتعظيم النفقات الرأسمالية المنصوص عليها في موازنتها.كما أن عدم إنفاق مخصصات بند "النفقات الرأسمالية" يمنح أي حكومة مرونة في تحويل مخصصات هذا البند (تحديث مبانٍ، آليات، تكنولوجيا، وبنية تحتية) إلى بند النفقات الجارية (رواتب وأجور)، وتخفيض عجزها المتوقع (12 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي).

انخفاض وتيرة الإنفاق على النفقات الرأسمالية في ظل ارتفاع التحصيل الحكومي للضرائب والرسوم وارتفاع الغلاء، يعدّه منصور انتقالاً قاسياً للمنفعة من المواطن للحكومة، كما يقلل من نوعية الإنفاق الحكومي وجودته وأثره الإيجابي في الاقتصاد الأردني، إضافة إلى أنه يكبت من إمكانية تحفيز دخل القطاع الخاص وتنافسية الاقتصاد.

وكانت أهم الوزارات والمؤسسات التي لم تنفق أكثر من 15 بالمئة من مخصصاتها هي: دائرة الشؤون الفلسطينية، الجمارك، قاضي القضاة، الخدمة المدنية، التعليم العالي والبحث العلمي، المركز الجغرافي الملكي الأردني.

وزير المالية الأسبق سليمان الحافظ يؤكد على أهمية النفقات الرأسمالية، وضرورة استخدامها بالشكل الأفضل، بحيث تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني،: "ينبغي عدم رصد أي مبالغ لمشاريع لا يمكن تنفيذها، ويتوجب توجيه المخصصات للمشاريع القابلة للتنفيذ بنسبة عالية".

ورأى الحافظ في رصد المخصصات دون تنفيذ المشاريع أمراً يضخم الموازنة بشكل غير مجدٍ، مؤكداً أنه "ينبغي ألاّ يُحوَّل أي مخصص من النفقات الرأسمالية إلى الجارية".

يُذكر أن الملحق الإضافي رفع حجم موازنة العام الجاري إلى 5.46 بليون دينار، مقارنة بـ4.8 بليون دينار العام الماضي، بزيادة 14 بالمئة؛ في ما كانت نسبة النمو مطردة خلال السنوات الخمس الأخيرة في أحجام الإنفاق الحكومي، حتى وصلت نسبة الزيادة إلى 200 بالمئة.

ويوضح أنه عند التدقيق بالنفقات الرأسمالية، يتضح أن جزءاً كبيراً منها نفقات جارية: رواتب، أجور، دراسات، أثاث وخلافها، ما يعني ضرروة التقيد بالجزء المتبقي والمتضمن الإنفاق على البنى التحتية.

وصف التقرير الرسمي، الذي صدر مؤخراً، نسبة الإنفاق بالمتواضعة ودون المستهدفة لمثل هذه الفترة من السنة، إذ ما زالت نسبة الإنفاق ضعيفة جداً؛ فيما أكدت مصادر حكومية أن هذه النسبة ستزداد حتى نهاية العام، لكنها لن تتجاوز نسبة 60 بالمئة من إجمالي المخصص.

التقرير، الذي أعد في حزيران/ يونيو الماضي، أظهر أن 48 بالمئة من المشاريع الرأسمالية، أو ما يقارب 443 مشروعاً، لم يتم البدء بتنفيذها بعد، ولم يُنفق عليها أي مبلغ خلال هذه الفترة.

واشتمل التقرير على ثلاثة أسس لقياس الأداء هي: الجهة المنفذة، القطاعات الوظيفية، ومستوى الإنفاق وفق التوزيع الجغرافي، والذي وزع الإنفاق بناء على المحافظات.

ودعا الحافظ إلى ضرورة أخذ الدروس اللازمة من تضخيم النفقات الرأسمالية والاستفادة منها في موازنة العام المقبل.

تدني الإنفاق الرأسمالي يبطئ مسيرة التنمية والنمو
 
14-Aug-2008
 
العدد 39