العدد 6 - اقليمي
 

إذا كانت مقابلة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي مع محطة CNN في أواخر عام 1997، والحديث عن ضرورة فتح المجال أمام حوار جدي بشأن العلاقة مع واشنطن، والتأكيد بأن مشكلة إيران ليست مع الشعب الأميركي وإنما مع السياسات الأميركية - قد هدأت من حرارة التوتر بين واشنطن وطهران، فإن تصريحات الرئيس احمدي نجاد في أول مؤتمر صحفي له في آب/ أغسطس 2005 و تأكيده بأن إيران”لا تحتاج أميركا” قد زادت من حرارة التوتر بين البلدين لتسير مسرعة نحو مواجهة لا يبدو أنها بعيدة.

لقد كانت العلاقة الإيرانية الأميركية جزءاً من الحقائق التي تشكل دائرة التحالفات داخل النخبة السياسية الإيرانية، كما تحدد طبيعة النقاش السياسي ومساره داخل تلك النخبة، إضافة إلى ذلك فإنها مفردة أساسية ستحدد مسار النظام في العقد أو العقدين المقبلين. لا شك أن التاريخ يلعب دوراً في الاهتمام الأميركي والذي جعل إيران أيضاً جزءاً من الحقائق الهامة داخل خريطة الحزبين الأميركيين طوال القرن العشرين، فالولايات المتحدة التي اعتمدت على إيران أكثر من ثلاثة عقود لتعميق حضورها السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط من جهة، و كذلك الوقوف على الحدود الجنوبية لما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي - من جهة أخرى لم تستطع أن تقبل ولا أن تتحمل أن تخرج إيران من تحت عباءتها، ولم يقف الأمر عند الخروج من تحت العباءة بل إن إيران بسياستها الخارجية وشكل نظامها السياسي أصبحت تحدياً أمنياً وسياسياً للمصالح الأميركية في منطقتين هامتين هما الشرق الأوسط، وأواسط آسيا.

لقد كان الدور الأميركي-المعادي وفق النظرة الإيرانية- في قضية تأميم النفط عام 1951، والذي اعتذرت عنه واشنطن لاحقاً (1999) عبر رئيسها بيل كلينتون أحد العوامل التي استفاد منها النظام السياسي في إيران بعد الثورة لحشد الشعب الإيراني حول سياسة العداء لأميركا، صحيح أن هذه السياسة لم تستمر طويلاً تحظى بدعم قاعدة عريضة من الشعب الإيراني، لكنها كانت مفيدة في بدايات تشكيل النظام، وهو الأمر الذي لا يجب التقليل من أهميته.

الأمر الآخر الذي كان وما زال يلقي بظلاله على علاقات واشنطن وطهران هو الأداء العام للسياسة الخارجية الإيرانية، فالصراع العربي الإسرائيلي الذي تسعى واشنطن إلى إيجاد حل سلمي له يبدو أنه يترنح، والسبب وفق الرؤية الأميركية هو دور إيران-الدولة المارقة- في دعم حركات مثل حماس وحزب الله ترى إيران أنها حركات مقاومة وترى واشنطن أنها إرهابية تهدد الأمن في منطقة الشرق الأوسط. ولا يقف الحد عند الشرق الأوسط بل يتجاوزه إلى حضور إيران القوي في أواسط آسيا، والتحالفات التي تعقدها مع دول معادية لأميركا في أميركا الجنوبية. وفي السياق نفسه ترى طهران أن السياسة الخارجية الأميركية ما هي إلا استمرار لسياسات استعمارية هدفها التجاوز على حق الشعوب ونهب خيراتهم. هذا الفهم النظري للسياسة الخارجية الأميركية يعكسه ما تبدية السياسة الخارجية الإيرانية من –حرص على مساعدة المستضعفين وحركات التحرر في العالم كما يسميهم الدستور الإيراني في المواد 152و154- وهو الأمر الذي جعل ليس فقط الولايات المتحدة تتخوف من إيران بل ودول الجوار الإيراني في منطقة الشرق الأوسط كذلك.

يلقي الأداء السياسي للسياسيين أيضا بظلاله على تطورات العلاقات بين البلدين، فعلى سبيل المثال كانت تصريحات الرئيس جورج بوش الابن حول ”إيران كجزء من محور الشر” عام 2003 سبباً وراء توقف مباحثات Track II بين الإيرانيين والأميركيين والتي بدأت بعد هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، كما أن تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حول إسرائيل وإنكار الهولوكوست كانت سبباً آخر في تأزم العلاقة غير الحسنة أصلاً بين واشنطن وطهران.لقد عكست زيارة الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد الأخيرة إلى نيويورك والتي أعلن فيها أن ملف إيران النووي بالنسبة إلى إيران قد أغلق، وكذلك زيارته إلى جامعة كولومبيا والتأثير الذي تركته تصريحاته داخل الولايات المتحدة، اذ لم يتردد رئيس الجامعة في وصف الرئيس الإيراني بأنه” دكتاتور وحشي ينكر محرقة الهولوكوست، وهو ما يثبت أنه إما مستفز بشكل صارخ، أو جاهل بشكل مدهش”.

ليس دقيقاً القول إن الملف النووي وتطوراته هما من الأسباب الحقيقية في اتساع الفجوة بين واشنطن وطهران وتزايد الروح العدائية بين الإدارتين، أن الانطباع القائم لدى كل طرف عن الطرف الآخر، وكذلك مسألة التصور عن طبيعة النظام السياسي تشكلان عاملين أساسيين وراء نمو هذه الروح. وأخيراً يجب أن لا نقلل من التعارض في المصالح بين البلدين، وهو الأمر الذي يدفع إلى تصوير الآخر كخطر من الضرورة مواجهته بكل الوسائل، الأمر الذي يبدو أن نتائجه لن تدفع باتجاه مزيد من الاستقرار والأمن في عالم تزيد عوامل وعدم استقراره يوماً بعد يوم.

النووي ليس الأزمة الوحيدة بين واشنطن وطهران – محجوب الزويري
 
13-Dec-2007
 
العدد 6