العدد 6 - اقتصادي
 

يطالب خبراء اقتصاد الحكومة بضبط النفقات العامة في الموازنة التي باتت تتجاوز نصف الناتج المحلي الإجمالي المقدر ب 13 مليار دينار وذلك من أجل لجم العجز الذي سيخترق 1،2 مليار دينار العام المقبل- وبالتالي ضبط معدلات التضخم المتجهة للتصاعد.

وبينما يحذر خبراء ومسؤولون سابقون من هذا الانزلاق يطالبون بضرورة مراجعة النفقات بجميع بنودها في سبيل ضبط الموازنة لتنسجم مع التوجهات الإصلاحية المتكئة إلى خروج الحكومة من حلقات الإنتاج لفائدة القطاع الخاص.

خروج النفقات الجارية والرأسمالية عن الخطط المرسومة بدأ بالتفاقم بعد عام 2002 مع انتهاء رقابة صندوق النقد الدولي، الذي فرض منذ عام 1989 إصلاحات هيكلية تناغمت مع رفع الدعم عن السلع الأساسية، حسبما يلاحظ خبراء الاقتصاد. وربط هؤلاء بين عجز موازنة العام المقبل- قبل احتساب المنح والمساعدات- والعجز القياسي الذي سجّل عام 1989.

على أن مداخلات صندوق النقد الدولي لإصلاح الخلل الاقتصادي على مدى ثلاثة عشر عاماً تركت آثاراً سلبية على مستويات دخول المواطنين، كما عاد للصعود الخط البياني لمعدلات التضخم الذي يتوقع خبراء ان ينهي العام الحالي عند معدل 5%، على ما يضيف الخبراء. فسنوات التقشف وشد الأحزمة على البطون، بحسب المصادر نفسها، ساهمت بشكل رئيس في اتساع جيوب الفقر وانهيار جزء كبير من الطبقة المتوسطة، عماد الأمن المجتمعي في أي دولة.

مشروع قانون الموازنة لسنة 2008 يتوقع أن يقفز العجز بعد المنح والمساعدات إلى 724 مليون دينار، أي 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي، صعودا من 7.3% العام الحالي. وكانت القراءات الأولية وضعت العجز المتوقع عند 3.4% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أقل من نصف النسبة المتوقع تحقيقها فعلياً.

وزير الاقتصاد الوطني السابق سامر الطويل، يرى أن استمرار التوسع في الإنفاق السنوي يشكّل “خطراً” على الأداء الاقتصادي، ويتعارض مع أسس الإصلاح المرتكزة إلى تخفيض النفقات الحكومية التي اعتمدت منذ فترة طويلة.

التوسع في مساهمة الحكومة في الناتج المحلي الإجمالي يأتي، بحسب الطويل، على حساب حصّة القطاع الخاص من النشاط الاقتصادي، المفترض أن تزداد في ظل قرارات حكومية صوب التخاصية ضمن خطط تصغير الجهاز البيروقراطي.

تقدّر رواتب وأجور زهاء 600 ألف موظف ومتقاعد مدني وعسكري بمليار دينار بمعدل 80 مليوناً شهرياً.

خلال العقد الماضي، وضعت الحكومة خططا تقشفية لتخفيف ترهل الجهاز الحكومي بمعدل 2% سنوياً. إلا أن تلك الخطط اصطدمت بمعوقات كثيرة من بينها غياب الجدّية والعواقب المجتمعية لتسريح آلاف الموظفين.

الأرقام الرسمية الحالية تثبت أن الحكومات تواصل التوسع في نفقاتها الجارية عبر رفع سقف الموازنة العامة، فضلاً عن إنفاق الحكومة على المؤسسات المستقلة والبلديات. تلك النفقات المتصاعدة تشكّل نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي.

مشروع قانون الموازنة العامة الذي دفعته الحكومة إلى مجلس النواب الخامس عشر قبل أيام قدّر موازنة الدولة ب 5.2 بليون دينار، بزيادة 11% عن السقف المبدئي الذي حدّدته حكومة معروف البخيت بـ 4.672 بليون دينار للعام الحالي. وقدّرت نسبة النمو ب 6 % العام المقبل. أما الناتج المحلي الإجمالي فقدّر في مشروع القانون بنحو 12.9 مليار دينار، صعودا من 11.3 ملياراً العام الحالي.

إذا احتسبت مصاريف الحكومات على المؤسسات المستقلة والبلديات، بحدود مليار دينار، سترتفع النفقات الجارية والرأسمالية إلى 6.2 مليار دينار.

يتجلّى الخلاف حول مسألة تخفيض النفقات، بحسب المصادر ذاتها، بعد عقد ويزيد من تجربة التخاصية بيع خلاله جزء كبير من مساهمات الحكومة في الشركات الكبرى لكن دون تقليص النفقات في مختلف القطاعات التي خرجت منها الحكومة، بحسب الطويل.

يتوقع أن يرتفع إلى 912 مليون دينار الرصيد التراكمي لعوائد التخاصية (المقبوضات مطروحاً منها المصروفات) قريباً، بزبادة 53 % عن الرصيد الحالي المقدر ب 596.3 مليون دينار بحسب نشرة وزارة المالية. الإرتفاع المرتقب سينجم عن صفقات تخاصية مشروعات مربحة في قطاع الكهرباء، بقيمة إجمالية 315.7 مليون دينار، فضلاً عن الملكية الأردنية.

وثمّة خطط رسمية لاستخدام هذه الأموال في شراء ملياري دولار من دين الأردن المستحق لنادي باريس، وذلك بعد أن وافق أعضاؤه الاثنا عشر على نسبة خصـم 11%، ما قد يوفر سنوياً على مدى سبع سنوات 240 مليون دولار أي ثلث خدمة الدين أقساطاً وفوائد.

وزير المالية الأسبق سليمان الحافظ، يرى أن “الأهداف قصيرة المدى المراد تحقيقها خلال الأعوام الثلاثة المقبلة غائبة عن بلاغ مشروع قانون موازنة، والتي على أساسها تم إعداد الموازنة الموجّهة بالأهداف”.

الحافظ يشرح بأن “الموازنة الموجّهة بالأهداف تعطي للمستثمر والمستهلك ودافعي الضرائب مؤشرات ودلالات عن الخطط المستقبلية، الأمر الذي يساعدهم على وضع برامج تتفق مع السياسة المالية التي تنتهجها الحكومة”.

في ضوء تصاعد الإنفاق الحكومي، يضيف الوزير السابق، “لا يمكن توقع مدى نجاعة أو فشل الموازنة إلا بعد معرفة مدى تحقيقها للأهداف التي تم على أساسها الإنفاق”.

موازنة العام المقبل جاءت في سياق مؤشرات عامّة ترسم ملامح موازنات ثلاث سنوات مقبلة، ضمن خطط حكومية لبناء استراتيجيات طويلة الأمد، وذلك من وحي مضامين الأجندة الوطنية التي وضعت قبل سنتين لرسم خارطة طريق متكاملة لعشر سنوات قادمة.

على أن الخبير الاقتصادي يوسف منصور يقدّر مساهمة الحكومة في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام بأكثر من النصف، مستنداً في ذلك إلى حجم الإنفاق في الموازنة العامة للعام الحالي والبالغ 4.9 مليار دينار. يضاف إليها 800 مليون دينار للمؤسسات المستقلة و750 مليون دينار للبلديات والمحافظات والجامعات وغيرها وصولاً إلى 6.5 بليون دينار من 11.36 مليار دينار الناتج المحلي الإجمالي للعام الحالي.

كانت الحكومة تبنت خلال السنوات الماضية عدة مشاريع لمراجعة الإنفاق. أكد آخرها ”ارتفاع حصة الاستثمار العام إلى إجمالي التكوين الرأسمالي في الأردن” لتبلغ 43% في المتوسط خلال الفترة 2001-2004.

كما طالب المشروع بضبط نمو الإنفاق الحكومي في ظل مستويات العجز المرتفعة ووجود محددات متزايدة أمام رفع معدلات الضريبة، الأمر الذي يفرض على الإصلاح المالي في المملكة في المرحلة القادمة الاعتماد بصورة أكبر على ترشيد الإنفاق العام وتطوير كفاءة البرامج الحكومية والمؤسسات العامة.

الخبير الاقتصادي مازن مرجي، مع الرأي بأن حجم الإنفاق الحكومي آخذ بالازدياد، ما يدل على أن الحكومة “لم تستوعب درس الإنفاق الرأسمالي المبالغ فيه، والذي يزيد مستويات العجز ويقدم ضعف أداء الحكومات السابقة فيما يتعلق بالإنفاق الرأسمالي دليلاً قوياً على غياب الجدوى من تضخيم حجم هذا النوع من الإنفاق”. النفقات الرأسمالية في موازنة العام المقبل قدرت بـ1.12 مليار دينار، مقابل 836 مليوناً العام الحالي، على أن تنخفض إلى 1.1 مليار دينار العام 2009، ثم 1.2 مليار عام 2010.

بنيت موازنة العام المقبل على أساس الحصول على منح خارجية مقدارها 440 مليون دينار، بزيادة 27% عن المعاد تقديره العام الحالي والبالغ 346 مليون دينار، علما أن موازنة العامين التاليين 2009 و2010 قللت من احتمالية الحصول على مساعدات بهذا الحجم.

وتقيدت موازنة العام المقبل ببلاغ إعداد مشروع قانون الموازنة العامة. إذ لم ترصد أي دعم للمحروقات، تأكيداً على فرض الحلقة الخامسة والأخيرة من تحرير قطاع الطاقة المزمع تنفيذها مطلع آذار/ مارس المقبل.

وتضمنت موازنة العام المقبل بنداً لشبكة الأمان الاجتماعي حجمه 301 مليون دينار، لمواجهة تبعات تحرير قطاع الطاقة ومتوالية الدومينو التصاعدية التي ستعقبه في السلع والخدمات.

تحذير من ارتفاع الإنفاق الحكومي ونكوص القطاع الخاص
 
13-Dec-2007
 
العدد 6