العدد 38 - اقليمي
 

تحسين يقين

القدس ـ انتهى الأسبوع الثالث على تفجيرات الجمعة الدامية في غزة، بما أثارته من ردود فعل عنيفة، دون أن تستجيب حركة حماس حتى الآن لنداء الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالبدء بالحوار الوطني، والتي يبدو أنها منشغلة بالإجابة الخطية عن الأسئلة المصرية التي تمحورت حول الأهداف من الحوار ومدى جاهزية الإرادة تجاهه، والتي وجهتا مصر للفصائل الفلسطينية، دون ان تعبا بالرد المباشر على نداء السلطة.

أدت تفجيرات غزة لتفجيرات سياسية أعادت الساحة إلى حوادث الحسم العسكري لحماس في حزيران قبل عام، وسط أسئلة الشارع الفلسطيني المؤلمة عما آلت إليه الحال، خصوصا في لجوء عائلة حلّس إلى الإسرائيليين، الذين اعتقلوا القائد الفتحاوي أحمد حلس وعددا من رفاقه، في حين نقلت قوات الاحتلال عشرات من العائلة إلى أريحا.

الرئيس أبو مازن لم يسعد بهذا الانتقال، دفعه لتجرع هذا الدواء المر هو ما أمرّ منه، فقد بات الفارين من غزة عرضة للاعتقال والتنكيل بهم داخل غزة، فعمد -رغم اهتمامه المعلن بألا تفرغ غزة من سكانها- إلى بذل جهوده لتأمين وصولهم إلى الضفة، حيث استطاع التأثير على باقي الأهالي بالعودة إلى بيوتهم في حي الشجاعية.

ما زالت الساحة تحت تأثير متابعة -ما أصبح متداولا هنا على ألسنة الكتاب والمواطنين بالحلقة الثانية من الانقلاب -استمرار الرئاسة في الدعوة للحوار، وتشكيك حماس بها، بما يشي بأن حماس ليست في وضع يحفزها تسّرع فيه من الحوار، والذي يبدو أن حماس غير مهيأة لدفع استحقاقاته.

لقد أعلنت الحكومة المقالة انتهاء عملياتها، ولكن لم يرشح منها ما يدل بشكل قاطع على صدق اتهامها لحركة فتح بالضلوع في التفجيرات التي استهدفت عسكريي حماس، حيث وفقا لتصريحات وزير الداخلية المقال سعيد صيام، فإنه لم يتم سوى ذكر اتهامات عامة لأفراد وشخصيات ليس أكثر.

في الضفة الغربية، ورغم إعلان السلطة وحركة فتح أنهما لن يكررا ما تصنعه حماس في غزة،، إلا أنه طفت على السطح ردود فعل سلطوية وفتحاوية لم تلتزم تماما بتعهداتها، حيث قامت السلطة الوطنية هنا ببعض الاعتقالات، إحداها اعتقال حمساويين مشاركين في جنازة شهيد نعلين مساء الأثنين، مثيرة غضب الجمهور.

في هذا السياق هددت كتائب الأقصى في مدينة الخليل ،بأنها سوف تستهدف قادة حماس في الضفة إذا استمرت حركة حماس في اعتقال كوادر فتح في غزة.

غضب جزء من الجماهير في الضفة على مضايقة السلطة لقيادات وأفراد من حماس، رغم إعلان الرئاسة بعدم التعرض لمن لا ينتهك القانون، يقابله غضب فتحاوي لم يعد يحتمل ما تتعرض له الحركة في قطاع غزة من مضايقات من قبل حركة حماس هناك.

ذلك انتقل إلى ساحات أخرى خارج الشارع والمؤسسات هي ساحة الجامعات، حيث أغلقت جامعة القدس يوم الثلاثاء أبوابها أمام الطلبة بعدما شهدت خلافا بين كتلة الشبيبة الفتحاوية والكتلة الإسلامية التي تتبع حركة حماس، وتكرر الأمر في جامعة بير زيت، وليس من المستبعد أن ينتقل إلى جامعات أخرى، خصوصا مع اقتراب بدء العام الدراسي الجيد، حيث سيكون عدد الطلبة كبيرا وليس بضع مئات ممن سجلوا في الفصل الصيفي.

تطور ا لمنظور الإسرائيلي الآني والاستراتيجي للنزاع

إسرائيليا، تود حكومة الاحتلال كسب مزيد من الوقت، ، لكنها ترى أنها تدفع ثمن النزاع الداخلي وفقا للبريفسور إيال زيسر رئيس مركز ديان لدراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب ، حيث تنصرف الأنظار إلى النزاع في حين تبتعد عن قضية استعادة الجندي الإسرائيلي السير جلعاد شاليت.

من جهة أخرى يقرأ زيسر سلوك حركة حماس، التي يراها غير متسرعة في إتمام الصفقة، كون وجود الجندي الأسير في غزة ضمانة لحماس بالاستمرار في حكم القطاع، حيث سيصعب على إسرائيل ضرب قيادات حماس ما دام شاليت في أيديها. وقد عبر زيسر عن ذلك خير تعبير لما يطفو من ردود إسرائيلية، والذي لفت مقاله في جريدة «إسرائيل اليوم» انتباه المراقبين، خصوصا في توقع تغيير إسرائيل من موقفها تجاه حركة حماس، نتيجة الحوار الوطني المتوقع الذي تقوده مصر. يري زيسر أن إسرائيل ستضطر لدفع ثمن باهظ تحتاجه حركة حماس لتعزيز مكانتها في الشارع الفلسطيني.

كلام زيسر «منطقي»، ، فإذا بدأ الحوار الوطني الفلسطيني اتفقت الحركتان الكبيرتان فتح وحماس على صيغة ما لحكومة انتقالية، عندها لن يكون متيسراً على تل ابيب أن تدير ظهرها لهذا التوافق ، الذي قد يصبح أمرا وقعا ومستمرا خصوصا مع السيطرة الفعلية لحماس على غزة والذي يبدو أنه سيستمر طويلا حتى ولو جرى اتفاق ومصالحة بين فتح وحماس، حيث لن تعمد حماسلغعادة الاعتراف الفعلي بالسلطة الوطنية، ولن يكوناستجابتها إلا شكلا له بعد رسمي رمزي ليس أكثر، مع عدم وجود ضمانات لأحد هنا لأحد.

الساحة التفاوضية

ما يجري في المجتمع السياسي الفلسطيني ليس بعيدا عما يجري من مفاوضات بين منظمة التحرير وإسرائيل، فمنذ مؤتمر أنابوليس، الذي أعقب انقلاب حماس في قطاع غزة، والمفاوضات مستمرة بين الجانبين، رغم إدراك أكثر من طرف إقليمي ودولي بل وحتى أميركي وإسرائيلي بالذات، بأنه لن يتم إحراز تقدم في المفاوضات في ظل عدم جاهزية إسرائيل لدفع مستحقات السلام، وفي ظل مبرراتها حول الانقسام في فلسطين، فكيف يمكن إحراز أي تقدم في مسألة التفاوض، والفلسطينيون يعانون التنازع والاقتتال؟1.

لذلك فإن قراءة ما رشح عن المفاوضات بين الرئيس عباس الذي تنتهي ولايته بعد أشهر، ورئيس الوزراء إيهود أولمرت الذي أيضا سيرحل قريبا، يدل بشكل واضح أن حسم المفاوضات النهائية أمامه معيقات إستراتيجية، خصوصا بما يتعلق بمسألتي القدس واللاجئين.

فبعد سلسلة طويلة من المفاوضات وصل عباس وأولمرت إلى صيغة تتعلق بإمكانية التوصل إلى «اتفاق إطار» يكون أكثر من إعلان مبادئ وأقل من اتفاق تفصيلي، حيث يوافق الرئيس عباس على ذلك، وهو يدرك أنه الأمر الممكن في هذه المرحلة، بعدما أدرك أن الوصول إلى اتفاق تفصيلي -رغم تأكيده على ذلك كثيرا-ليس بالمستطاع.

ولعل تخوف الملك الملك عبد الله الثاني على الدولة الفلسطينية يدفع الفريقين في فلسطين إلى الإسراع في المصالحة، والتعاون معا في التفاوض مع إسرائيل، التي سيتحسن وضعها الدولي كلما تحسنت علاقات إيران بالغرب!.

هل تدفع الظروف حماس نحو الحوار.. وهل يتغير موقف تل أبيب منها ؟
 
07-Aug-2008
 
العدد 38