العدد 39 - أردني
 

حسين أبو رمان

تتمثل الوظيفة الفعلية للتوجيهي في التهيئة للقبول في الجامعات. مع ذلك يضطر آلاف من الطلبة لتقديم هذا الامتحان، رغم أنهم لا يعتزمون الالتحاق بالجامعات.

فهل يتلقى الطالب تعليماً متواصلاً، لاثنتي عشرة سنة، من أجل التزود بالمعارف والمهارات الضرورية له في حياته، أم من أجل أن يقدم امتحان التوجيهي في نهاية الأمر؟

فكرة الفصل أو فك الارتباط بين التوجيهي وبين القبول في الجامعة، تكتسب أهمية متزايدة. يوضح فوزي غرايبة، وزير التربية والتعليم الأسبق، أنه ما دامت وظيفة الشهادة الثانوية الفعلية هي القبول الجامعي، فما الذي يمنع من اعتماد بدائل لهذه الوظيفة أكثر فاعلية، وأقل ضرراً من هذا الامتحان؟ هذه ليست "بدعة". هناك "دول مثل الولايات المتحدة الأميركية وتركيا لا وجود للتوجيهي أو ما يعادله فيها"، يؤكد غرايبة.

امتحان التوجيهي يقترب في عمره من نصف قرن، هذا يؤشر إلى صعوبة التفكير بالاستغناء عنه. هناك حاجة إلى موقف جريء من حكومة جريئة تتخذ قراراً بإلغائه. فالميل العام هو تفادي الاقتراب من المسائل الصعبة أو التي تبدو إشكالية، وهو ما يحتاج في كل الأحوال إلى تهيئة تدريجية في هذا الاتجاه. لعل من المناسب أن يطرح هذا الموضوع للحوار العام ثم، لحلقات من الاختصاصيين والخبراء، لأن قراراً من هذا النوع يحتاج إلى دعم مجتمعي له.

محمد صايل عبيدات، مدير امتحانات سابق في وزارة التربية والتعليم، يؤكد أن الوزارة "لا تميل إلى تغيير السياسات والإجراءات بسهولة، حتى البسيط منها أحياناً"، ويستشهد كيف أن الوزارة ما زالت ترضى بتقديم امتحان كتابي في مادة الحاسوب، التي ينبغي أن تكون الأولوية فيه هي لإتقان مهارة الاستخدام، وليس الحفظ.

في 11 آب/أغسطس الحالي، صدرت توصيات عن اللجنة الملكية لتطوير التعليم، يؤخذ عليها رغم أهميتها أنها اتسمت بالحذر حين اقتربت من موضوع التوجيهي، إذ دعت إلى "التوجه على مدى ست سنوات مقبلة لاعتماد نظام الامتحان متعدد المكونات لخريجي المرحلة الثانوية العامة، حتى تخفف وطأة الضغط الخاص بامتحان التوجيهي". أما بقية التوصيات، فهي جيدة، وركزت على تطوير المناهج والقيم الإنسانية والديمقراطية، وتحسين تأهيل المعلمين وأحوالهم المادية، وتعميم رياض الأطفال وتطوير الإدارة، وهي توصيات تنتظر أن تجد طريقها للتنفيذ.

فوزي غرايبة، الرئيس الأسبق للجامعة الأردنية، هو أول وزير تربية وتعليم يجهر بقناعته بضرورة إلغاء التوجيهي وهو على رأس عمله، وذلك قي أثناء توليه المنصب في حكومة فايز الطراونة. الظروف الانتقالية آنذاك لم تشجع على إجراء تعديلات جذرية في السياسات والأمور المستقرة، مع ذلك واصل غرايبة تمسكه بهذا التوجه، وعبّر عنه بمحاضرة ألقاها في مؤسسة عبد الحميد شومان، في الأول من شباط/فبراير 1999.

مؤسسات الدولة، حين تشترط حصول المتقدمين إليها بطلبات توظيف على شهادة التوجيهي، فذلك لأن التوجيهي موجود، ولو لم يكن قائماً لما طلبته، واكتفت بالشهادة الثانوية التي تشتمل على علامات الطالب المدرسية. ما عدا موضوع القبول الجامعي، فإن ما يهم مؤسسات الدولة، هو الاطمئنان إلى أن الطالب تلقى التعليم اللازم ونجح في اختباراته، واكتسب المهارات المرغوبة.

إذاعة "عمّان نت" أجرى في وقت سابق استطلاعاً صوّت فيه 385 شخصاً. الاستطلاع خرج بنتيجة مثيرة، إذ أيد أكثر من نصفهم فكرة إلغاء التوجيهي واعتماد نظام قبول في الكليات والجامعات، فيما طالب 23 بالمئة بالتمسك به، واقترح 22 بالمئة إجراء تغييرات فيه.

تعقيباً على نتائج الاستطلاع، قال التربوي حسني عايش إن الامتحان لا يقرر مستوى الطالب وقدرته، "فهو عبارة عن حفظ وتذكر واسترجاع قصير لا قيمة له، ولا يقيس سوى أدنى صفات التعلم وهي التذكر والاسترجاع، أما الصفات النوعية كالقيادة والمبادرة والتعاون والإبداع والخُلق فلا يقيسها الامتحان، مع أنها هي الأهم في تقييم الشخص".

ينطوي امتحان التوجيهي على نوعين من المشاكل. الأول يتعلق بالامتحان نفسه، فالامتحان مصمم أساساً لقياس قدرات الطالب على الحفظ والاستذكار، ما يعكس الخلل المزمن في العملية التربوية نفسها، بينما ينبغي أن يكون الامتحان أداة متكاملة لتقييم شخصية الطالب وقدراته ومهاراته وقابليته للتطور. بالنظر إلى المهارات التي يتعين على الطالب الجامعي إتقانها، فالامتحان بالطريقة المصمم بها لا يشكل أداة صالحة لتوجيه الطلبة نحو التخصصات الجامعية. لكن التعليم الجامعي الذي ما زال يعتمد التلقين والاستذكار، هو الآخر، يغطي على عيوب التوجيهي.

النوع الثاني من المشاكل التي يشتمل عليها التوجيهي، ناجم عن وظيفته كأداة قبول للجامعة. في ظل زيادة الطلب على العرض من المقاعد المتاحة في الجامعات الحكومية، تحول الامتحان إلى كابوس حقيقي للطالب وأهله، وربما للأقارب والجيران والبقال. ذلك ناجم عن أن الامتحان يتحكم بمصير الطالب، فإما ضوء أخضر لمتابعة الدراسة العليا، وإما إغلاق لأبواب التعليم والتوظيف أمامه.

الاستبداد الذي يمثله التوجيهي بمصائر الأجيال، يولد هذا المناخ غير العادي من التوتر والرهبة لدى الطالب وذويه على حد سواء.

يرى غرايبة أن هذا التوتر عطّلَ قدرة التوجيهي على القياس الحقيقي لإنجازات الطالب وقدراته، فالمتوتر الخائف لا يتمتع بصفاء الذهن ولا بهدوء البال اللازمين للإجابة. بهذا يصبح الامتحان مرادفاً لخلل جديد، ناجم عن البيئة المحيطة التي أرساها هو نفسه.

وما دامت وظيفة التوجيهي الرئيسية هي كونه أداة للقبول الجامعي، فإن إلغاء الامتحان ينبغي أن يقترن بحلول مناسبة لمسألة القبول في الجامعات. هناك اثنان من السيناريوهات ذات الأولوية يقترحهما غرايبة:

يتمثل الأول في تكليف مركز وطني للامتحانات بإجراء امتحان القبول للجامعات الأردنية. يتقدم لهذا الامتحان الراغبون فقط في الدراسة الجامعية. ليس بالضرورة أن يكون الامتحان موحداً، بل ينبغي أن يراعي الفروق في الاحتياجات العلمية والتربوية لكل واحدة من الكليات. فاحتياجات كلية الطب، تختلف عن كلية الهندسة، وهذه تختلف عن كلية الحقوق، وهكذا.

وظيفة المركز الوطني للامتحانات حسب الاقتراح، تتطلب أن يكون "مستقلاً فنياً وإدارياً ومالياً"، لما يقدمه من خدمات مفترضة متنوعة لجهات متعددة، مثل "بناء وتطوير امتحانات معيارية للتحصيل المدرسي، إذ تصمم هذه الامتحانات لتحديد الأداء الأفضل للطلبة والمدرسة في المباحث والصفوف الدراسية كافة". وهناك امتحانات القبول للجامعات وكليات المجتمع، والدراسات العليا. كما يمكن أن يكلف بإعداد امتحانات لأغراض التصنيف والتوظيف وغير ذلك.

التربوي عبيدات، وهو مدير لمدارس خاصة، يشدد على أهمية وجود إدارة مستقلة للامتحانات، وفصل هذه الإدارة عن وزارة التربية والتعليم. "ينسجم هذا مع الرؤية التربوية الحديثة التي توكل إجراء الامتحان إلى جهة غير الجهة التي تتولى عملية التعليم، وهذا معمول به حالياً في مدارس مثل مدرسة الشويفات، ومدرسة البكالوريا "، كما يقول.

السيناريو الرئيسي الثاني الذي يدعو له غرايبة بشأن القبول الجامعي، يتمثل في أن تقوم كل جامعة بإجراء امتحانها الخاص للقبول على مستوى كل كلية من الكليات، ما ينسجم مع مسلّمة تربوية أساسية، هي أن الجامعات لا ينبغي أن تكون نسخاً كربونية عن بعضها بعضاً. بهذا تكرّس الجامعة خصوصيتها، وربما تميزها أيضاً. بوسع الجامعة الاستعانة بالخبرات المحلية والدولية التي تحتاجها، للتأكد من جودة نظام القبول الذي ستعتمده. يمكن أن تطبق الجامعة هذا النظام بشكل تجريبي مع بداية العام الدراسي على طلبتها الذي قبلوا بحسب نظام القبول الجامعي الموحد ساري المفعول، لأغراض توفير أساس صلب لتقييم الامتحان.

يلفت اقتصاديون إلى زاوية أخرى للنظر تتمثل في أن "اقتصاديات التوجيهي" مزدهرة، مما يرتب مصالح لفئات ترتبط بإدامة امتحان التوجيهي ومقاومة فكرة إلغائه. الامتحان يكلف ما بين 5 و6 ملايين دينار سنوياً، لتغطية مكافآت وضع الأسئلة و"التصليح" والمراقبة. فضلاً عن المستفيدين من إنفاق الطلبة المباشر على التوجيهي، مثل شراء الدوسيات والدروس الخصوصية، ومع الاستنفار في أيام إجراء الامتحانات وفي فترات الاستعداد لها، يتضاعف المبلغ. وكلما زادت مصالح المستفيدين من الامتحان، شكّل ذلك عقبة إضافية أمام التخلي عنه.

ليس من المرجح أن يتقدم أحد لإلغاء التوجيهي دفعة واحدة من دون مقدمات أو تهيئة للبدائل. عليه، فإن إقامة مركز وطني مستقل للامتحانات ومنفصل عن وزارة التربية والتعليم، يشكل خطوة مهمة، فمن الصعوبة تطوير العملية التعليمية في غياب نظام تقويم تربوي متطور. بهذا نقطع نصف المسافة نحو إلغاء الامتحان "الصنم".

على طريق فك ارتباط القبول في الجامعات به: التوجيهي “الصنم” ينتظر قراراً جـريـئـاً بـإلغائه
 
14-Aug-2008
 
العدد 39