العدد 6 - اقتصادي
 

يظهر توزيع النفقات في الموازنة العامة ضعف الخيارات المتاحة أمام الحكومة في مسعاها تحسين مستوى معيشة المواطنين خصوصاً وأن 90% من النفقات تدرج ضمن بنود ثابتة وغير مجدية في تحقيق تنمية حقيقية، وتؤكد نوعية الإنفاق ضعف حيلته حيال تقديم حلول واقعية لتقليص حجم مشكلتي الفقر والبطالة.

المشكلة الرئيسية تتمثل في نوعية الإنفاق، إذ أن 70% من إنفاق الحكومات المتعاقبة يذهب إلى رواتب الموظفين الذين يشكلون ثلث العمالة الأردنية، ثلاثة أرباعهم ليسوا من حملة الشهادات أو ذوي المهارة، فيما يخصص 10 % لدفع رواتب تقاعد الموظفين و10% لسد الديون والتزامات الحكومات المتوالية، وبهذا لا يوجد لدى أي حكومة أكثر من 10% من إيراداتها لتنفقه على المشاريع الرأسمالية والمبادرات الجديدة لتنحسر نوعية الإنفاق في نفقات جارية بدلاً من أن تركز على نفقات رأسمالية يكون هدفها توفير الأفضل للجيل الحاضر والأجيال القادمة.

ازدياد حجم إنفاق الحكومة في الاقتصاد يخلق حالة لا تنسجم مع التوجهات الإصلاحية حيث تضع الحكومة نفسها في موضع مزاحمة القطاع الخاص وطرده من سوق المال والإنتاج والعمالة والنقد. أي أنها تطرده من هذه الأسواق ليذهب باستثماراته إلى قطاعات غير منتجة كشراء الأراضي والعقارات أو إلى إنشاء مصانع واستثمارات في خارج البلد وتبدأ بذلك دورة سيئة المنهج والنتائج على الاقتصاد الكلّي. هذا توجه غير مرغوب بعد أن تخرّج الأردن في عام 2004 من ستة برامج إصلاح في الفترة 1989-2004 تحت إشراف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

أما الجزء الثاني من مشكلة الموازنة فيتمثل بعدم ارتباطها برؤية تنموية واضحة، ولقد تم حل هذه الإشكالية في موازنة 2008، ولكن على حساب رفع معدلات الإنفاق، وبهذا تتفاقم المشكلة رغم النية الحسنة والتوجه الصحيح الذي نشاهده اليوم.

ويؤخذ على مشروع الموازنة أنها باتت تشكّل نسبة الأكبر من حجم الاقتصاد الاجمالي بعد أن حجمها إلى 5.225 مليار دينار أو 42% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، إذا صحت توقعات النمو الاقتصادي إلى 6% كما تتوقع الحكومة (مع أن توقعات أخرى ومؤشرات السوق تقودنا إلى الاعتقاد بأن معدل النمو سيكون أقل من ذلك بكثير، حوالي 5.4%).

وإذا تذكرنا أن موازنات المؤسسات المستقلة تصدر في ملاحق للموازنة، فإن حجم الموازنة سيفوق هذا العام أكثر من 50% من حجم الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي نصل بموازنة الحكومات إلى معدلات موازنات الحكومات الاشتراكية وبعض الدول الأوروبية التي يسود فيها نمط السوق الاشتراكي الذي يقوم بتقديم مستوى عالٍ من الخدمات للمواطنين كالتعليم المجاني الممتاز في جميع مراحل الدراسة والماء النظيف والتأمين الصحي الشامل والتأمين ضد البطالة لجميع المواطنين.

وبالنظر إلى حجم المنح الخارجية، نجد أنه سيرتفع في العام 2008 إلى 440 مليون دينار بينما يفترض مشروع قانون الموازنة أنه سيعود بعد العام القادم إلى 350 مليون دينار كما كان في العام الراحل، وبهذا سيفوق حجم المنح السابقة والمتوقعة بـ 90 مليون دينار.

عدم تحقق هذا الارتفاع المفاجئ في المنح لعام واحد سيؤدي إلى رفع العجز في الموازنة بعد المنح الى 6.5% بدلاً من 5.6% كما هو متوقع. وإذا لم يتحقق معدل النمو المرجو، سترتفع نسبة العجز إلى حوالي 7.2% وهي معدلات مرتفعة على الرغم من حجم المساعدات المرجوة، كما أن العجز قبل المساعدات سيبلغ 1.164 مليار دينار أو ما نسبته 9.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد يقارب 10% إذا لم يتحقق معدل النمو المرجو.

وسيزيد العجز لحد غير محمود اذا ما أخذت موازنات المؤسسات المستقلة والتي تأتي في ملاحق قانون الموازنة.

لأول مرة في تاريخ الأردن يأتي مشروع قانون الموازنة على هذا الشكل من الربط والتخطيط ليضع موازنات لثلاثة أعوام معاً وليس لعام واحد فقط كما كان معهوداً في السابق، وبهذا يكون الأردن حقق خطوة إيجابية في مجال ربط الإنفاق المستقبلي بمعدلات الإنفاق الحالية. أيضاً، وللمرة الأولى، ارتبطت الموازنة بتنفيذ مشاريع وتوصيات الأجندة الوطنية التي أخذ بمجموعها لتكون المؤشر والدليل للإنفاق من قبل الحكومة؛ وهذه خطوة إيجابية أخرى. فالأجندة الوطنية عمل وطني من الطراز الأول، ويعتبر موسوعة تخطيطية اقتصادية شاملة ومتوازنة عمل عليها أكثر من 500 شخص من القطاعين العام والخاص على مدار عام ونيّف، كان يجب أن لا تذهب هدراً والآن أصبحت بفضل جهود الفريق في وزارتي التخطيط والمالية على مدى العام الماضي جزءاً لا يتجزأ من مستقبل الأردن ورؤيته الاقتصادية.

فالموازنة تربط بين محاور الأجندة الوطنية والتي تكررت في البرنامج التنفيذي لكلنا الأردن، وتعتمد المحاور الثمانية الاقتصادية للأجندة الوطنية في توزيع الإنفاق والموارد الحكومية، وبهذا يكون وزير المالية الأسبق والوزير الحالي قد وفيا بوعد قطعاه للمحللين الاقتصاديين بتحقيق الرؤية الاقتصادية التي ظهرت بكل وضوح في الأجندة الوطنية.

الحل لمشكلة الإنفاق واضح: تقليل حجم القطاع العام وخصخصة عمالته أسوة بخصخصة بعض مؤسساتها ليتجه العاملون فيها إلى القطاع الخاص والإنتاج فيه، كما أوصت البرامج الإصلاحية المتعاقدة وطالبت أكثر من عشر حكومات خلت دون تنفيذ. غير أن هذا الحل يتطلب الموارد لتحقيقه، وهكذا نبقى عاجزين عن اتخاذ القرار الصحيح، والأصعب.

مشروع قانون الموازنة 2008 ما له وما عليه – د. يوسف منصور
 
13-Dec-2007
 
العدد 6