العدد 38 - كتاب
 

وصف احد الكتاب التونسيين البارزين (الصافي سعيد) بلاده بأنها لا تشكو من مشكلات حادة. الأمر هو كذلك.فقبل عشرة أيام كان التونسيون يحتفلون بعيد السمك في منطقة حلق الوادي قرب العاصمة وسط عدد هائل من الجمهور، وعلى مقربة منهم كانت فرق شعبية تحيي حفلات مسائية للجمهور، وذلك كجزء من خدمات المجلس البلدي.

وغير بعيد عن هؤلاء كانت فرق شبابية تحيي الأحد الماضي حفلة اخرى، أمام المسرح البلدي في الشارع الطويل الذي حظر فيه مرور العربات.

كان الظن بأن أهل مصر، ولبنان هم أكثر الشعوب العربية إقبالاً على الحياة. التونسيون وبعد المعاينة القريبة يبزون أقرانهم في المشرق.اعداد هائلة من الجمهور تبارح البيوت في أمسيات الصيف وتسهر حتى مطلع الفجر في المطاعم والباحات والمقاهي. الأرصفة العريضة التي يزيد عرضها على عشرة أمتار تغص بالمقاهي التي ترتادها العائلات بما في ذلك الشرائح المحافظة وأفراد من سن العشرين الى الثمانين عاماً.

خلال ذلك لا يسمع الزائر زعيقاً ولا مشادات ولا يشهد عركات، رغم أن مزاج التونسيين عموماً ليس بارداً.غير أن ثقافة احترام الآخر سائدة ومرعية، أياً كانت هيئته أو زيه أو عمره أو جنسه، وعلى مدار الساعة في الليل أو النهار على السواء.

سمع كاتب هذه السطور نادلاً في مقهى يشكو من محاباة القانون عندهم للمرأة لدرجة أنه تزوج من مغربية لا من بنت في موطنه.غير أن المتحدث وعلى افتراض صحة كلامه وهو غير صحيح، يغفل المحاباة التاريخية وعلى مدى الدهر للرجل، والتي تجعل أية محاباة ناشئة ومزعومة لصالح المرأة،مجرد تعديل طفيف على سياق تاريخي صلد.

يمنع القانون التونسي تعدد الزوجات.في رأي مثقفة تونسية أن ذلك ينسجم مع مقاصد الشريعة : «ولن تعدلوا..» ولا يخالفها. الإناث أكبر عدداً من الذكور على مقاعد الدراسة، غير أن حجم عمالة النساء هو نحو ثلث حجم مشاركة الرجل. هناك مظاهر من التحرر الزائد في الأزياء، يفسره مثقف تونسي بمجاورة الأوروبيين جغرافيا والتدفق السياحي الى هذا البلد.

لكن أكبر عدد من السائحين هو لأبناء البلد انفسهم (تعداد التونسيين عشرة ملايين) وعدد سكان العاصمة أقل من مليونين.لا يطيقون البقاء بين جدران البيوت في اشهر الصيف، فيتدفقون على الشوارع والشواطىء والمهرجانات الصغيرة منها والكبيرة بأزياء رياضية لا تلقى تشنيعاً أو حتى التفاتاً من أي أحد.

يتعلق التونسيون بوطنهم ونمط حياتهم، ويحتفلون بالغريب ويرسلون للمشرق العربي نظرة رومانسية تنم عن احترام وفضول شديدين. يشترطون على سائق المركبة أن يكون سجله العدلي نظيفاً تماماً، وذلك لما ينقله من صورة الى الغير عن البلد.

هناك حرارة عالية نسبياً ورطوبة في الأجواء،يسهل تجاوزها في الأماكن المكيفة وفي نمط الحياة اللطيف المنشرح حتى يخال المرء نفسه خارج العالم العربي السعيد.

محمود الريماوي: عيد السمك
 
07-Aug-2008
 
العدد 38