العدد 35 - اقليمي
 

تحسين يقين

القدس ـ يضرب جدار الضم والتوسع الذي يقيمه الاحتلال الإسرائيلي وحدة الضفة الغربية، بإنشاء واقع استيطاني. ويمتد الأمر للتأثير الطاغي على البيئة وتنوعها الحيوي، وحرمان الجمهور الفلسطيني من النمط المألوف لحياته.فلم يعد متاحاً أمام شاب أو عجوز الوصول إلى النباتات البرية.

لا «مير مية» ولا «عكوب» ولا «ورق لسان» و...الكثير من ثمار النباتات البرية أخرى لم يعد القرويون يستطيعون الوصول إليها، بعدما صارت خلف الجدار، حتى مشهد الغزلان المحبب للأطفال لم يعد موجوداً بعد فصل التجمعات البشرية عن فضائها. الثروة الحيوانية انتكست بعد حرمان الرعاة من الوصول إلى المراعي الطبيعية، كما يقول ابن ريف القدس عمر سليم، المزارع الذي لم يتبق له سوى هامش صغير لرعي أغنامه بعدما كان امتداد المراعي يكاد يكون لا نهائياً...

التنوع الحيوي أحد المصادر الطبيعية المهمة،وأحد أعمدة التنمية المستدامة المستقبلية في الأراضي الفلسطينية، ويعتبر مؤشراً للواقع البيئي، لذلك، فإن المنطقتين المعزولتين الغربية والشرقية للضفة الغربية (اللتين تقعان خلف الجدار، المنطقة الغربية محصورة بين الخط الأخضر والجدار، والمنطقة الشرقية تقع في الغور شرق الحواجز والعوائق والجدار المقترح باتجاه نهر الأردن) سوف تكون الأكثر تهديداً للواقع البيئي الطبيعي في الأراضي الفلسطينية وستسهم في تجزئة الأنظمة البيئية وتؤثر على الواقع الطبيعي في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وفقاً للخبير البيئي، نادر هريمات، من معهد الأبحاث التطبيقية «أريج».

هزيمات ذكر أن إقامة مناطق العزل سواء على شكل جدار إسمنتي أو أسلاك شائكة أو مناطق مغلقة تؤدي إلى خلق فاصل فيزيائي، يمنع التواصل الجغرافي للأرض ويخلق واقعاً مناخياً جديداً، مثل تجمع مياه الأمطار خلف الجدار، مما سيسهم في انجراف الترب والغطاء النباتي، إضافة إلى التجريف واقتلاع الأشجار المتعمد من قبل الاحتلال الذي يتم خلال عملية إقامة الجدار ونصب الأسلاك الشائكة وشق الطرق الفاصلة، التي تطال المزروعات والغابات والأغطية النباتية الخضراء بأنواعها كافة.

جريمة السطو على التنوع الحيوي

فصل المناطق الشرقية والغربية عن الضفة الغربية أدى إلى فصل 44 محمية طبيعية عن أراضي الضفة الغربية، ما يعني القضاء على التواصل الجغرافي الطبيعي للحيوانات البرية المتواجدة في تلك المناطق. ذلك أن ما يقارب 4404 دونمات من الأراضي الحرجية تتواجد في المنطقة الغربية خلف جدار العزل و473 دونما في المنطقة الشرقية من منطقة العزل وهي تساوي ما يقارب 57بالمئة من المساحة الكلية للغابات في الضفة الغربية. ولن يتمكن الفلسطينيون وفقاً لهزيمات من الوصول إلى تلك المناطق من أجل إدارتها والحفاظ عليها. تحتوي المنطقتان الغربية والشرقية على عدد كبير من الأنواع النباتية النادرة وتتراوح كثافة تواجد الأنواع النباتية من 1 – 23 نوعاً في منطقة العزل الشرقية و1 - 7 نوعاً/لكل 5 كم2 في منطقة العزل الغربية.

يرى هزيمات أن جدار العزل يعمل على تدمير النباتات ويشكل تهديداً مباشراً لأنواع النباتات التي تنمو طبيعياً في تلك المنطقة كونه يخلق واقعاً بيئياً مختلفاً، لأن هذه النباتات متوطنة ومتأقلمة مع الواقع المناخي ومتناغمة مع تركيبته. حيث سيمتد التهديد ليطال الأنواع النباتية السائدة في الجزء الشرقي وقد يحولها إلى نباتات نادرة أو منقرضة مثل ذلك: المليح، السدر، السويدا (خورية)، الزعتر، والشيح وكذلك الحال للنباتات السائدة الواقعة في الجزء الغربي المعزول خلف الجدار مثل: السنديان، الخروب، البطم ا، السريس، الطيون، قصب المكانس، والترمس البري، حيث يقع ما مساحته 49.9بالمئة من منطقة التجمعات العشبية والشجيرية للضفة الغربية في منطقتي العزل.

وتشكل منطقة العزل الشرقية 38.4بالمئة من الغطاء النباتي الطبيعي الذي يحتوي على الأنواع البرية ذات الأصول الجينية التابعة للبقوليات والحبوب، أما الجزء المتبقي وهو 61.6بالمئة من الغطاء المعزول فيقع في منطقة العزل الغربية ويحتوي على السلالات النباتية البرية التابعة لأشجار الفاكهة مثل الاجاص البري والتفاح البري واللوز البري.

ويؤكد على ذلك الخبير البيئي جورج كرزم، موضحاً أن وجود الجدار يهدد الوحدة الطبيعية للنباتات والكائنات التي تعيش وفق دائرة حيوية واحدة، سيصبح سهلا أن تنكسر هذه الوحدة ما يعني اختفاء مكونات المكان، وحرمان المواطنين ليس من الانتفاع بها طبيا وصحيا وغذائيا، بل وثقافيا، حيث اعتاد الناس العيش الطبيعي مع مكانهم بما فيه من كائنات وعناصر.

في الوقت الذي تتميز فيه فلسطين بالتنوع الثقافي والديني والحضاري مثلا، فإن تميزها بالتنوع الحيوي، والذي انسجم مع تلك التنوعات على اختلاف أشكالها، شكّل خصوبة للمكان الفلسطيني بأزمنته، والذي لا يقل جذبا للسواح والزائرين عن الجذب الديني والحضاري بما هو مقدس وأثري.

فقد تميزت فلسطين بأنها محج ومزار للزوار لأسباب كثيرة، منها السياحة البيئية، للتعرف على المشهد الطبيعي والغني، والذي لا يقتصر على السباحة بالبحر الميت، والمياه الساخنة مثلا، بل أن جزءا من الزوار يهتمون بالتواصل مع البيئة، رسما وتصويرا ودراسة واستكشافا. الجدار يهدد بقتل هذا الاتصال ويضع عقبات أمام التنقل، بسبب الدوران حول الجدار، واضطرار الزوار إلى القيام بأكثر من زيارة واحدة داخل الجدار وأخرى خارجه، هناك تمزق ظاهر للبيئة.

تتفق مع ذلك المصورة رجيل من إسبانيا التي زارت قرى القدس، وصورت موجودات المكان، لكنها فوجئت بأن الذهاب إلى مناطق وراء الجدار يشكل مغامرة فأصدقاؤها من الفلسطينيين لا يستطيعون مصاحبتها ومعاونتها بما تهتم به من تصوير للأزهار البرية.

وفي النهاية فإن خطة التوسع والضم ستسهم في تدهور واستنزاف المصادر الطبيعية، وتخلق واقعاً جديداً يؤدي إلى انتزاع أفضل الأراضي الزراعية؛ مما ينذر ببروز مشاكل بيئية كبيرة مثل الرعي الجائر، التصحر، الزحف العمراني، وشح المصادر المائية وتملحها، وانجراف التربة والغطاء النباتي، بما فيه من تنوع حيوي، وهذا سيسهم في التغيير المناخي للمنطقة لتصبح منطقة جافة.

آثار جدار الضم والتوسع على البيئة الفلسطينية: تشتيت موجودات المكان وتدمير تنوعها الحيوي
 
17-Jul-2008
 
العدد 35