العدد 37 - أردني
 

حسين أبو رمّان

للعلاقة بين الوزارة والنيابة وجهان؛ الوجه الأول ترشّحُ وزراء سابقين للانتخابات النيابية وفوزهم بمقاعد فيها. والوجه الآخر لجوءُ الحكومات إلى اختيار بعض وزرائها من بين النواب.

الانطباع السائد في حالة ترشح وزراء سابقين للنيابة هو أن هؤلاء يستفيدون من الوجاهة التي يمثلها لقب «معالي»، ومن الخدمات التي أتيحت لهم الفرصة لتقديمها للمواطنين، وبالتالي يكون إقبالهم كبيراُ على خوض الانتخابات.

مراجعة بنية المجالس النيابية منذ عودة الحياة البرلمانية عام 1989، لا تعطي نتائج حاسمة بدلالاتها في هذا الاتجاه. ففي مجلس النواب الحادي عشر المنتخب عام 1989، وهو أول مجلس يتشكل من خلال انتخابات عامة منذ عام 1967، فإن عدد الوزراء السابقين الذين فازوا بعضوية المجلس سبعة فقط من أصل 80 عضواً، هم عدد أعضاء المجلس. وهو رقم لا يبدو كبيراً بالنظر للسياق العام الذي جرت فيه الانتخابات، لا سيما أيضاً أن اثنين من الوزراء السابقين المترشحين كانا حصلا على النيابة في انتخابات 1984 التكميلية.

الصورة تبدو مختلفة بعض الشيء في مجلس النواب الثاني عشر المنتخب عام 1993، وفق قانون الصوت الواحد، المؤقت آنذاك، إذ بلغ عدد الوزراء السابقين الفائزين 16، أو ما يعادل 20 بالمئة من عضوية المجلس، وهو رقم مهم دون شك لولا أن بروز ميل لدى عدة حكومات في بداية التسعينيات لاختيار عدد متزايد من النواب في أطقمها، جعل عدد الوزراء السابقين ممن ليسوا نواباً سابقين يقتصر على خمسة فقط

وزراء وزارات سيادة سابقون، خاضوا الانتخابات النيابية مثل زملاء لهم، لكن الحظ حالف أكثر من شغل منهم منصب وزير خارجية مثل طاهر المصري (1989)، عبد الله النسور (1989)، فيما كان سليمان عرار وزير الداخلية الأسبق، الوحيد الذي فاز بالنيابة، لكن وزراء مالية سابقين لم يصل أي منهم إلى قبة البرلمان.

حالة الانتماء النيابي السابق لمعظم الوزراء السابقين في مجلس النواب الثاني عشر (1993-1997)، أصبح يمثل النموذج الذي بات يتكرر في المجالس النيابية اللاحقة، مع ميل متسارع نحو هبوط نسبتهم، ومحدودية عدد الوزراء السابقين الذين يصلون قبة البرلمان للمرة الأولى.

ففي مجلس النواب الثالث عشر المنتخب عام 1997، هبط عدد الوزراء السابقين إلى 14 (أو ما يعادل 17.5 بالمئة) من بينهم اثنان فقط ليسا نائبين سابقين، ثم هبط العدد مجدداً في مجلس النواب الرابع عشر المنتخب عام 2003 إلى 11 (أو ما يعادل 10 بالمئة) من بينهم اثنان ليسا أيضاً نائبين سابقين، ثم ارتفع عددهم قليلاً في مجلس النواب الحالي إلى 13 (أو ما يعادل 11.8 بالمئة) من بينهم أربعة ليسوا أصحاب انتماء نيابي سابق.

هذا الاتجاه لا يبدو أن تأثر بالزيادات المطردة لامتيازات النواب والتي تجلت برفع رواتبهم التي باتت تماثل رواتب الوزراء العاملين، علاوة على حق النواب في تقاضي راتب النيابة إلى جانب التقاعد، بينما لا يسمح نظام الخدمة المدنية لمن يتقاضى رواتبه من خزينة الدولة الجمع بين التقاعد وبين راتب وظيفة جديدة في أي من المؤسسات الحكومية، بل يتقاضى أيهما أكبر.

يؤشر عدد الوزراء السابقين الذين فازوا بالمجالس النيابية المتعاقبة منذ 1989، إلى أن تجديد النخب النيابية من خلال قناة الوزراء السابقين يمثل 13 بالمئة من عضوية المجالس النيابية، وهذا رقم معتدل لا سيما إذا ما علمنا أن الوزراء السابقين الذي يخوضون الانتخابات دون الاستناد إلى نيابتهم السابقة كدافع إضافي، يساوون سبعة بالمئة من الإجمالي فقط.

أستاذ العلوم السياسية نظام بركات، يقول إن الوزير السابق يحتفظ بامتيازات مثل الراتب التقاعدي، والنفوذ المعنوي الذي يوفره له لقب «معالي»، ما يجعله «لا يتحمس كثيراً للنيابة إلا إذا كانت له دوافعه الخاصة في أن يجعل من النيابة مجال عمله العام الرئيسي». ويضيف أن الوضع يختلف تماماً عندما يتعلق الأمر بالوظائف الحكومية العليا مثلاً، ففي هذه الحالة، تعزز النيابة فرص أصحابها نحو الوزارة، وكان هذا أمراً واضحاً للجميع في السنوات الأولى بعد الانفراج الديمقراطي حتى عام 1996.

«النواب السابقون الذين انتخبوا لا أقل من مرتين»، يمنحهم الدستور الأردني أيضاً امتيازاً بتصنيفهم ضمن الطبقات التي تحددها المادة 64 من الدستور كشرط من شروط العضوية لمجلس الأعيان الأردني.

الصورة لا تختلف كثيراً إذا نظرنا ليس فقط إلى عدد الوزراء السابقين الفائزين بالنيابة، بل كذلك إلى عدد غير الفائزين منهم. ففي عام 1989، وكان عدد أعضاء المجلس 80 نائباً، فإن إجمالي الوزراء السابقين المترشحين بلغ 15 مترشحاً من بين ما مجموعه 647 مترشحاً (أو ما يعادل 2.3 بالمئة) ، فاز منهم سيعة فقط. وكان معظم هؤلاء ( 12 من 15)ليسوا نواباً سابقين، وهذا أمر معروف بسبب تجميد الحياة النيابية لسنوات عديدة خلت.

أما في انتخابات عام 2003 على سبيل المثال، فإن إجمالي عدد الوزراء المترشحين للانتخابات، بلغ 18 مترشحاً من بين 709 مترشحين (أو ما يعادل 2.5 بالمئة)، تنافسوا على 110 مقاعد، ففاز منهم 11 مترشحاً. لكن من بين المترشحين الـ 18، فإن 13 هم في الوقت نفسه نواب سابقون، فيما اقتصر عدد المترشحين من دون خلفية نيابية سابقة على خمسة فقط.

الوجه الآخر لعلاقة النيابة بالوزارة، يمثله توزير حكومات لنواب ضمن طواقمها. هذه التقاليد ليست جديدة في المملكة، وكان نموذجها الأرقى هو تكليف سليمان النابلسي بتشكيل حكومة جديدة إثر فوز حزبه، الحزب الوطني الاشتراكي، بالحصة الأكبر من مقاعد مجلس النواب عام 1956.

وباستثناء تجربة 1956، فإن تداول السلطة من خلال الأغلبية النيابية لم يجد له سند في الممارسة في السنوات اللاحقة، وإن كانت الحكومات تراعي في تشكيلها المزاج العام في مجلس النواب.

اشتملت الحكومة الأولى التي تتشكل بعد انتخابات عام 1989 برئاسة مضر بدران، على 10 وزراء نواب من بين 24 وزيراً، وكان ينظر إلى هذه المشاركة باعتبارها تسهل حصول الرئيس المكلف على الثقة. هذا المنحى تعزز في السنوات اللاحقة، فحين شكل طاهر المصري حكومته في حزيران/يونيو 1991، كان ما لا يقل عن نصف أعضائها من النواب بمن فيهم الرئيس نفسه، وكانت هذه أول تجربة في عهد الانفراج الديمقراطي يكلف فيها نائب بتشكيل حكومة.

هذا الميل المتزايد نحو توزير النواب، بلغ حداً أقصى في عهد حكومة عبد الكريم الكباريتي، إذ بلغ عدد الوزراء النواب حوالي ثلثي الحكومة المكونة من 31 وزيراً، وهي من أكبر الوزارات في تاريخ المملكة، إن لم تكن أكبرها.

لكن الراحل الملك الحسين، وصل إلى قناعة أن الوزير النائب ليس محصناً من استخدام وزارته في خدمة جمهوره الانتخابي في المقام الأول، كي يكفل لنفسه العودة تحت القبة دون مصاعب. لذا قرر أن تكون تلك آخر حكومة يتم فيها توزير النواب.

واستقرت الأمور على هذا النحو منذ ذلك الحين. وهكذا بدل أن يفضي تطور تجربة توزير النواب إلى صيغ تنطوي على تداول السلطة من خلال الأغلبية النيابية، وهو ما كان من شأنه أن يرتقي بعض الشيء بالحياة السياسية، ذهبت التجربة نحو باب مغلق.

«سيادة سياسة الاسترضاء في الدوائر العليا للدولة، تتحمل المسؤولية الرئيسية هذا الفشل»، بحسب أكاديمي طلب عدم ذكر اسمه، ولفت الانتباه إلى أن الدولة الأردنية لم تعد بلداً صغيراً، يدار بمنهج العلاقات العامة، بل أصبح بلداً كبيراً وحديثاً يحتاج إلى سيادة منطق وشروط وآليات عمل المؤسسة التي تحتكم في كل شيء إلى سيادة القانون.

مرحلة توزير النواب (1989-1996)، تثير تساؤلات أيضاً على صعيد وزارات السيادة، فمن هم النواب الذين اتيحت لهم فرص حمل حقيبة وزارة سيادية؟

على صعيد وزارة الدفاع، وضمن تقليد تحمل رئيس الوزراء نفسه، مسؤولية وزارة الدفاع، شغل هذا المنصب كل من طاهر المصري وعبد الكريم الكباريتي. فيما لم يحمل أي من الوزراء النواب حقيبة المالية على امتداد هذه الفترة.

وزارة الخارجية كانت أكثر وزارة سيادية أتيح لوزراء نواب تحمل مسؤوليتها، وهؤلاء هم: طاهر المصري في التعديل على حكومة مضر بدران والذي دخل فيه نواب الإخوان المسلمين إلى الوزارة مطلع عام 1991، عبد الله النسور في حكومة طاهر المصري عام 1991، وعبد الكريم الكباريتي في حكومة الشريف زيد بن شاكر الثالثة عام 1995. في المقابل، حمل عوض خليفات حقيبة الداخلية في حكومة الكباريتي عام 1996.

لكن ما يلفت الانتباه هو أن جميع الوزراء النواب الذين حملوا حقائب سيادية، كانوا وزراء سابقين.

إن إعادة بناء العلاقة بين النيابة والوزارة على أسس سليمة تخدم تطور الحياة السياسية في المملكة، يستلزم دفع عجلة الإصلاح السياسي إلى الأمام بما يمكن الأردن من النهوض بالحياة الحزبية فيه، واعتماد قانون انتخاب يشتمل على مبدأ التمثيل النسبي، ما يرسي الأساس السليم للتعددية وتداول السلطة.

النيابة لم تعد جاذبة للوزراء السابقين
 
31-Jul-2008
 
العدد 37