العدد 6 - اقليمي
 

الإعلان يغري ويشي بحل سحري لقطاع من الشبان الأردنيين طحنتهم البطالة. إعلان مبهم خال من التفاصيل أو وجهة السفر. على أن طالب العمل يتفاجأ لاحقاً بوجهة السفر: قاعدة أميركية داخل العراق.

«مطلوب مترجمين عربي-إنجليزي/إنجليزي-عربي، براتب 1150 دولاراً. العمر لا يقل عن 18 سنة. تأمين صحي وضمان اجتماعي وتكاليف سفر»، يذيّل الإعلان الملصق على الجدران والجسور وأعمدة الهواتف في أحياء عمان وفي بعض الصحف المحلية برقمي هاتف.

الإقبال المبدئي شديد. لكن الشركة المعنية تصر على التكتم وسط تذمر عشرات الشباب الذين يصدمون بالوجهة النهائية.

فاتن (35 عاما) :«أغراني الإعلان فاتصلت وحددت موعداً. وفوجئت بوجود حراسة على باب مقر الشركة الواقع في أحد أحياء عمان الراقية». ثم «أدخلني أحد الموظفين (مراسل) وقادني الى بيت جاهز يقع خلف المبنى»، تضيف المرأة المتزوجة. هناك شرح لها «موظف آخر بأن العمل في العراق. وكان على عجالة ومهتماً بطالب وظيفة جالساً على كرسي داخل الغرفة».

«حين استفسرت عن طبيعة العمل»، تستذكر فاتن التي رفضت الكشف عن هويتها، «قادني الموظف الى غرفة ملاصقة، حيث قال لي شخص آخر بدا مسؤولاً، يرتدي بزة رسمية داكنة اللون بدون ربطة عنق: إنني سأعمل كمترجمة مع القوات الأميركية».

إذ ذاك «أبديت مخاوفي حيال العمل في العراق وأخبار القتل تملأ شاشات الفضائيات والصحف». تتابع فاتن، «لكن المسؤول طمأنني: أن الوضع هناك أكثر أمناً من أماكن كثيرة، أنت لن تغادري القاعدة التي ستعملين فيها.. وأضاف: أنا مثلاً عدت قبل يومين من بغداد وسأعود إلى هناك خلال أيام».

فاتن واحدة بين المئات من خريجي الجامعات الذين يبحثون عن فرصة عمل داخل أو خارج المملكة.

يعمل زهاء 590 ألف أردني في دول الخليج العربي، أي عشر عدد السكان وذلك هرباً من البطالة المقدرة رسمياً ب 14.5% من قوى عاملة قوامها مليون و250 ألفاً. تشير التقديرات الرسمية إلى أن تحويلات المغتربين سجلت ثلاثة مليارات دينار، أي ثلث الناتج المحلي الإجمالي، حتى تشرين الثاني /نوفمبر 2007.

الشركة صاحبة الإعلان توظف أردنيين للعمل مترجمين مع القوات الأميركية في العراق، بموجب قانون العمل الأردني، وبراتب يناهز الـ 14 ألف دولار سنوياً. لكن للمفارقة تزامن ذلك مع إعلان مماثل نشر في الصحف الأميركية يعرض الوظيفة نفسها على حملة الجنسية الأميركية أو الجرين كارد براتب 180,000 دولار سنوي.

مسؤولو الشركة الناشرة للإعلان رفضوا الحديث مع “السِّجل”، رغم اتصالاتنا المتكررة.

قتل في العراق 240 مترجما منذ الغزو الاميركي عام 2003 وحتى تموز/ يوليو 2007، بحسب إحصائية لجمعية المترجمين العراقيين. أكثر من 80 في المئة منهم سقطوا في عمليات اغتيال منظمة، فيما نجا أكثر من 520 مترجماً من عمليات اغتيال غادر معظمهم على أثرها الى خارج البلاد. معظمهم عراقيون.

أولئك الشباب لعب جسر تواصل وساهموا في ردم الفجوة الثقافية بين الجنود الأميركيين والعراقيين. في السابق كان الجنود يستخدمون لغة الإشارة للتعامل مع العراقيين.

خلال عمليات التدريب الأساسي التي التحقوا بها، تلقى المترجمون من أصول عربية تحذيرات من أن خلفياتهم قد تجعل منهم أهدافاً متحركة للمليشيات العراقية التي تصورهم كخونة، إلا أنه لم يتم تحذيرهم من زملائهم الجنود الذين أرسلوا أصلاً لمساعدتهم.

في مقابلته مع فاتن، أسهب المسؤول في إيضاح طبيعة حياة المترجم هناك، مشيرا الى أن كل شيء متوفر من مسكن، مختلف المأكولات والمشروبات، تلفزيون وكمبيوتر وانترنت.. وحتى (Play Station).

اعترضت طالبة الوظيفة “أولاً لكون الراتب بخساً مقارنة بالمهمة الجليلة التي سأسديها للشركة”. على أن المسؤول أكد لها أن العديد من الشباب والصبايا “وافقوا عليه، والتحقوا بالعمل، وهم سعداء بذلك”، لافتاً إلى أن عقد العمل سيكون “بموجب قانون العمل الأردني”.

في أميركا تسعى وكالات التوظيف الملحقة بالبنتاغون إلى استقطاب أميركيين من أصول عربية أو يتقنون اللغة العربية للعمل مترجمين في العراق برواتب مغرية. تنشر تلك الوكالات منشورات ولافتات واعلانات كتب عليها «180 ألف دولار سنوياً لمن يتحدثون اللغة العربية اتصل فوراً». في أسفل الإعلان المكتوب بالأزرق وضع رقم هاتفي وكذلك عنوان على شبكة الإنترنت. موقع الإنترنت ذكر بأن عملية التوظيف تقوم بها وكالة «إل آو تي إس» التي تعمل مع البنتاغون ووكالات حكومية بما في ذلك جهات استخباراتية. ويعدد الموقع الامتيازات التي سيحصل عليها هؤلاء المترجمون في العراق، إذ سيتقاضون راتباً سنوياً بين 145 الى 186 ألف دولار ً (12 الى 15 ألف دولار شهرياً) وحوافز كل ستة أشهر في حدود 15 ألف دولار، وتغطية طبية شاملة، وعطلة لمدة أسبوعين مدفوعة الأجر.

ويتقاضى المترجمون العراقيون الذين وظفوا عن طريق “غير الشركة الأردنية المشار إليها” رواتب تتراوح بين 5-10 آلاف دولار شهرياً، بحسب تصريحات مترجم يدعى كريم كبة لموقع إيلاف الإلكتروني.

ولم يتسن تحديد سبب “بخس” رواتب الأردنيين مقارنة بغيرهم من الجنسيات. كذلك لم يتسن الحصول على أعداد المترجمين الأردنيين الذين ذهبوا الى العراق، وهل سقط منهم ضحايا هناك؟

وتختم فاتن حديثها بالقول: “الصورة الزاهية التي قدمها مسؤول الشركة للوضع في العراق، دعتني للتفكير مرتين، خصوصاً أن اقاربي رفضوا الفكرة، نظراً لحساسيتها الأخلاقية والأمنية”. وأكد لها أحد الذين سبقوها أن “المقاومة العراقية تستهدف مترجمين قبل القوات الأميركية، لأنهم يعتبروهم: عيون الأميركيين في بلد يجهل فيه هؤلاء لغته”.

الترجمة في العراق أضحت من أخطر المهن على الإطلاق. ويزيد الطين بلة أن الاميركيين ينظرون بعين الشك الى المترجمين العراقيين والعرب عموماً، ويشكون بصلات مزعومة لهم مع مقاومين، ما دفع لفرض قيود صارمة على حرياتهم.

يفيد مترجمون أنهم يعيشون كجنود في الثكنات. ولكنهم محرومون من كثير من المزايا التي تجعل الحياة أقل قسوة في قواعد الجيش الأميركي.

يشتكي عدد كبير من المترجمين من أصول عربية من أن الجنود الأميركيين يسخرون من ألقابهم العربية، ويتهمونهم بالوقوف في الجانب الخطأ من الصراع داخل العراق.

يقول طارق (24 عاماً) من أصل مغربي: إن أولى التحديات التي واجهته في العراق تمثلت في إقناع زميله الأميركي بأنه ليس إرهابياً. تنقل صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” عن ضابط أميركي قوله :”هؤلاء المترجمون شر لا بد منه. فنحن لا نستطيع العمل بدونهم. ولكن هنالك خوف دائم من قيامهم بتسريب أسرار العمليات”.

لا يقتصر استهداف المترجمين في العراق على المقاومين والمليشيات. إذ إن هناك عصابات متخصصة في خطفهم بغية الحصول على الفدية. إذ نجحت عصابات في الحصول على مبالغ طائلة من جراء تجارة الخطف.

مترجمون على خط النار في العراق – خالد أبو الخير
 
13-Dec-2007
 
العدد 6