العدد 36 - أردني
 

وُضعت خطة التنمية الثقافية في الأردن للأعوام 2006، 2007 2008 إبان تولي عادل الطويسي حقيبة الثقافة، بعد الاطلاع على منجزات وأفكار عدد من وزراء الثقافة السابقين، وعلى توصيات المؤتمر الثقافي الوطني الذي عُقد في حزيران 2004، وما ورد في الأجندة الوطنية للأعوام 2005-2010 حول محور التعليم والتعليم العالي، والإبداع.

سبقَ وضْع هذه الخطة في صيغتها النهائية لقاءات عديدة مع الهيئات الثقافية في مقارّها في عمّان والمحافظات، إضافة الى لقاءات أجراها الطويسي على المستوى الفردي مع خمسة وعشرين من «رموز الثقافة» في الأردن. إذ طُرحت العديد من أفكار الخطة ومحاورها ومرتكزاتها وبرامجها ومشاريعها للنقاش مع من تم الالتقاء بهم.

تقوم خطة التنمية الثقافية على «رؤيةٍ» تسعى للإجابة عن سؤال: ما هي الثقافة التي نريد للمواطن الأردني؟ وتتضمن واحداً وثلاثين برنامجاً ومشروعاً ثقافياً يمكن تبويبها في سبعة محاور: برامج التوعية والتنوير، برامج ومشاريع لإيجاد بيئة للإبداع، برامج ومشاريع لتسويق المنتج الثقافي والفني الأردني، برامج لدعم المنتج الثقافي الأردني، برامج ومشاريع لتحقيق عدالة توزيع مكتسبات التنمية الثقافية، برامج ومشاريع لتطوير السياسات والعمل في الوزارة، برامج ومشاريع تهدف للتواصل مع الدول الأخرى .

تستهدف هذه الخطة تسريع وتيرة الحراك الثقافي في المملكة، وتوفير البنية التحتية اللازمة لهذا الحراك، التي تتعلق بالإنسان أو بالمكان، وتوفير البيئة المناسبة للإبداع الثقافي والفني.

تواجه التنمية الثقافية في الأردن جملة تحديات منها: غياب السياسات والاستراتيجيات الوطنية الواضحة، ضعف التنسيق بين الجهات القائمة على التنمية الثقافية، شح الموارد، تردي أوضاع غالبية المثقفين والمبدعين والفنانين الاقتصادية، مركزية القرار في الهيكل التنظيمي لوزارة الثقافة، محدودية الدعم المقدّم من وزارة الثقافة للهيئات الثقافية وللإبداع والمبدعين، ضعف البنى التحتية لقطاع الثقافة في معظم المحافظات، تركيز الفعل الثقافي في العاصمة، عدم ملاءمة بعض التشريعات والأنظمة المعمول بها حالياً في الشأن الثقافي لمتطلبات العصر، عدم توفر قاعدة بيانات ثقافية حسب نوع المنتج الثقافي وجهة إنتاجه، وضعف الكادر الوظيفي في وزارة الثقافة، كمّاً ونوعاً.

أما أهداف الخطة فهي: تعزيز الهوية الأردنية الوطنية باستحداث مشاريع تتخذ من الإبداع الثقافي والفني ركيزة أساسية لها ،في نشر ثقافة واعية ومسؤولة ومنتمية ولها هوية محددة تأخذ تعبيرها من رسالة وزارة الثقافة ورؤيتها، تطوير البنية التحتية لقطاع الثقافة والفنون في مجالاته كافة، بإيجاد التوازن بين القطاع الحكومي ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، تطوير الهيكل المؤسسي لوزارة الثقافة وتحديثه ليتواءم مع الرؤية الملكية وبرنامج الإصلاح الحكومي، وتطوير الموارد البشرية في الوزارة.

من الأهداف الفرعية للخطة: إعادة هيكلة وزارة الثقافة بما يكفل استقلالية مناسبة تحدّ من المركزية القائمة حالياً، إعادة مديريات الثقافة في المحافظات وتوفير البنية التحتية لها، إنشاء صندوق دعم الثقافة بدعم من القطاعين العام والخاص، مأسسة الدعم المقدّم للهيئات والنشاطات الثقافية المختلفة، تسويق المنتج الثقافي الأردني في الخارج، وتشجيع الاستثمار في قطاع الثقافة.

شهد العام 2007 ذروة تجسيد هذه الأهداف على أرض الواقع، فانطلق مشروع المدن الثقافية، ومشروع مكتبة الأسرة، ومهرجان الثقافة للجميع، ومشروع الذخيرة العربية، ومكنز التراث، ومشروع مكتبة الطفل المتنقلة، ومشروع التفرغ الإبداعي. وهناك خشية في أوساط المثقفين أن يشهد هذا العام 2008 انتكاسة لهذه الخطة الطموحة، نتيجة إهمال عدد من المشاريع، أو البدء فيها في وقت متأخر، أو محدودية الرؤية في تنفيذها.

**

"مجلس أعلى".. دفين الأوراق

تنادى مثقفون إلى عقد المؤتمر الثقافي الوطني الأردني الأول في المركز الثقافي الملكي. عُقد المؤتمر وبحث على مدار ثلاثة أيام (1-3/6/2004) مسألة إلغاء وزارة الثقافة، بعد أن غابت "الثقافة" عن تشكيلة حكومة فيصل الفايز التي اتجهت النية لديها لتشكيل مجلس أعلى للثقافة والفنون «يتولى التنسيق الشمولي والتخطيط الوطني بانسجام تام مع آراء المثقفين وأبناء الوطن والمؤسسات الأهلية في المناطق المختلفة"، كما جاء في البيان الوزاري.

انعقد المؤتمر برعاية ملكية، وبدعم من الفايز الذي حضر افتتاحه ووافق على تمويله، وبحضور الناطق الرسمي باسم الحكومة حينئذ أسمى خضر. وترأسه ناصر الدين الأسد.

تدارس المؤتمرون عبر أوراق العمل التي قدموها واقع الحياة الثقافية في الأردن والتشريعات الثقافية وموضوعات ذات صلة بالدراما والفنون والبحث العلمي وصناعة النشر.

صدرت عن المؤتمر 45 توصية، من أبرزها إعادة وزارة الثقافة ومديريات الثقافة في المحافظات، وإنشاء مجلس أعلى للثقافة والفنون، ومراكز ثقافية شاملة في المحافظات، وإنشاء صندوق لتنمية الثقافة والفنون بموجب قانون خاص، ووضع نظام لتفرغ المبدعين من الكتاب والفنانين، وتعيين رموز ثقافية أردنية في الملحقيات الثقافية في السفارات الأردنية في الخارج.

تحقق جزء من هذه التوصيات لاحقاً، خصوصاً زمن تولي عادل الطويسي وزارة الثقافة، لكن عدداً كبيراً منها ما زال حبراً على ورق، نظراً لما يتطلبه من خطوات تشريعية أو تنسيق مع جهات أخرى حكومية وغير حكومية، فيما بدا عدد من التوصيات حالماً بما لا يمكن معه تحقيقه، مثل إنشاء دار وطنية للنشر والترجمة، والعمل على استرجاع آثار الأردن من الخارج. التوصية المتعلقة بعقد المؤتمر الثقافي الوطني بصورة دورية وبمعدّل مرة كل سنتين، ذهبت هي الأخرى أدراج الرياح.

على إثر المؤتمر، تشكل «المجلس الوطني التأسيسي للمجلس الأعلى للثقافة والفنون» الذي ضمّ 42 شخصية ثقافية، وترأسه الشريف فواز شرف، وأنيطت به مهمة تدارس الوضع الثقافي والفني، وإنشاء آلية لتحقيق المطلوب من خلال تقديم مشروع قانون خاص به.

عقد شرف مؤتمراً صحفياً يتيماً في المركز الأردني للإعلام، أكد فيه أن المجلس توصل إلى «أن يكون مجلساً وطنياً يشمل جميع الوطن وجميع القطاعات الثقافية والفنية بتعاون وتكامل كامل مع الوزارة، على أن يكون مستقلاً ومرتبطاً برئيس الوزراء أسوة بالمجلس الأعلى للشباب والمجلس الأعلى للإعلام». وقال شرف إنه رفع ملف المجلس للحكومة، لكن الحكومات المتلاحقة صرفت النظر عن مناقشة الموضوع ،حتى غابت سيرة المجلس وأصبح شيئاً من الماضي.

تلاشى حضور المجلس التأسيسي –الذي اختُلف على اسمه في وسائل الإعلام- فورَ إعادة تفعيل وزارة الثقافة التي أُسندت حقيبتها لأسمى خضر، ولم يتسنّ لقانون المجلس الذي التزمت حكومة الفايز بإقراره أن يرى النور، وما تبقّى منه فقط ذكريات عن جدل احتدم في الوسط الثقافي حول الدور المطلوب من المجلس: هل هو تنفيذي أم استشاري؟ وهل سيحلّ مكان الوزارة، أم سيعمل معها؟.أما الوزارة فبقيت.

**

معجم الأدباء الأردنيين.. قصة تعثُّر

تعرّضَ المجلد الأول من الجزء الثاني لمعجم الأدباء الأردنيين (الخاص بالأحياء)، إلى نقد واسع فور صدوره نهاية العام 2006، لما اعتوره من أخطاء تحريرية ولغوية، وما شابَهُ من تخبط في المنهج واختلال في المعايير، ما دفع وزير الثقافة حينئذ عادل الطويسي، إلى تشكيل لجنة لدراسة المعجم وتقديم تصوراتها حوله.

وكان قرار إصدار المعجم اتُّخذ في العام 2001، استعداداً للاحتفال بعمّان عاصمة للثقافة العربية 2002، وصدر جزؤه الأول المخصص للأدباء الراحلين، دون أن يثير كثيرَ لغط. أما الجزء الثاني فقد صدر مجلده الأول مدار الحديث هنا بعد زهاء خمس سنوات من التاريخ المتوقَّع لصدوره، مشتملاً على بيانات عفا عليها الزمن حول الأدباء، بما يتنافى مع الهدف من المعجم الذي يُراد منه تقديم معلومة دقيقة ومحدّثة حول الأدباء المترجَم لهم!.

أوصت اللجنة التي ترأسها الأمين العام المساعد بوزارة الثقافة، باسم الزعبي، بإعادة طبع المعجم، على أن تتشكل قبل ذلك هيئة استشارية تضع الأسس والمعايير الكفيلة بضبط العمل في المعجم. وأكدت اللجنة أن هذا المشروع "مشروع وطني" لا بد أن يخرج بالشكل اللائق، وأن يجري تحديثه بشكل دوري. واقترحت أن يقتصر المعجم على مجلد واحد، وأن لا يُجزّأ، خصوصاً بعد أن غاب عدد من الأدباء عن المجلد الثاني الخاص بالأحياء، لأنهم رحلوا أثناء عملية إصدار هذا المجلد، وبعد صدور المجلد الخاص بالراحلين!.

وضعت اللجنة خطة عمل، يحتاج تطبيقها إلى فترة زمنية تقارب السنة، واقترحت تشكيل هيئة تحرير وطاقم فني وإداري لإنجاز المشروع. وتمت الموافقة على جميع مقترحاتها.

كُلّف ناصر الدين الأسد برئاسة الهيئة الاستشارية التي ضمت ثمانية من أعلام الثقافة في الأردن، وتواصلت اجتماعات الهيئة بشكل دؤوب حتى أنجزت المطلوب منها، وقررت تشكيل لجنة مصغرة لمتابعة سير العمل في المعجم وفقاً للتوصيات والقرارات المتخذة. تلا ذلك بدء الاتصالات بشتى الوسائل لتوفير بيانات حديثة للأدباء، وبدأ العمل التحريري بالتزامن مع ذلك، بهدف إصدار الطبعة الجديدة من المعجم في الوقت المناسب.

خاطبت اللجنةُ المصغّرة، وزيرة الثقافة نانسي باكير، مطلع العام 2008، لتكليف أحد الموظفين بإدخال البيانات، وهي المرحلة الإجرائية الأولى لإخراج المعجم إلى حيز الوجود، على أن تكون مكافأته من ضمن الموازنة المقررة للمشروع، بمعنى أن الوزارة لن تتحمل أي نفقات إضافية..

حتى اليوم، تواصل اللجنة المصغرة اجتماعاتها، وتتواصل عملية جميع البيانات وتحديثها، ويواصل طاقم التحرير عمله، لكن قرار تكليف مدخل البيانات لم يصدر بعد. ما يعني إمكانية فشل المشروع الطموح، أو على الأقل عرقلة المعجم وتأخير صدوره. يحدث هذا بسبب عدم اتخاذ قرار ضروري حول أمر ثانوي، دون أن يُعرف السبب!.

خطة التنمية الثقافية (2006–2008).. انتكاسة متوقَّعة!
 
24-Jul-2008
 
العدد 36