العدد 6 - اقتصادي
 

تطرح الدراسة في حلقتها الثالثة، بشكل تفصيلي، الحالة المزرية للعمال في المناطق الصناعية المؤهلة، التي تأسست بموجب اتفاقية السلام الأردنية- الإسرئيلية، طارحة التساؤل حول إن كانت هذه «عمالة أم سخرة»، كما تتطرق الى مدى استفادة التنمية المستدامة من هذه المناطق.

وكنا عرضنا في الحلقتين السابقتين للانعكاسات التي تركتها المناطق الصناعية المؤهلة على الاقتصاد الأردني في ضوء أن جل الصادرات الأردنية الى السوق الأميركي، تأتي من هذه المناطق، وتذهب أرباحها مباشرة الى جيوب المستثمرين دون أن تدخل في حسابات الاقتصاد الأردني.

وتطرقت الدراسة الى أوضاع العمال في هذه المناطق، الذين يعانون ظروف عمل سيئة ويتقاضون أجوراً متدنية، وتزداد التعقيدات والمصاعب بالنسبة للنساء العاملات اللواتي يواجهن التمييز وعدم العدالة.

عمالة أم سخرة؟

منذ إنشاء المناطق الصناعية المؤهلة بقيت هذه الجزر الاقتصادية موصوفة بكونها موقعاً للسخرة بدلاً من العمالة الملتزمة بالأصول والقوانين والمعايير الدولية والوطنية. لقد تمكنت المناطق الصناعية المؤهلة من استقطاب حوالي 40 ألف عامل حتى نهاية 2005 ولكن معظمهم بقي يعاني من انتهاكات شديدة في مجالات حقوق العمال. في الفترة منذ 2002 وحتى 2005 كانت الصحف الأردنية ونقابات العمال توثق حالات إضراب يقوم بها العمال احتجاجاً على انتهاكات الحقوق، ولكن الحكومة ومستثمري المناطق الصناعية كانوا يتمكنون من تجاوز الانتفاضات العمالية نتيجة ضعف البنية النقابية لهؤلاء العمال ومعظمهم من غير الأردنيين وعدم وجود بدائل.

في تقريره السنوي لعام 2005 وثق المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن حالة العمالة في المناطق الصناعية المؤهلة. فقد ذكر التقرير مسحاً إحصائياً لعينة قوامها 300 عامل. وكانت نتائجها كما يلي:

- الرواتب والترقية : أفاد 70% من العينة بأنهم يتقاضون حداً أدنى للأجور (95) ديناراً شهرياً ،كما أفاد 94 % من العاملين بأنهم مشتركون في الضمان الاجتماعي، وبلغ نسبة الذين لم يحصلوا على زيادة سنوية 61 % من العينة .

وفي الوقت الذي أفاد فيه 67% من العينة بتسلم رواتبهم وأجورهم في موعدها، أشار 59% بأنه لا تتوافر المساواة في الراتب بين من هم بالكفاءة والمؤهلات نفسيهما.

- ظروف العمل : أكد 83% من العينة أنهم غير مشتركين في التأمين الصحي ، واعتبر56% منهم بأن خدمات التأمين الصحي غير مناسبة، كما أفاد 77% بأنهم قد حصلوا على إجازات مرضية مدفوعة الأجر، أما خدمات الإسعافات الأولية فقد أفادت الغالبية الساحقة بأنها تقدم لهم لدى تعرضهم لإصابات العمل.

أفاد 58% أنهم لا يزودون بالألبسة والأجهزة الواقية الخاصة بهم ، فيما اعتبر 67,7% بأن المرافق الصحية المناسبة متوافرة لكلا الجنسين، واعتبر 55,4 % أن مكان العمل خال من المواد الضارة بالصحة، كما بين 63% أن رب العمل يعامل العمال معاملة لائقة مقابل 33% أكدوا بأن رب العمل يعاملهم معاملة غير لائقة تتمثل بالصراخ والشتم والضرب والإنذار والخصم من الأجور والفصل التعسفي.

- عقود العمل (وعي العمال لحقوقهم) : أكد 90% بأنهم قاموا بتوقيع عقود عمل مع رب العمل

وأفاد 88 % من العينة بأنهم يمتلكون نسخة عن عقد العمل، وأكد 71,4 % أنهم لم يلزموا بالقيام بأعمال غير الأعمال المتعاقد عليها، وفي الوقت الذي أفاد فيه 54 % من العينة بوجود تدرج في العقوبات، أفاد 66 % بأنه لم يسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم قبل إيقاع العقوبة عليهم، كما أفاد 54 % من العينة أنهم اطلعوا على قانون العمل، وأفاد 74 % بأنهم اطلعوا على تعليمات العمل في المصنع والخاصة بنظام العمل .

- التدريب: أكد 58.4% من العينة أنهم خضعوا لفترة في تدريب عملي لمدة أقصاها (3) أشهر، بينما أكد 61,5% من العينة عدم حصولهم نهائياً على مكافأة أثناء مدة التدريب، مقابل 18,5% حصلوا على مكافأة تعادل الراتب الأساسي، كما أكد 79,8 % عدم وجود عقد خطي يغطي موضوع التدريب العملي، فيما أفاد 64,2% بعدم قيام المصنع بعقد دورات تدريبية في أثناء القيام بالعمل لغايات رفع الكفاءة المهنية، وأكد 73,8 % عدم وجود برامج تثقيفية للعمال حول حقوق العامل، وهو الأمر الذي يشير إلى وجود تفاوت واضح بين إدارات المصانع في نظرتها لأهمية التدريب والحوافز .

واستخلص المركز من ذلك أن ظروف العمل في المدن الصناعية المؤهلة هي، بشكل عام، دون المستوى المقبول من حيث الخدمات الصحية ، والسلامة العمالية ، وبيئة العمل الاجتماعية ، والأجور العادلة.

ولكن الانفجار الحقيقي لحالة حقوق العمل في المناطق الصناعية المؤهلة حدثت في أيار 2006 حيث نشرت لجنة العمل الوطنية الأميركية، وهي من أقوى المنظمات النقابية العمالية في الولايات المتحدة تقريراً مفصلاً حول ما اسمته انتهاكات لحقوق العمال، وبخاصة من الجنسيات الآسيوية في المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن، واستنتج التقرير حينها بأن المناطق الصناعية المؤهلة تنتهك حقوق العمال الوافدين الإنسانية والعمالية بشكل واسع، وأن معظم العمال الوافدين يتعرضون إلى ظروف عمل صعبة تشمل تشغيلهم حتى منتصف الليل وعدم دفع رواتبهم لعدة أشهر.

وكانت نقابات العمال في الأردن قد أيدت كثيراً مما جاء في التقرير الأميركي، وأفادت تصريحات ومؤتمرات صحافية لنقابة عمال الغزل والنسيج أن ضعف عملية التفتيش بسبب نقص كوادر التفتيش في وزارة العمل هو ما يؤدي الى استمرار الانتهاكات بحق عمال المناطق الصناعية المؤهلة. وقالت النقابة إنها طالبت مراراً بتواجد ممثلين لها بصفتها تمثل قطاع الغزل والنسيج ، وتشكيل لجان عمالية في المصانع من العمالة الوافدة في هذه المناطق إلا أنها «لم تجد آذاناً صاغية»، مطالبة في هذا الصدد بإعادة النظر في المادة (108) من قانون العمل الأردنـي بحيث يسمح للعمال الوافدين بالانتساب الى النقابة العمالية التي تمثلهم «لحفظ حقوقهم».

وقد أثار هذا التقرير ضجة كبيرة وقلقاً في الأردن من أن يتسبب في إعاقة التصدير إلى السوق الأميركية مما تطلب رداً عاجلاً وسريعاً وغير معتاد من الحكومة الأردنية التي كانت، في العادة، تتجاهل الشكاوى المتعلقة بانتهاك حقوق العمال التي لم تتجاوز الإضرابات المحدودة. قامت الحكومة بتشكيل فرق تفتيش بصلاحيات واسعة لضبط المخالفات والتأكيد على الالتزام بمعايير العمل الدولية والوطنية مما أدى إلى حملات جادة على المصانع المنتهكة. وقد أثمر هذا الجهد عن تقييم أفضل قامت به اللجنة الأميركية في متابعة لها للأوضاع في تموز 2006 حيث أكدت على وجود تحسن في بعض الظروف وطالبت بالمزيد من الجهد المنهجي في ضبط ومراقبة حالة حقوق العمال في المناطق الصناعية. وفي سياق متصل أفادت وزارة العمل أنها بصدد تأسيس مجلس اقتصادي واجتماعي استشاري أردني لحماية حقوق العمل، ولكن لم يتم حتى الآن أي إجراء تشريعي أو تنفيذي متعلق بالموضوع.

هل استفادت التنمية المستدامة؟

عند الاقتصار على استخدام مؤشر حجم التصدير من المناطق الصناعية المؤهلة، يمكن للبعض أن يدعي تحقيق نجاح اقتصادي حيث تضاعفت نسبة التصدير وحجمه عدة مرات حتى وصلت إلى حوالي مليار دينار أردني في العام 2005. ولكن هل انعكس ذلك على تحقيق نجاح تنموي؟ بمعنى آخر هل تعتبر صادرات المناطق الصناعية المؤهلة هدفاً بحد ذاته أم مجرد وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة؟

بالنسبة لمستثمري المناطق الصناعية ودعاة الاقتصاد الليبرالي الجديد في الأردن، فإن حجة النجاح موجودة في استخدام مؤشر التصدير، ولكن عند دمج مؤشرات التنمية الإنسانية، فإن هناك مشكلتين تظهران بوضوح:

المشكلة الأولى هي في عدم وجود دراسات علمية لتقييم مستوى التنمية الإنسانية في المناطق القريبة من المناطق الصناعية المؤهلة التي يفترض أن تقوم هذه المناطق بخدمتها، وذلك من خلال مقارنة المؤشرات على مستوى المحافظات بين بداية تشغيل المناطق الصناعية وحتى الآن في كل محافظة وبلدية ومنطقة جغرافية، وهذا المؤشر وحده يمكن أن يعطي نتيجة موثوقة حول نجاح هذه المناطق في تحقيق نسبة عالية من التنمية المستدامة.

المشكلة الثانية هي عدم إمكانية إظهار نتائج تجربة المناطق الصناعية المؤهلة في مؤشرات الاقتصاد الكلي والتنمية الإنسانية على مستوى الدولة، وهي المؤشرات الأكثر تداولاً وقياساً في الأردن، لأن هناك العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والطبيعية والسياسية التي تتدخل في مؤشرات التنمية الكلية. وقد ساهم الاستقطاب السياسي الواسع حول طبيعة عمل المناطق الصناعية المؤهلة ووجود مدخلات الإنتاج الإسرائيلية في جعل معظم محاولات التقييم التي جرت لأداء هذه المناطق مرهوناً بالبعد الأيديولوجي السياسي. ففي حين حاولت الحكومة جاهدة الترويج لفوائد هذه المناطق لنشر قناعة بجدوى عملية السلام، فقد قامت المؤسسات والتيارات المناهضة للتسوية السلمية بتقييم استند إلى السلبيات السياسية أكثر من محاولات إجراء تقييم تنموي مستقل.

في واحدة من الجلسات الساخنة لمجلس النواب الأردني في العام 2005 ظهرت هذه الإشكالية حيث انتقد بعض النواب الرافضين للتسوية السلمية المناطق الصناعية مطالبين بإغلاقها بحجة «رفض التطبيع الاقتصادي» قال رئيس الوزراء إنه مستعد للتعاون مع الشيطان حتى لا يؤدي ذلك إلى قذف 40 ألف عامل في الشارع. ولكن رئيس الوزراء لم يحدد نسبة العمال الأردنيين في هذه المناطق ولا رواتبهم ولا ظروف العمل التي يعيشون فيها كما أن نواب المعارضة لم يركزوا على الأبعاد التنموية للمناطق الصناعية، وبقي النقاش يدور في حلقة مفرغة من الجدل السياسي العقيم.

هذا الاستقطاب السياسي يجعل من الصعوبة بمكان على باحث تنموي مستقل أن يعتمد على بيانات وتحليلات الطرفين المؤيد سياسياً للمناطق الصناعية أو المناهض لها إيديولوجياً مما يحتم أهمية وجود دراسات تنموية مسحية تركز على بعد التنمية الإنسانية في المناطق التي يفترض أن تساهم هذه المناطق الصناعية المؤهلة في خدمتها تنموياً، وهذا ما لم يحدث حتى الآن في الأردن.

* مجمل الدراسة أعدها الكاتب والباحث البيئي باتر وردم، لورشة عمل أقيمت قبل أشهر في القاهرة، حول اتفاقيات التجارة الثنائية للدول العربية مع الولايات المتحدة وأوروبا بتنظيم من «شبكة العالم الثالث»، و«الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية».

المناطق الصناعية المؤهلة في الأردن: عمالة أم سخرة
 
13-Dec-2007
 
العدد 6