العدد 37 - أردني
 

السجل - خاص

«كنت أحضر من أم الحيران، حيث مبنى إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، إلى مبنى وزارة الدفاع في العبدلي، حيث «الإذاعة السرية. لم أكن قد بلغت الثامنة عشرة من عمري بعد، وكنت أُستدعى لأذيع تعليمات ومواد أخرى متنوعة خاصة بالجيش العربي»، يتذكر تركي نصار، المدرس في كلية الصحافة بجامعة اليرموك، الذي يشرف اليوم على عامه الستين.

لا يتذكر نصار من كان وزير الدفاع في تلك الأيام، ولكنه يتذكر جيدا الأمين العام للوزارة، نزار الرافعي.

بالإضافة إلى عمله مذيعاً، كان نصار أيضاً يقوم بأعمال إدارية ومالية من قبيل متابعة تحصيل أقساط «أثاث وموبيليا» كانت دائرة الإنشاءات العامة تقوم بتفصيلها للضباط، ثم تقوم بتحصيل أثمانها منهم عن طريق وزارة الدفاع.

«لا أذكر أين كان مبنى الوزارة بالضبط، لكنه كان في حرم القيادة العامة في العبدلي. كما أنني لا أذكر من كان أمينها العام»، يستذكر رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسبق فايز الطراونة، الذي كان يزور والده، أحمد الطراونة، الذي تسلم وزارة الدفاع مرتين في عهد سمير الرفاعي العام 1959وبهجت التلهوني العام1961 .

الطراونة الابن، الذي تسلم وزارة الدفاع بوصفه رئيساً للوزراء 1998، لا يتذكر إن كان للوزارة مبنى أو أمين عام أو إن كان لها كادر. "الوزارة موجودة في دليل الهاتف وفي الأرقام الضرورية .. الخ. وزارة الدفاع وزارة بروتوكولية،" يقول أحد وزراء الدفاع السابقين.

"باستثناء بعض المشتريات، فإن ما يتعلق بالقوات المسلحة مرتبط مباشرة بجلالة سيدنا،" يقول رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسبق فيصل الفايز. وعلى الرغم من أن الوزارة فعلياً غير موجودة، فإن قانون القوات المسلحة رقم 3 لعام 2007، يعطي وزير الدفاع صلاحيات واسعة، فوزير الدفاع ينسب للقائد الأعلى بتشكيل أو إعادة تشكيل أو حل أي من الوحدات العسكرية دون الأخذ برأي رئيس هيئة الأركان "قائد الجيش،" كما ينسب الوزير للقائد الأعلى "بالمشاركة في القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة وأي قوات دولية أخرى،" ومساعدة دول أخرى عسكرياً بناء على طلب منها أو القيام بأي "واجبات أخرى."

القانون نفسه ينص على تعيين رئيس هيئة الأركان "بأمر من القائد الأعلى وبناء على تنسيب من الوزير، كما يرأس وزير الدفاع ما يسمى بمجلس الدفاع، بحسب المادة رقم 3 للعام 2007 من القانون نفسه. ويتولى هذا المجلس رسم السياسة العامة للقوات المسلحة ودراسة المتطلبات الدفاعية واتخاذ الإجراءات لتطوير القوات المسلحة.

عدد من رؤساء الوزارات / وزراء الدفاع السابقين، اتصلت بهم ے، لا يذكر أحدهم أنه سمع بمجلس الدفاع أو أن مجلس الدفاع اجتمع في عهدهم. حتى إن أحدهم لا يذكر إن كان لوزارة الدفاع مبنى، وإنه إن وجد فهو في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة.

المشير عبد الحافظ مرعي الكعابنة الذي خدم رئيسا للأركان بين 1993 و1998، نفى أن تكون هناك أية مكاتب لوزارة الدفاع أو أن يكون هناك موظفون تابعون لوزارة الدفاع طوال فترة وجوده في مبنى القيادة العامة.

أسباب غياب وزارة الدفاع كثيرة ومتنوعة، وهو غياب يطرح علامات استفهام مبررة، وبخاصة مع وجود قانون يحدد مهامها بدقة ويعطي الوزير صلاحيات واسعة.

أول وزير للدفاع كان رشيد المدفعي، الذي جمع حقيبتي الداخلية والدفاع في حكومة توفيق أبو الهدى العام 1939، وكان الأردن ما يزال إمارة.

تناوب على وزارة الدفاع العديد من الوزراء، وكانوا جميعا، إما رؤساء للوزراء أو وزراء عاملين يجمعون بينها وبين وزارة أخرى، باستثناءات محدودة.

ومن المفارقات أن سليمان طوقان كان وزيرا للدفاع والزراعة عام 1951 ، ثم عاد طوقان ليتسلم الدفاع والصحة والشؤون الاجتماعية في حكومة إبراهيم هاشم العام 1957، أما أنور نسيبة فكان وزيراً للدفاع والمعارف في حكومة أبو الهدى العام 1954. كما استلم عاكف الفايز من سليمان طوقان الحقيبتين في 22/10/1957.

وقد جمع وصفي التل وزارة الزراعة بالإضافة إلى حقيبة الدفاع في حكومته الأولى العام 1962. كما جمع نظام شرابي، شقيق المفكر الفلسطيني هشام شرابي، الدفاع والمواصلات في حكومة بهجت التلهوني العام 1964.

لكن العام 1970 شهد تسلم وصفي التل حقيبة الدفاع إلى جانب رئاسته للحكومة، ومنذ ذلك التاريخ أصبح عرفاً أن يكون وزير الدفاع هو نفسه رئيس الحكومة.

تمثل القوات المسلحة في أي بلد "الذراع المسلح للدولة"، وكلما ازدادت سيطرة الأجهزة المدنية للدولة على "ذراعها المسلح" كلما كان المجتمع أكثر ديمقراطية، ففي ذلك إشارة إلى أن القوات المسلحة قد أخضعت، مثل سائر مؤسسات الدولة الأخرى، للرقابة التشريعية.

في الأردن، ومنذ تأسيس الإمارة، لعبت القوات المسلحة دورا محوريا وحاسما في حياة البلاد الاجتماعية والثقافية والسياسية. وبسبب الظروف الداخلية والإقليمية، كان موضوع السيطرة الكاملة على القوات المسلحة مسألة غير قابلة للنقاش.

ففي عهد الإمارة، وبسبب اعتماد البلاد الكثيف على المساعدات البريطانية، كانت الميزانية العامة للقوات المسلحة توضع في مكتب المقيم البريطاني، وكان تسليح القوات المسلحة وتدريبها مرتبطاً أساساً بالسياسة البريطانية في الإقليم. وعليه فإنها كانت تخضع لهذه المتطلبات، وكانت وزارة الدفاع في عهد الإمارة "بروتوكولية" بالكامل. وقد امتد ذلك طيلة فترة وجود غلوب في قيادة الجيش، ولم تنته إلا برحيله مع اتخاذ خطوة تعريب قيادة الجيش في آذار 1956.

لكن إنهاء آخر آثار الانتداب لم يُفعّل وزارة الدفاع بسبب حساسيات الوضع الإقليمي والهجمات التي كان يتعرض لها الأردن، فاكتسبت القوات المسلحة أهميتها القصوى من المهمة الموكولة لها، وهي :"المحافظة على الأمن الداخلي" وارتباط القوات المسلحة بالقائد الأعلى مباشرة، وهو الوضع الذي استمرت عليه الأمور إلى الآن.

"كنا في مجلس الوزراء نوقع على الترفيعات والترميجات دون تدقيق في الأسماء،" يقول رئيس وزراء ووزير دفاع سابق. وقد روى للسّجل رئيس أركان سابق أن رئيسا للأركان ذهب إلى أحد رؤساء الوزراء "للتوقيع على معاملات بسيطة"؛ أرزاق للجيش وأمور أخرى، وبحسبه فإن رئيس الوزارة أجاب قائلا: "سأنا شو بيخصني".

**

آباء وأبناء ووزراء دفاع

لا يدخل الأمر في باب التوريث، ولكن حدث أن شغل وزارة الدفاع وزيران وابنــــاهما. فقـــد تولى عاكف الفايز وزارة الدفاع للمرة الأولى في حكومة إبراهيــــم هاشم العام 1957، وجمــــع إليها وزارة الزراعــــة، ثم تولى الوزارة نفسها العام 1960 في حكومــــة بهجت التلهوني. وفي العام 2003 تــــولى ابنـــه فيصل الفايز وزارة الدفاع بوصفه رئيسا للوزراء.

وتكـــرر الأمر نفسه مع أحمد الطراونــــة، وابنه فايز الطراونة، ففي العام 1959 تولى أحمد الطراونة وزارة الدفــــاع في حكومة سميـــر الرفاعي، ثــــم عاد وتولى الوزارة نفسها في حكومــــة بهجـــت التلهـــوني العام 1961. وفي العام 1998 تولى فايز الطراونة، وهو ابن أحمد الطراونة وزارة الدفاع، ولكنه أتى إليها من باب رئاسة الحكومة.

وزارة الدفاع: الغائب الكبير، الحاضر الأكبر
 
31-Jul-2008
 
العدد 37