العدد 6 - أردني
 

لم تحمل زيارة وزير الخارجية السوري الى عمان قدراً كبيراً من المفاجأة ، وذلك بعد زيارة الملك عبدالله الثاني الى دمشق في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. فعمان تتبع سياسة وآلية عمل ، تنجح فيها بكسر الجليد في علاقاتها العربية بما يلبي مصالحها ومصالح ثنائية متبادلة. النموذج السابق هو قطر حيث وجه الملك حكومته الى التعاون مع دولة قطر في جميع المجالات، عقب استقباله رئيس الوزراء القطري الشهر الماضي أيضاً.

مع دمشق تبدو المسائل أكثر اشتباكاً .تبدأ من حقوق المياه وتمر بالمعتقلين الأردنيين في السجون السورية وبهاجس أمني دائم من تسرب أسلحة عبر الحدود البرية. ولا تنتهي بالاتصالات السورية مع اطراف معارضة أردنية (تتخذ أحياناً شكلاً حزبياً بين حزب البعث الحاكم وأطراف أردنية). لقد أمكن البدء بحل هذه المشكلات والاتفاق على استئناف أعمال اللجنة العليا بين البلدين قبل نهاية العام الجاري. من وجهة نظر أردنية مستقلة، فإنه من المهم الاستمرار بالوتيرة الإيجابية نفسها ، وتحرير أوجه التعاون من الخضوع لحسابات سياسية ظرفية ومتغيرة ، فيتم الإسراع مرة والتباطؤ مرة أخرى وفقاً لهذه الحسابات .

الوزير وليد المعلّم، حمل في زيارته رسالة شفوية من الرئيس بشار الأسد الى الملك. وزيارة الوزير استشرفت آفاقاً في العلاقات تتخطى ما هو ثنائي بين البلدين .فهناك هاجس سوري وقبل مئة يوم على عقد القمة العربية الدورية في دمشق، بأن لا تنجح هذه القمة في استضافة عدد من القادة العرب وبالذات العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز وتالياً قادة خليجيين وغير خليجيين. وهذه هي القمة العربية الأولى المقرر عقدها في دمشق حسب التسلسل الأبجدي للدول المضيفة، ومن المفارقات أنه لم يسبق للعاصمة السورية أن احتضنت أو دعت لعقد قمة شاملة على أراضيها، وهي التي تكاد تنفرد بخطاب عروبي وحدوي. فإذا لم تتحسن العلاقات بين دمشق والرياض خلال الأسابيع القليلة المقبلة ، فقد لا يكون متيسراً عقد قمة شاملة. ومن الواضح أن دمشق تتطلع لأن تلعب عمان كما القاهرة أو الدوحة ، دوراً في التقريب بينها وبين الرياض.

لم تنجح الاتصالات بين دمشق والرياض سوى في عودة الاتصالات، ولكن على مستوى غير عال وغير علني. وهو ما سعت دمشق لاحتوائه بالدعوة لاستئناف القمم الثلاثية مع مصر والسعودية. لم تستجب الرياض للطلب.واتخذت مواقف تنبىء أن زمن هذه الصيغة قد مضى وانقضى.أما مصر فلم تبد حماسة ولا رفضاً .

الأردن، وبعد اتصالات متبادلة مع الطرف السوري، اقترح عقد قمة خماسية تجمع مصر والأردن والسعودية وسورية وفلسطين،بهدف تمكين دمشق من تجاوز خلافاتها مع السلطة الفلسطينية حيث تتخذ دمشق موقفاً مؤيداً وداعماً لحركة حماس، بما في ذلك سيطرتها على قطاع غزة (وسائل إعلامها اعتبرت ما جرى في غزة آنذاك بمثابة انتصار لسورية).. وتدعو في الوقت ذاته الى حوار فلسطيني داخلي. وقد سعى خالد مشعل لزيارة الرياض غير مرة ونجح في المرة الأخيرة. وافقت دمشق على فكرة القمة الخماسية بانتظار الموافقة السعودية ، والاتفاق على جدول الأعمال .

هناك أيضاً الموضوع اللبناني. تأخذ الرياض، كما القاهرة وعمان، على دمشق دعمها للمعارضة اللبنانية التي عطلت المجلس النيابي اللبناني، ووضعت ما لا يحصى من عراقيل أمام انتخاب رئيس جديد، كما عطّلت هذه المعارضة مبادرات سعودية شتى قادها السفير في بيروت عبدالعزيز خوجة ، حتى أن السفير تلقى تهديدات وغادر العاصمة اللبنانية لبعض الوقت .

في هذه الأثناء فتحت دمشق خطاً مع باريس لتحسين العلاقات معها عبر بوابة البحث عن رئيس لبناني، ولضمان أن تبقى لدمشق كلمة مسموعة في هذا المجال وللبرهنة أن قوى دولية نافذة على استعداد للتنسيق مع دمشق. وقد تم تحقيق بعض النجاح في هذا الاتجاه .

غير ان العواصم المعنية الثلاث تنظر للأمور بما يشمل ويتعدى انتخاب رئيس لبناني جديد، بحيث يتم الاعتراف الفعلي بسيادة واستقلال هذا البلد العضو المؤسس في الجامعة العربية، والتوقف عن اعتبار التدخل في شؤونه حقاً «قومياً» مكتسباً لدولة بعينها! بأن لا يكون هناك تدخل من أي طرف عربي أو غير عربي .

ويكاد مراقبون يتفقون على أن اختيار قائد الجيش العماد ميشال سليمان هو مفتاح الحلول، بعد أن سحبت الأكثرية ترشيح اثنين من صفوفها هما: بطرس حرب ونسيب لحود، وزكت العماد الذي لا ينتمي بداهة لفريق الأكثرية أو المعارضة.والبادي أن دمشق توافق على هذا الخيار لكنها ترفق ذلك عبرالمعارضة، بمطالبات حول الحكومة المقبلة في لبنان.

من الملفات الإقليمية الأخرى في جعبة المعلم:التسوية الموقوفة. فقد شاركت دمشق في قمة انابوليس بوعد أميركي بإدراج الجولان على جدول الأعمال.لم يتحقق هذا الوعد.واقترحت روسيا عقد اجتماع لاحق على أراضيها يبحث التسوية الشاملة أو المسار السوري تحديداً. أبدت واشنطن في حينه في أجواء أنابوليس موافقتها على الفكرة، لكن شيئاً لم يبدر عنها بالسير في هذا الاتجاه. وتؤيد عمّان كل تسوية شاملة، شأنها شأن الرياض والقاهرة، وتقوم بالتذكير بخصوصية وتعقيد ومركزية القضية الفلسطينية.علماً بأن عمّان عملت على إقناع واشنطن بأهمية دعوة دمشق لمحفل أنابوليس، وهو ما تم ،رغم أن النتائج العملية للاجتماع جاءت باهتة. ولعل الحضور السوري على مستوى نائب وزير الخارجية فيصل المقداد لمحفل أميركي على أرض أميركية،كان هو التطور الأهم في ظل قطيعة واشنطن مع دمشق .لم تحمل زيارة المعلم لعمان مفاجآت.بيد أنها حملت اعترافاً ضمنياً بـوزن المــملكة الهاشمية والحاجة لدور تلعبه عمان في تسليك خطوط مقفلة أمام عاصمة الأمويين.وهو أمر جديد قياساً لفترة سابقة من السياسات السورية .

هواجس إقليمية في زيارة المعلم لعمان – سليم القانوني
 
13-Dec-2007
 
العدد 6