العدد 35 - أردني
 

نهاد الجريري

حتى يتغلب عادل، الموظف في شركة الكهرباء الأردنية، فرع طبربور، على الارتفاع المتلاحق لأسعار الوقود، لجأ وقريب له يعمل معه في المكان نفسه، إلى تقاسم فاتورة بنزين السيارة، فيتناوب الاثنان على استخدام سيارة واحدة فقط كل يوم.

يقول عادل الذي يسكن حي الدبايبة شرقي عمان أن "المسافة من البيت إلى الشغل تكلفني 5 دنانير بنزين يوميا." أما الآن فبإمكان عادل أن يختزل التكاليف إلى النصف. ويزيد أنه حتى لو اضطر إلى عدم "تحريك" السيارة واستخدام المواصلات العامة لكلفه ذلك 3.5 دينارا يوميا من منطقة أُحُد إلى سحاب إلى رغدان إلى طبربور إلى المكتب وبالعكس، ناهيك عن مشقة الانتظار تحت الشمس أو المطر ومخاطر التنبيهات والإنذارات في حال تأخر عن عمله. وفي وقت لاحق، توسعت هذه "التجربة" لتشمل 3 شبان آخرين يدفعون لعادل وقريبه 4 دنانير أسبوعيا مقابل "توصيلة" إلى مجمع رغدان، تكلف الواحد منهم 5 دنانير أسبوعيا باستخدام الباصات العامة.

وفي نمط آخر من أنماط "التعايش" مع فاتورة البنزين، يعمد عادل إلى "اختصار" الكثير من "المشاوير" التي يضطر فيها لاستخدام سيارته؛ فينتظر حتى تتراكم المشاوير إلى منطقة معينة ليقوم بها دفعة واحدة. ويضيف "صار الواحد يمشي وراسه بالتابلو، يطلّع ع عداد البنزين!"

داليا، الطالبة في كلية الزراعة بالجامعة الأردنية، تتخذ "الاستراتيجية" ذاتها، إذ تحرص على تكثيف موادها في يومين من الأسبوع فقط حتى لا تتحمل نفقات وأعباء المواصلات من الزرقاء، حيث تسكن، إلى عمّان.

عادل وداليا وجدا جزءا من الحل في تجربة "الاشتراك في سيارة واحدة" Car pooling أو في التقليل من استخدام السيارات أو الباصات أو سيارات السرفيس. أما سماح الصيدلانية التي تسكن في منطقة اليادودة جنوب شرق عمان، فلم تجد بدا لحل مشكلة المواصلات إلا بمغادرة منزلها الساعة 7 صباحا مع زوجها لتكون في عملها الساعة 7:15، رغم أن عملها فعليا لا يبدأ قبل الثامنة. وتقول "إذا أردت أن أكون في عملي الساعة 8 واخترت المواصلات، فلا بد أن أغادر المنزل الساعة 7 في كل الأحوال بسبب أزمة المواصلات في هذا الوقت." وتضيف أن المواصلات تشكل لها أرقا حقيقيا خاصة أنها تضطر إلى أخذ رضيعتها معها إلى مكان عملها. وتقول "أن أنتظر الباص وأنا أحمل الطفلة شيء صعب جدا، خاصة وأن هذا الأمر يتكرر كل يوم صيفا شتاء." وتضيف أنها في كل الأحوال توفر 30 قرشا أجرة الباص أو دينارا أجرة التاكسي، إذ إن زوجها يذهب في اتجاه عملها بكل الأحوال. وتقول "قرش على قرش بيجمع بآخر الشهر!"

مثل هذا "النقل الجماعي" الذي يوفر الوقت والجهد والمال، ويضمن الوصول الآمن المريح إلى مكان العمل، على الأقل في الموعد المحدد، والذي اضطلع به عادل وسماح كتجربة فردية، لا يزال "هدفا استراتيجيا" لدى مؤسسات الدولة المعنية. فقطاع النقل الذي يستهلك 38% من فاتورة المملكة النفطية، كان أحد أهم القطاعات التي وضعتها لجنة الأجندة الوطنية قبل 4 سنوات ضمن استراتيجية "شمولية استباقية" ترسم مسارات الدولة للسنوات العشر المقبلة. أبرز معالم تلك الاستراتيجية كان تطوير خدمات النقل العام وصولاً إلى شبكة نقل عام منتظمة ومتطورة.

وما يزال الكثيرون يذكرون كيف تصدرت تصريحات رئيس الحكومة الأسبق، عدنان بدران، واجهة الصحف صيف عام 2005، عندما تحدث عن إنشاء طرق مواصلات حديثة ومشاريع استثمارية كبيرة للحد من هدر الطاقة.

لكن على أرض الواقع، لا تزال المشكلة تراوح مكانها، مع ازدياد عدد السكان، ومع الارتفاع المتواصل لأسعار النفط.

إخلاص يوسف، الناطقة الإعلامية في هيئة تنظيم قطاع النقل تقول إن الهيئة بدأت عملية إعادة هيكلة قطاع النقل العام بهدف الوصول إلى شريحة من المواطنين تثق بوسائط النقل العام وبمستوى الخدمة فيها. وتحدد يوسف أهم معالم هذه الهيكلة بدراسة تعكف عليها الهيئة حاليا تتعلق بإنشاء شركات كبيرة تتولى النقل العام في المملكة بهدف التغلب على مشكلة الملكيات الفردية التي تسيطر على القطاع حاليا. وتضيف إلى ذلك الخطط الجارية بهدف فتح خطوط جديدة لتشمل مناطق لا تغطيها وسائط النقل العام. لكن يوسف لم تحدد موعدا زمنيا للانتهاء من هذه الهيكلة وتقول "مش بكبسة زر نستطيع تغيير الأمور، فهذه تراكمات 50 عاما ماضية، وهيئة تنظيم قطاع النقل فتية نسبيا، فلا بد لها من الوقت الكافي لتحقيق هذه المنجزات."

عبدالستار أبو حسّان، نائب رئيس الاتحاد العالمي للمواصلات العامة، يقول إنه لا يمكن اعتبار هيئة تنظيم قطاع النقل "فتية". ويشرح: "عمرها 8 سنوات، وبدأ التحضير لها قبل ذلك بـثلاث سنوات، وبالتالي فإن عمرها الحقيقي هو 11 عاما." ويعقب أبو حسّان أنه طوال تلك الفترة والهيئة تقول إنها "في مرحلة التشريعات"، ويتساءل "أي تشريعات تستغرق 11 عاما؟!"

يعتبر أبو حسّان أن "صاحب القرار" بما يتعلق بالنقل العام، "وبغض النظر عن صفته سواء أكان وزير مواصلات أو أمين عام أو مدير هيئة، لم يكن مقتنعا بأهمية قطاع النقل، فكانت الحكومات تُرحّل استراتيجياتها فيما يتعلق بالنقل من سنة إلى أخرى." ويدلل على ذلك بأن وزارة "النقل العام" كانت دائما تعتبر وزارة ثانوية أو وزارة "ترضية"، إذ كثيرا ما كان يتم دمجها في وزارات أخرى مثل الاتصالات أو السياحة.

ويذهب أبو حسّان إلى أبعد من ذلك عندما يشير إلى أن الحكومات في الأردن، خلافا لحكومات دول العالم، تتلقى دعما من قطاع النقل العام. من خلال بدل الاستثمار يراوح بين 2-3 مليون دينار يدفعها المشغّلون، سواء لهيئة النقل العام أو الهيئة التنفيذية للتخاصية. وهو يعتقد أن تفعيل قطاع النقل العام يكون بإلغاء هذا البدل، وهو ما تحقق، جزئيا، عندما أعلن أمين عمان عمر المعاني، الشهر الماضي فقط، إعفاء الشركات المستثمرة من جزء من بدل الاستثمار حتى نهاية العام "كدعم حكومي لقطاع النقل". من ناحية، يكون التفعيل، بحسب أبو حسّان، بإلغاء الجمارك وضريبة المبيعات على الحافلات الكبيرة. ويتساءل "كيف تلغى الجمارك على سيارات السرفيس والتاكسي التي لا تحمل أكثر من 4 ركاب في المرة الواحدة، بينما لا تُلغى عن الحافلات التي تُقل 60 راكبا؟"

عدم جدية الحكومات المتعاقبة في "إصلاح" قطاع النقل العام يتمثل في "التلكؤ" الذي حصل في تنفيذ مشروع قطار الزرقاء-عمّان. لو سُرّع في تنفيذ هذا المشروع "الجدلي"، لحُلّت مشكلة متفاقمة في قطاع النقل في أكبر مدينتين في الأردن يتركز فيهما نصف عدد سكان المملكة. المشروع الذي تبلغ تكلفته 236 مليون دينار كان أحيل قبل أكثر من عام إلى ائتلاف باكستاني-صيني-أردني. إلاّ أن تأخر هذه الجهة في تنفيذ التزاماتها تسبب في نزع العطاء منه في أيار/ مايو الماضي وإيكاله إلى ائتلاف كويتي-إسباني يُعرف باسم "فليكس". المشروع دخل مرحلة التصميم على أن يتم الانتهاء منه في 2011، بحيث يشكل نواة لشبكة نقل حديثة ولنمط جديد من وسائط النقل تعتمد على الطاقة الكهربائية، ما سيخفف من ضغط الفاتورة النفطية التي تقضم ربع الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. هذا الخط سيقلل استهلاك الديزل بنحو 9 ملايين لتر سنويا والبنزين بنحو 8 مليون لتر.

في الموعد المنتظر 2011، إذا ما نفذ المشروع كما هو مخطط، سيكون بإمكان 100 ألف شخص، هم العدد المُقدر للركاب على خطوط الزرقاء-عمّان يوميا، أن يستخدموا القطار الكهربائي بواقع 78 رحلة وبفارق 10 دقائق بين كل رحلة وأخرى تستغرق كل منها حوالي 37 دقيقة. بأي حال، تمكنت الحكومة حتى الآن من الوفاء بوعدها بإلغاء الضرائب والجمارك المستوفاة على السيارات الهجينة Hybrid التي تعمل بالوقود والكهرباء في آن واحد، الأمر الذي يقلل من استخدام الوقود فيها بواقع النصف.

مالك الكباريتي، مدير المركز الوطني لبحوث الطاقة، يقول إن قرار الإعفاء دخل حيز التنفيذ نهاية حزيران/ يونيو الماضي. ويضيف أن شركة تويوتا اليابانية هي الوحيدة التي تورد هذا النوع إلى المملكة، مشيرا إلى أن شركات أخرى مثل هوندا وجنرال موتورز تدرس حاليا إمكانية التوريد. ويشرح الكباريتي أن الطلب عالميا بدأ يتزايد على هذا النوع من السيارات نظرا لارتفاع أسعار النفط، الأمر الذي لا يسمح باستيراد المزيد منها بالرغم من قرار الإعفاء.

طرق غير مألوفة للتعايش مع ارتفاع أسعار المحروقات
 
17-Jul-2008
 
العدد 35