العدد 37 - أردني
 

نور العمد

ما إن أدار سائق التاكسي مؤشر جهاز الراديو في سيارته، حتى بدأت موجات عدد من الإذاعات الخاصة بالتداخل قبل أن يثبت المؤشر على إحدى المحطات التي قال إنه يفضّلها، من دون أن يتوقف ليسأل عن رأينا، نحن الجمهور. وبدأ سيل الأغنيات يتدفق من المحطة.

منذ صدور قانون هيئة المرئي والمسموع الذي أجاز، مطلع عام 2006، ظهور الإذاعات الخاصة، توالدت محطات إذاعية شكلت تنويعا على المادة الإعلامية التي يتلقاها الجمهور عبر الأثير؛ «راديو البلد» («عمان نت» سابقا)، راديو «فنfm «، «أمن fm»، «حياة fm»، «مزاج fm»، «play fm»، وغيرها من الإذاعات التي يصل عددها إلى 26 محطة.

«فن fm" التابعة للجيش، كانت أولى الإذاعات المحلية التي دخلت السباق، ثم جاءت إذاعة "أمن fm" التابعة لمديرية الأمن العام، وأعلنت أمانة عمان الكبرى هي الأخرى عن ولادة إذاعة جديدة ناطقة باسمها هي "هوا إف إم"، لا زالت في مرحلة البث التجريبي، وتعمل الجامعة الأردنية على إنشاء إذاعة خاصة بها.

إذاعة "حياة fm" بدأت بثها عام 2006 كإذاعة ثقافية اجتماعية وإسلامية، تستهدف المجتمع عموما، وقطاع الشباب بشكل أساسي، عبر برامج للأسرة والطفل والشباب، كما يقول موسى الساكت مدير عام الاذاعة.

«راديو البلد» («عمان نت» سابقا) أول إذاعة مجتمعية بدأت البث عبر موجة fm. استفاد راديو البلد من قانون المرئي والمسموع الذي سمح له بالبث الإذاعي قبل ثلاث سنوات، وذلك بعد خمس سنوات كانت الإذاعة تبث خلالها عبر شبكة الإنترنت، في الفترة التي سبقت صدور القانون المشار إليه، والذي سمح بوجود إذاعات خاصة.

حين سألنا السائق عن سبب اختياره المحطة التي ثبت المؤشر عليها أجاب أن تلك الإذاعة «لا توجع الرأس»، فهي إذاعة «خفيفة» كما قال. الإذاعة التي قصدها السائق هي «مزاج fm»، وهي إحدى الإذاعات الترفيهية العديدة التي تبث عبر الأثير، وتقدم برامج إذاعية ترفيهية معتمدة أسلوبا جديدا في المجال ببثها أغاني تنتمي إلى ما تصفه بالفن البديل.

إذاعة «مزاج fm» ليست الوحيدة التي تبث الأغاني وتقدم البرامج الترفيهية، فهنالك إذاعة «play fm" التي تبث الأغاني الانجليزية، منذ حوالي أربع سنوات، لفئات نخبوية في المجتمع الأردني. وهي تواجه منافسة حامية في ظل وجود خمس إذاعات أجنبية تبث برامج وأغاني باللغة الانجليزية.

السؤال الذي يطرح في ظل وجود هذا الكم الهائل من الإذاعات ما بين ترفيهية وإخبارية وأخرى تجمع النموذجين معا: هل استطاعت هذه الإذاعات أن تصل إلى جمهورها المستهدف وتحتل مكانة تليق بها وسط هذا الزحام الإعلامي الشديد؟

وفقا لإحصاءات صادرة عن منظمة «آيريكس» أعلنت عام 2007، فإن نسبة الاستماع للإذاعات خلال سبعة أيام وصلت إلى 56.9 بالمئة. أشار الإحصاء إلى أن إذاعة «فن fm" حلت في المرتبة الأولى من حيث استقطاب المستمعين بنحو 32.2 بالمئة، جاءت بعدها إذاعة القرآن بنسبة 20.8 بالمئة، ثم راديو روتانا 15 بالمئة، الإذاعة الأردنية 14.4 بالمئة، «مزاج fm» 7.6 بالمئة، «حياة fm" 5.8 بالمئة، "أمن fm" 4.4 بالمئة، صوت الغد 2.8 بالمئة، "ميلودي fm" 2.6 بالمئة، المدينة 1.4 بالمئة، الوطن 1.5 بالمئة، "عمان نت" (راديو البلد) 0.7 بالمئة، وبقية الإذاعات تراوحت بين النسبة ذاتها وما دونها.

رغم أن الإحصاء المذكور يشير إلى تراجع كبير في عدد مستمعي الإذاعة الأردنية، فإن جرير مرقة مدير الإذاعة والتلفزيون بالوكالة لا يعتبر أن هذه الإذاعات تنافس الإذاعة الأردنية، والسبب، بحسبه، هو "لا احد غيرنا ملتزم بالخطاب الكلي للدولة بموقفها السياسي والثقافي والاقتصادي وغيرها"، من دون أن يأخذ في الحسبان التدني الكبير في أعداد المستمعين، وهو ما يعني ضمنا، تناقص عدد المستمعين إلى «الخطاب الكلي للدولة».

محمد عمر، المختص في الشأن الإعلامي، يرى أن الإذاعات، على كثرة عددها، لم تساهم في رفع سقف الحرية بمقدار مساهمتها في خدمة الجمهور. والسبب «أن هذه الإذاعات تقدم خدمات للجمهور، مثل الإبلاغ عن أزمة سير أو إعداد التقارير حول الأسعار، ولكن المتلقي بدأ يعتاد على أصوات المسؤولين وهم يجيبون عن أسئلة بعضها محرج، ما يعني الإسهام في توسيع هامش الحريات، لكن ليس بمقدار كبير».

لكنه يلاحظ أن الإذاعات الجديدة «تخضع لرقابة صارمة من قبل هيئة الإعلام المرئي والمسموع». راديو البلد، أول إذاعة محلية تقوم ببث جلسات مجلس النواب على الهواء من غير قطع، منع أخيرا من بث الجلسات، والسبب هو أن تعليقا اعتبر جارحا بحق أعضاء المجلس، بُثَّ على الهواء من قبل أحد المستمعين الذين كانوا يعلقون على الجلسات. وكان ذلك سببا كافيا من مجلس النواب لأن يمنع الإذاعة من بث جلسات المجلس. وبالتوازي مع ذلك مُنعت الإذاعة من بث جلست مجلس أمانة عمان الشهرية، فيما بادرت هيئة المرئي والمسموع إلى رفع دعوى قضائية على الإذاعة، وما زالت القضية منظورة أمام القضاء.

مدير الإذاعة، داود كتّاب، يعزو ما حدث إلى القانون الذي يصفه بأنه «مطاطي»، فهو لا يصنف البرامج السياسية بوضوح. فالقانون يقرر أن من الممنوع «بث أي برنامج يسيء إلى هيبة الوطن والآداب»، من دون أن يحدد شكل «الإساءة». وهو يؤكد: هذه أكبر مشكلة تواجهنا، فلا بد من توضيح هذا البند بشكل أكثر تفصيلا».

في قضية منفصلة، رُفض طلب كان قدمه «راديو البلد» لفتح إذاعة خاصة في محافظة الزرقاء، من دون إبداء أي سبب للرفض. كتّاب يقول إن قرار المنع استند إلى وجود بند في نظام التراخيص يعطي مجلس الوزراء حق رفض أي طلب في هذا الشأن دون إبداء أي أسباب. ويضيف: «أفهم أن تكون للحكومة تحفظات على أي شخص أو جهة، لكنني لا أفهم السبب في التخوف من إبداء أسباب الرفض،» وهو ما اعتبره مناقضا لقانون حق الوصول إلى المعلومات، «فلا بد أن تكون هناك شفافية من قبل الحكومة تبين سبب الرفض».

لكن إذاعة البلد لم تكن الوحيدة التي دخلت في إشكالات مع هيئة المرئي والمسموع، فقد حصلت إذاعة «مزاج fm» على «لفت نظر» من قبل هيئة الإعلام المرئي والمسموع، لبثها أغنية للفنان اللبناني زياد رحباني، اعتبرت الهيئة أنها تتضمن مساً بالذات الإلهية. الإذاعة سحبت الأغنية وتوقفت عن بثها وفقا لطارق أبو لغد، المساهم في ملكية الإذاعة.

كما وثقت سجلات ملفات هيئة الإعلام والمرئي المسموع مخالفة في حق إذاعة «حياة fm"، بسبب عدم قيام الإذاعة بإعلام الهيئة بحملة تبرعات "سارعوا" التي أطلقت في رمضان الفائت، الأمر الذي دفع إلى توجية تنبيه للقائمين على الإذاعة، وفق موسى الساكت.

نقطة أخرى يثيرها محمد عمر هي إقبال معظم المحطات الإذاعية على الجانب الترفيهي والعزوف عن الجوانب الأخرى. ويعزو عمر ذلك جزئيا إلى «فرض رسوم ترخيص عالية على من يريد أن ينشئ إذاعة ذات طابع إخباري أو سياسي».

لكن مدير هيئة الإعلام المرئي والمسموع، حسين بني هاني، يقول إن إضافة نسبة مئوية بمقدار 50 بالمئة لترخيص ِإذاعة شاملة ذات طابع سياسي وإخباري، يأتي «بهدف حماية صغار المستثمرين». ووفقا لبني هاني فإن رسوم الرخصة بعمان تصل إلى 25 ألف دينار للمرة الأولى فقط، وإذا كانت تتضمن برامج حوارية وسياسية يضاف إليها 50 بالمئة، وفي إربد تصل إلى 15 ألفا، وفي بقية المحافظات 10 آلاف دينار.

14.4 بالمئة نسبة الاستماع إلى “الأردنية”: إذاعات خاصة ترقبها العين الراصدة لهيئة الإعلام المرئي والمسموع
 
31-Jul-2008
 
العدد 37