العدد 36 - أردني
 

عواد علي

رغم أن التطور قد حسم الصراع،بين التيار الذي حارب المسرح والتيار الذي احتضنه وسعى إلى استنباته في الثقافة العربية لصالح الثاني، فانتشر المسرح نتيجة لذلك، في سائر أرجاء العالم العربي، وأنشئت له الفرق ودور العرض والمعاهد والكليات والمهرجانات، فإنه ظل يصطدم حتى الآن مع ظاهرة الرقابة السياسية، والاجتماعية، والدينية هنا وهناك في العالم العربي لكتم صوته أو على الأقل، تدجينه.

ينطلق الوقوف على ظاهرة الرقابة من القناعة بأن الحديث عن المسرح والديمقراطية في أي بلد، لا يكتمل من دون تشخيص الممارسات التي تصادر حرية التعبير في حقل المسرح، وعليه، فإن أي حديث عن مناخ ديمقراطي يعمل فيه المسرحيون بإرادة حرة مسؤولة،لا معنى له من دون إلغاء هذه الظاهرة التي تتقاطع مع الديمقراطية. وقد سبق لكاتب هذه السطور، أن كتب عن نماذج من انتهاك السلطات لحق فناني المسرح في ممارسة نشاطهم المسرحي ومعاقبتهم على أفكارهم ورؤاهم السياسية، وعلى بعض التجارب المسرحية التي منعتها الرقابة، أو أوقفتها، في مصر، وسورية، ولبنان، والعراق لأسباب شتى، لم يكن من ضمنها طبعاً أي سبب يتعلق برداءتها الفنية، أو انتهاكها لحرمة المسرح أو حقوق مؤلفي نصوصها، أو إساءتها المتعمدة إلى مقدسات الناس ومشاعرهم.

في الأردن، هناك ثلاثة نماذج، تمثيلاً لا حصراً على حالات رقابة، رغم أنها كانت وما زالت أقل تعسفاً من الرقابة في دول عربية أخرى.

دخل الأردن، مع عودة الحياة البرلمانية، مرحلة «الانفراج الديمقراطي» العام 1989، بعد إلغاء الأحكام العرفية. شهدت الحركة المسرحية فيه، قبل هذه المرحلة، بعض الحالات التي جرى تضييق الخناق فيها على عروض معينة عُدّت «مارقةً». هناك عرض أوقف بعد أيام من بدء تقديمه هو «البلاد طلبت أهلها»، تأليف عبد اللطيف عقل، وإخراج المخرج التونسي المنصف السويسي العام 1989. يقول منتج العرض الممثل زهير النوباني عن واقعة إيقاف العرض: «خرجت (البلاد طلبت أهلها) إلى النور في شهر آذار 89، وكان تحدياً كبيراً عرضها في أكبر مسرح في الأردن وأهمها وهو مسرح قصر الثقافة.عرضت المسرحية بنجاح منقطع النظير، وفي العرض الحادي عشر امتلأت المقاعد، وعددها 750 مقعداً، وكان عدد من اقتعدوا الأرض يماثل عدد الجالسين على المقاعد، أما الواقفون خارج القاعة فقد فاق عددهم ثلاثة آلاف متفرج، وبيعت البطاقات لثلاثة أسابيع، و فوجئنا في اليوم الثاني عشر بكتاب من وزارة الداخلية يأمر بإيقاف المسرحية من دون ذكر الأسباب».

وهناك نص رفضت الرقابة العام 2001 إجازة نشره هو نص مسرحية «حديقة الموتى» للكاتب إبراهيم جابر إبراهيم، وذلك بدلاً من الاحتفاء به كونه النص الفائز بجائزة محمد تيمور السنوية للعام 2000، التي تمنحها الهيئة المصرية العامة للكتاب. وهو من أجرأ، وربما أنضج النصوص المسرحية العربية التي شرّحت شخصية الطاغية تشريحاً درامياً، فقد قدّمها نموذجاً فريداً للسلطة الاستبدادية المطلقة المتهورة، التي تعتمد القوة العسكرية أداةً في ممارسة القهر والاستحواذ والاغتصاب، وكل أنواع الجور والطغيان، في حين أنها، حقيقةً، شخصيةُ جبانة ومنخورة من الداخل، تعجز عن مواجهة العدو الحقيقي «الخارجي» ولا تعبأ بسيادة الوطن وأمنه، وإذا ما اضطرت إلى خوض المعارك، فإنها تخرج منها مهزومةً، مثل العديد من جنرالات، ماركيز الفولكلوريين في رواياته. عمد المؤلف إلى جعل الطاغية شخصية عقيمةً جنسياً، كعلامة رمزية لعقم أدائها السياسي، وطريقتها في الحكم التي خرّبت البلد، وجلبت الهزائم، وحولته إلى مقبرة كبيرة.

ثمة تجربة ثانية تعرضت لعسف الرقابة، لكن ليس الرقابة الرسمية هذه المرة، وهنا تكمن المفارقة، بل رقابة المسرحيين أنفسهم، فهم الذين حرضوا وزارة الثقافة، بشكوى خطية، على إيقاف عرض عنوانه (في السماء.. اضطرابات نفسية) للمخرج محمد بني هاني، بعد تقديمه مرة واحدة ضمن عروض مهرجان المسرح الأردني الثاني عشر العام 2005. وكان من بين الموقعين على الشكوى خمسة مخرجين مشاركين في المهرجان، أكدوا فيها أن بعض مشاهد العرض، الذي كتب نصه الكاتب المسرحي النرويجي أرلنك كتّلسن، تحمل "فكراً إلحادياً وكفراً وتمرداً "!

إلاّ أن المخرج فنّد ما جاء في الشكوى، متهماً أولئك الذين كتبوها بأنهم أرادوا التشهير به وبفريق العرض. وقد أوضح مدير مديرية الفنون والمسرح في الوزارة، آنذاك، المخرج حاتم السيد،أن اللّبس الذي وقع فيه أصحاب الشكوى مرده أن "العرض ضم بعض الكلمات التي يمكن أن تحمل أكثر من معنى أو تفسير».

ثلاثة نماذج مسرحية ضحية للرقابة
 
24-Jul-2008
 
العدد 36