العدد 37 - كتاب
 

سارعت الحكومة، وبالتشاور والمشاركة مع صندوق النقد الدولي، إلى إعداد مسودة لقانون جديد للضريبة وصفته بالتحديثي، والشمولي، والتوحيدي لمعظم الضرائب السارية حالياً، وبأنه يساهم في تبسيط الإجراءات الضريبية، ويهدف إلى تسهيل فهم التزامات ومتطلبات الضريبة سواء من قبل المكلفين بدفعها، أو من جانب الجهات الحكومية المكلفة بمتابعتها وتنفيذها.

وخلافاً لما يتطلبه تغيير واسع وجذري في المنظومة الضريبية من حوار ونقاش معمق ومسبق بين الأطراف الرسمية والأهلية المعنية كافة، فإن الحكومة حرصت على وضع مسودة مشروع القانون الجديد في الغرف المغلقة، ليعرض بعد ذلك شكلياً على الفعاليات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية للاستماع وإبداء الرأي، وليتم تمرير الكثير من المحظورات والمخاطر التي يتضمنها بعد ذلك ولتكون مدخلاً إلى مزيد من التشويه وتقلص وتراجع العدالة الدستورية النسبية في أحكام المنظومة الضريبية.

وبداية نعتقد بأن مجرد محاولة وضع وإقرار مشروع قانون جديد موحد للضريبة ليس ملائماً سواء في موقفه وتعامله مع بنود قوانين ضريبية قائمة ومستقرة ولها مبرراتها الموضوعية في تطور حياة البلاد بأبعادها المختلفة، أو من حيث تضمن المسودة الجديدة توجهات وتعديلات بالغة الخطورة على مرتكز ضمان «العدالة الاجتماعية» النسبية بين من يتحمل أعباءها، بما في ذلك شطب شبه كامل لمبدأ «تصاعدية الضريبة مع تصاعد الدخل والثروة والقدرة على الدفع»، ولما قيل بأن لصندوق النقد الدولي، دوراً كبيراً مؤثراً في إعداد المسودة بالمشورة أو المشاركة إن لم يكن بالإملاء غير المباشر.

مرة أخرى، وبعد محاولتين متشابهتين للتعديل في آخر ساعات ولاية حكومة بدران «قانون مؤقت للضريبة»، وفي عهد حكومة البخيت في 2006، تحاول الحكومة الحالية المس بما تبقى من جدوى وعدالة ضريبية باقتراح تخفيض السقف الأعلى لنسبة ضريبة الدخل من (25 بالمئة) إلى (20 بالمئة)، وإلى تقليص الشرائح الضريبية التصاعدية إلى شريحتين فقط بالنسبة للأفراد، كما للشركات، وليكون المستفيد الأكبر والأكثر من ذلك أولئك المكلفون من أصحاب الدخول، والأرباح، والثروات العالية، والعالية جداً، والمفارقة أن الجهة المتضررة من تعديل كهذا هي مؤسسات وشركات قطاع الصناعة التي سيرتفع الحد الأعلى عليها من (15 بالمئة)، إلى (20 بالمئة)، وهو القطاع الإنتاجي الأهم في الاقتصاد الذي يحتاج الى مزيد من الدعم والمساندة وليس إلغاء ذلك أو عكسه.

الكثير من السلبيات والاختلالات والمخاطر لفكرة إعداد «قانون موحد للضرائب»، أو تغيير آخر الجمع العشوائي بينها الناجمة عن فرض نسبة واحدة على الدخول والنشاطات كافة، مهما تفاوتت أشكالها ومصادرها في درجة أهميتها وضروراتها في تدعيم العدالة الضريبية، أو مدى مساهمتها في تسهيل وتسريع وتوسيع جهود «التنمية الاقتصادية الوطنية المستدامة»، فيما المفارقة تمثلت بما اقترحته مسودة القانون باستثناء يتصل بإبقاء نسبة الضريبة على ربحية البنوك، كما هي عند (35بالمئة)، مقابل الاستنكاف عن ذلك فيما يتعلق بالضريبة على الدخول الصناعية.

وبحجة تشجيع وتحفيز الاستثمار والمستثمرين المتآكلة نسبته لم تقترح المسودة الجديدة إعادة فرض ضريبة التوزيع على أرباح الأسهم الموزعة المطبقة في معظم الأقطار الرأسمالية،كما لم تتعرض إلى إعادة فرض ضريبة الرسملة ذات المزايا للخزينة ولتطور الشركات المستقبلي.

وأبقى مشروع الضريبة الجديد على العديد من أشكال الاعفاءات الضريبية لدخول وأرباح الكثير من النشاطات الاقتصادية لكبار المشمولين، كما كان ملفتاً للنظر التراجع الحكومي السريع عند الاقتراح المتضمن اخضاع الأرباح الرأسمالية الناجمة عن المتاجرة والمضاربة بالأسهم والعقار للضريبة، فور انطلاق احتجاجات واعتراضات لوبي المضاربين المتاجرين داخل البورصة وخارجها.

في المقابل، لم يخفف مشروع الضريبة من الأعباء الثقيلة الواقعة على كاهل الفقراء من أصحاب الدخول المتدنية من فرض ضريبة المبيعات، وتواصل رفع نسبتها العامة، وتوسيع نطاق سريانها على جميع السلع والخدمات المحلية والمستوردة، بل ما يعكس تضمن بنوداً تشير إلى تخويل الحكومة مستقبلاً حق رفع نسبتها العامة المفروضة على الأساسيات من (4 بالمئة) إلى (16 بالمئة) أو إلى أي نسبة أعلى تفرض لاحقاً.

وهكذا وبدلاً من أن يكون المشروع الجديد خطوة أولية لتعزيز العدالة الضريبية، ومصدراً متوازناً لإيرادات الموازنة، ومدخلاً لتنمية اقتصادية واجتماعية أكثر توازناً، فإنه مع الأسف حمل في طيّاته العديد من التوجيهات والأحكام التي ستؤدي الى تعميق التشوهات والاختلالات الضريبية، وانعكاساتها الصعبة على اتساع الاحتقانات والتعارضات، والأزمات في الحياة الاقتصادية، كما في المجالات السياسية والاجتماعية.

أحمد النمري: تحديث أم تشويه ضريبي؟
 
31-Jul-2008
 
العدد 37