العدد 6 - ثقافي
 

القاهرة - في “قاهرة المعز”، وبالتحديد في “مدينة نصر”، شهد حوالي 15 ألف مصري قبل أيام معدودة (وبالتحديد يوم الجمعة ديسمبر 7) مهرجانا موسيقيا تشكلت فكرته منذ أكثر من سنة في عقل أحد الموسيقيين المصريين البديلين، وهو عازف الجيتار محمد لطفي، المعروف في الأوساط المصرية والعربية بـ “أوسو”. تعبير موسيقى عربية “بديلة” حديث العهد. ويتساءل الكثيرون عنه في الأردن وبلاد الشام عامة، ولكن في مصر هنالك الآلاف من الشباب المتحمس ممن أضحوا من المعجبين الجديين بفرق موسيقية عربية بديلة ترفض أن تعزف الموسيقى التجارية التي تملأ الأسواق أوتشوه العقول، ويفضلون أن يعزفوا موسيقاهم الخاصة التي عادة ما تتميز بمزجها لمفردات موسيقية شرقية وغربية في توليفة يمكن، (أحيانا وبتحفظ)، إطلاق تعبير “الفرانكو آراب” عليها شريطة خلوها من ملامح الجاز الشرقي والراب العربي وغيرها.

وعلى بساط من النجيل (العشب الأخضر) جلس كثير من الشباب لسماع موسيقى وفرها مهرجان “إس أو إس” (ومعناه: أنقذوا أرواحنا!)، على يد فرق موسيقية مصرية بديلة أولها فرقة “نغم مصري” التي تلحن كلمات للشاعر المصري الشعبي واليساري أحمد فؤاد نجم بتوليفة موسيقية خاصة يصدح صوت المغني الأساس بها والمعروف بـ “شربيني” ليذكرنا بأمجاد مصر الموسيقية في زمن مضى. تلا ذلك عدد من فرق الروك المصرية (فرقة “بلاك تيما” وفرق “وايفرن” و “ليموزين” و “ماسكارا”)، وفرقة المزج الموسيقي بملامح الجاز “فويسز فروم ذا ساند” (أصوات من الرمال) وفرقة “جميزة” (الفرقة الموسيقية صاحبة الألحان النوبية بنفس معاصر)، انتهاء بعرض موسيقي لي، كموسيقية بديلة من الأردن، حيث قدمت عرضا من كلماتي وألحاني مع موسيقيين مصريين وأردنيين رائدين في مجال الموسيقى البديلة وينتمون لعدد من الفرق المصرية مثل “نغم مصري” و”صحرا” و “افتكاسات”، والأردنية تحديدا “زمن الزعتر.”

مهرجان “إس أو إس” سلط الضوء على ثقافة الشباب المصري الموسيقية التي تختلف بشكل كبير عن تلك المتوفرة في الأردن. أهم الفوارق الواضحة بين الشارع المصري والشارع الأردني – خصوصا في ما يتعلق بالموسيقى العربية البديلة – هو ثقافة “المعجب الموسيقي حتى النخاع” لفرقته الموسيقية البديلة المفضلة التي يفتقر لها الأردنيون. فبالإضافة إلى أن مصر “أم الدنيا” موسيقيا من خلال تواجد بنية تحتية موسيقية كبيرة في مصر والتعدد الهائل للفرق التجارية والبديلة فيها، و أن عدد سكان القاهرة وحدها يفوق ضعف عدد سكان الأردن، فقد كان من الواضح أن المصريين يتمتعون بشغف واضح للموسيقى الجريئة وحماسة غريبة وتواضع عام وإعجاب مبالغ به أحيانا لمن اختارته آذانهم أو قلوبهم كفرقتهم أو مغنيهم/مغنيتهم الأقرب إلى القلب. فيما يتعفف الكثير من الأردنيون عن التعبير عن مشاعرهم أمام موسيقيي بلادهم (مما يصب في نظرية أن الأردني لا يبتسم) تجد المصريين يعبرون عن عواطفهم الجياشة بعد العرض الموسيقي باستفاضة قلما نشهدها في عمان.

وفارق آخر شديد الوضوح هو العدد الكبير من المعجبين الموسيقيين المصريين الذين ينتظرون مهرجان “إس أو إس” بفارغ الصبر، بينما هنالك بضعة مئات من محبي الموسيقى غير التجارية في الأردن، مما يعني أن قاعة مليئة بـ 700 شخص فقط في عمان هو المقياس الأردني لنجاح الحفل الموسيقي! فمتى ستنهض عمان لتوفر الدعم الروحي والموسيقي للموسيقيين والمستمعين على حد سواء! فهنالك شركات كبرى من القطاع الخاص في مصر وراء “إس أو إس” بينما تحفى الأقدام في عمان من أجل توفير دعم لمواهب أردنية اندثر معظمها لشح الموارد!

على كل حال، الأمر المضيء هو أن مصر تفتح الأبواب أمام الموسيقيين المختلفين والبديلين لتؤشر على ولادة عهد جديد لموسيقى عربية مختلفة وذات روح عالية وهي ستضاهي عما قريب الموسيقى التجارية وتأخذ حيزها في الشارع العربي لتسمح للذائقة العربية بالرجوع إلى ما كانت عليه عندما كانت يوما تتغنى يموسيقى عبقرية بصوت أم كلثوم وتلحين السنباطي وعبد الوهاب وغيرهم من العمالقة. لقد مللنا “الهشك بشك” وحان الوقت لعودة المعاني التي تنهض بأمتنا من سباتها الحضاري العميق! فيا أهلا ويا سهلا بـالـ “إس أو إس”!

للتعرف على مهرجان “إس أو إس” يرجى زيارة الموقع الإلكتروني بعنوان http://www.sosmusicfestival.com/ .

الموسيقى العربية البديلة – ربى صقر
 
13-Dec-2007
 
العدد 6