العدد 39 - أردني
 

محمد شما

لم يكن العام 2008 جيداً للمراكز الثقافية المتخصصة في تقوية الطلبة في مساقات التعليم، فمنذ قرار وزير التربية والتعليم تيسير النعيمي، قبل ثلاثة أشهر، بمنع المراكز من إعطاء الدروس الخصوصية وفقاً لمناهج الوزارة، وهي تعاني من أزمات مالية متلاحقة.

الوزارة استندت إلى القانون، وأعلنت أن تلك المراكز خالفت أحكام قانون التربية والتعليم الذي ينص على عدم إعطاء الدروس خارج أسوار المدارس الحكومية والخاصة المرخصة. ورأت أن منعها يأتي من باب «وجود مدارس تدرّس المناهج».

الصحفي باتر وردم، راجع توصيات الأجندة الوطنية وهيئة «كلنا الأردن» ولجنة «الأردن أولاً» والاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي كافة، ولم يجد أي فقرة تتضمن منع المراكز الثقافية من تدريس مناهج الثانوية العامة للطلاب. يقول: «قرار منع مراكز تدريس مناهج الثانوية ظلم اجتماعي وتعليمي».

دور المراكز الثقافية في الأردن تعاظم منذ سنوات مضت، ولم يكن وليد السنوات الأخيرة، لكن هذه المراكز، على كثرتها، «لم تضف شيئاً إلى قطاع التعليم، وما انتشارها سوى طفرة، كان وقودُها تراجع دور المدرسة في التعليم، خصوصاً في المرحلة الثانوية»، يقول أكاديمي بارز متحدثاً لـ«السّجل».

لكن تلك المراكز ما كانت لَتظهر لولا النقص الذي يستشعره طلبة المدارس، خصوصاً طلبة صفوف الثانوية العامة، الذين أقبلوا بكثافة عليها، لتتحول هذه المراكز إلى مدارس يؤمها الطلبة، إذ يشهد الصف الواحد حضور تسعين طالباً، خصوصا في مساقات تقوية المناهج العلمية.

وزارة التربية كانت أعلنت سابقاً عن قرار يقضي بمنع المراكز الثقافية، المنتشرة في أرجاء المملكة، من تدريس مناهج الثانوية العامة في خطوة باركها مجلسا «النواب» و«الأعيان».

«نحن مستمرون في إعطاء تراخيص لهذه المراكز»، هذا ما يقوله مدير إدارة التعليم العام وشؤون الطلبة في وزارة التربية، محمد العكور، مضيفاً: «ما قررته الوزارة هو وقف إعطاء دورات تقوية مبنية على الكتاب المدرسي، كون الجهة الوحيدة المفوّضة بتدريس الكتاب المدرسي هي المدرسة».

وزارة التربية -وفق العكور- لا تفكر جدياً في إغلاق المراكز الثقافية، فالقرار اتُّخذ بعدما ازداد عدد هذه المراكز، «لقد شُوِّهَ كتاب المدرسة واختُصر إلى أبعد الحدود، حيث يعطى للطالب على شكل دوسيات مختصرة مفرغة من محتواها، وأصبح لدينا متاجرة على حساب كتاب المدرسة ومصلحة الطالب.. ممنوع على أي مؤسسة أخرى غير المدرسة، أن تقوم بتدريس هذا الكتاب الذي يعدّ ملكاً لوزارة التربية والتعليم، ونحن لا نريد أن نترك الحبل على الغارب»، يقول العكور، مشيراً إلى أن هذه المراكز سيتم اقتصار دورها على تدريس المهارات التي يحتاجها الطالب عند انتهائه من المرحلة المدرسية.

محمد، طالب توجيهي، يقول: «هناك الكثير من المعلمين في المدرسة لا يستطيعون إيصال المعلومة لي، لكنني في المركز أستوعب أكثر»؛ في ما ترى الطالبة ليما أن المراكز الخاصة كانت تمثل لها التعليم الأولي لمناهج الثانوية العامة. «والدي أنفق مبالغ طائلة على تعليمي في المراكز لإيمانه بأهميتها»، تقول ليما.

الشاب أبان الهندي، يقول: «لا أشك أن للمراكز الثقافية فائدة كبيرة، لكنها إذا قورنت بسيئاتها فالحسنات هنا لا تُذكر، إذ إن هّم المدرسين في هذه المراكز ه جمع المال (لا أعمم، لكن الأغلبية كذلك للأسف) مقابل إلحاق الضرر بمعلمي المدارس الحكومية والخاصة».

«يأتي انتشار هذه المراكز في ظل ضعف مستوى التعليم في المدارس بشكل عام، وتحديداً في المدارس الحكومية»، هذا ما جاء به سامي، أب لأربعة أولاد، ويضيف: «التعليم في المدارس الحكومية ضعيف، وبالتالي سأضطر للّجوء إلى هذه المراكز. لدي ابنة الآن في التوجيهي، ولا أتوقع أن تتخطى هذه المرحلة، خصوصاً أن هناك الكثير من الطلبة ممن لديهم قدرة على توفير الإنترنت والحصول على مدرس خصوصي، وهذا ما لا أستطيع توفيره لابنتي، فكيف ستنجح؟».

أحمد لديه ثلاثة أبناء، وهو يرى أن هذا القرار لا يصب في مصلحة الطالب. «التعليم في المدارس الحكومية يقاس بأقل من 50 بالمئة، لذا يضطر الطالب للذهاب إلى المراكز الثقافية، لأنه يريد النجاح، ولا يوجد اهتمام في المدارس الحكومية، فإذا كان التعليم جيداً في المدرسة لماذا أرسل أولادي إلى هذه المراكز؟ بالعكس، سأوفر مبالغ طائلة».

أصحاب مراكز عدّوا قرار وزارة التربية مجحفاً بحقهم، ويلحق بهم أضراراً مالية، وهذا ما دفع نقابة أصحاب المراكز الثقافية إلى توجيه رسالة إلى الملك عبد الله الثاني تناشده الإيعاز للحكومة بإعادة النظر بالسماح بإعطاء الدروس الخصوصية.

تقدر النقابة في رسالتها عدد الطلاب الذين يلتحقون بتلك المراكز بحوالي 80 ألف طالب؛ فيما يصل عدد المراكز الثقافية إلى 520 مركزاً في مختلف مدن المملكة، منها 370 في العاصمة عمّان وحدها.

أحلام، صاحبة مركز ثقافي، تقول إن هناك الكثير من المراكز التي تركز على البرمجة فقط ولا تقدم الدروس الخصوصية، وهي ترى أن هذه المراكز ظُلمت. تقول: «من المستحيل على الطالب الذي يفهم دروسه في المدرسة أن يأتينا، لكن الذين يرتادون مراكزنا يأتون بقصد الحاجة الماسة للفهم أكثر، وهذا القرار أثّر في المدرسين وفي حركة الطلاب في المركز».

هاني السلاق، مدير مركز ثقافي، يقول: «المراكز رافد، وقد رفعت سوية تحصيل الطالب في المباحث العلمية تحديداً، فلا مبرر لقانون الوزارة. المراكز كالمستشفيات الخاصة، لها دور مكمل لمستشفيات وزارة الصحة، ولا تعالجَ الأمور بالإغلاق ومنع التدريس».

يؤكد السلاق أن أعداد المسجلين لدى المراكز تراجع منذ قرار الوزارة. وهو لا ينكر وجود بعض المراكز التي تستغل الطلبة وترفع الرسوم عليهم، لكنه ينأى بالمراكز الكبيرة وصاحبة الحضور على الساحة الطلابية عن ذلك: «يدفع الطالب 15 ديناراً للمادة الواحدة على مدى ثلاثة أشهر، وهو مبلغ ضئيل».

أحد أولياء أمور الطلبة أكد أن ابنه يدفع مبلغا أكبر من ذلك بكثير، قال إنه 80 دينارا، ما دفع «السّجل» إلى التجوال بين عدة مراكز ثقافية، للاطلاع على رسوم التسجيل في المساقات، مركز « في الوحدات قال مسؤول فيه إنه يتقاضى مبلغ 60 دينارا على جميع مساقات الثانوية العامة، من انجليزي، رياضيات، فيزياء، كيمياء، عربي تخصص، علوم أرض، ما تعتبره إدارة المركز عرضاً يهدف إلى تشجيع الطلبة على التسجيل لفصل واحد (ثلاثة شهور ونصف الشهر).  

مركز آخر حدد مبلغ 60 دينارا فقط، لكل مساقات التوجيهي ومجمل صفوف الثانوية العامة. مركز ثالث في شارع الجامعة الأردنية، يتقاضى مبلغ 75 ديناراً على مساق الإنجليزي والعربي عامة، فيما تصل رسوم باقي المساقات من رياضيات وفيزياء وكيمياء إلى 100 دينار.

مركز «عريق» يحدد رسم 60 دينارا لمساقي اللغة الإنجليزية والعربية عامة، أما تخصص اللغة العربية فيصل رسم التسجيل فيه إلى 85 دينارا، في حين أن الرسم الخاص بالرياضيات والفيزياء 80 دينارا.  

مركز آخر يتقاضى مبلغ 60 دينارا على مساق اللغة الإنجليزية، فيما يصل رسم مساقات الرياضيات العلمي 80 دينارا، والرياضيات أدبي 50 دينارا، والفيزياء والكيمياء 80 دينارا و الحال ينسحب على مساق العربي تخصص فرع أدبي.

بما يتعدى الأسعار هناك من يحذر من تداعيات منع التدريس في المراكز الثقافية.

«منع المراكز سيدفع الطلبة للتعليم الخصوصي في البيوت، ما سيحرم الطبقة الفقيرة والمتوسطة من التعليم في تلك المراكز. بالمقابل هناك مدارس تابعة للوزارة لا يوجد فيها معلمون لبعض المواد»، يقول هاني السلاق الذي كان شاهد عيان في إحدى مدارس الوزارة في منطقة سحاب.

خليل مسّاد، مدير مركز، لا ينفي وجود بعض المعلمين الذين أساءوا للمراكز وكانوا دخلاء، كأن يتغيبوا عن المدارس لصالح الدوام في المراكز، وهو ما أثر سلباً في المدارس التي تدنى حضور الطلبة لصفوفها، «لكن ذلك لا يعني أن تقوم الحكومة بمنعنا من تدريس المنهاج»، يقول مساد، ويضيف: «نعمل تحت مظلة وزارة التربية، ولدينا ترخيص منذ سنوات عديدة، وعملنا قانوني، والشروط التي نعمل فيها تقع ضمن ما تحدده الوزارة».

وكان أصحاب المراكز الثقافية اجتمعوا بوزير التربية والتعليم تيسير النعيمي، قبل شهور، واتفقوا على «استمرار المراكز في تقديم الدروس الخصوصية حتى شهر أيلول/سبتمبر المقبل،» واشترطت الوزارة تحديد أعداد الطلبة في صفوف المركز، بنحو 35 طالباً كحد أقصى في الشعبة الواحدة، بعد أن كان بعضها يحوي ما ينوف عن الخمسين. ولم تتم الإشارة الى الخطوات التي ستُتخذ بعد التاريخ المذكور.

القرار يفتح الباب أمام التدريس الخصوصي في المنازل: منع المراكز الثقافية من إعطاء دروس للطلبة
 
14-Aug-2008
 
العدد 39